بلاغة الخط في النصوص الشعرية عند العرب المحدثين

التمظهر الخطي بأشكاله وألوانه في النصوص الشعرية العربية والغربية الحديثة يعد أفضل ما كشف عن جماليات الخط والاعتناء بجمالياته.
نهج حروفي تشكيلي جديد يتأتى من إبداع نصوص جديدة عميقة المرامي، تروم توليد معاني جمالية باستخدام الرسم والتجريد والحرف، واعتماد مختلف الأشكال المتاحة
سمة إجمالية ميزت الخط/الشعر لدى العرب المحدثين

إن التمظهر الخطي بأشكاله وألوانه في النصوص الشعرية العربية والغربية الحديثة يعد أفضل ما كشف عن جماليات الخط والاعتناء بجمالياته، حيث تم الاعتماد على تجسيد صورة للكلمة أو العبارة داخل النص الشعري وما فيها من موسيقى وحركة ومعنى وخيال مرئي من خلال تثبيت الخط والتصرف في امتداد الحروف التي تتشكل منها الكلمات أو الجمل.
إن الصورة الخطية المختلفة في النصوص الشعرية قد عملت على تبلور الأفكار وترسيم أشكال فنية تقرأ باللسان وترى بالبصر والبصيرة وترسم في المخيّلة، وتكاد تلمسها الحواس التي تستشعر جمال الشعر، فالخط يقترن بالتعبير الفني وبشتى الأساليب. وهذا التعبير يلامس مختلف السياقات المتّصلة بفضاء الشعر والنثر، وبذلك يتبدى الحس الجمالي الذي يلف جملة من الإبداعات الحابلة بالدلالات موحيا بميلوديات بصرية تنفذ إلى الأعماق البصرية بأبعادها ومجمل نظام علاقاتها، وبتأثيرية الأحبار المختلفة، وبمختلف التقنيات وبالمنجز الفني والتشكيلي، لتتجاوز مهمة إمتاع البصر إلى مهام تجريدية منفتحة على دلالات ومعاني جديدة ومتنوعة ومتعددة. 
تلك السمة الإجمالية التي ميزت الخط/الشعر لدى العرب المحدثين، بمبالغات لونية أحيانا، تباغت البصر وتؤسس صروح جمالية مردها الانتهال من ثقافة المتقدمين ومنجزاتهم  ومردها الإتكاء على نهج حروفي تشكيلي جديد يتأتى من إبداع نصوص جديدة عميقة المرامي، تروم توليد معاني جمالية باستخدام الرسم والتجريد والحرف، واعتماد مختلف الأشكال المتاحة.
الأسس الجمالية والبلاغية لنشوء النمط الجديد عند العرب المحدثين
إن هناك أسسا معرفية وجمالية وبلاغية أدت إلى نشوء الشكل الجديد للقصيدة العربية الجديدة، فكان للتوزيع الخطي دور في البناء الجمالي للقصيدة. وقد ساهمت مجموعة من المؤلفات النقدية في إنجاز الشكل الجديد للقصيدة العربية، منها كتاب الشعر العربي المعاصر: ظواهره المعنوية وقضاياه الفنية، لعز الدين اسماعيل، وكتاب التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث لمحمد الصفراني، وكتاب الشكل والخطاب لمحمد الماكري وغيرها من المؤلفات التي كان لها وقع في تغيير شكل القصيدة العربية مما جعلها تتعانق مع جماليات الخط العربي الذي يمتاز بخصوصيات منفردة بوصفه فنا له أبعاده وطبيعته ووظيفته سواء على صعيد المستوى البصري أو المستوى الذهني، فالزينة البديعية الخطية في طابعها الجمالي قد كشفت تجديد الشعر العربي ورامت مقصديات أخرى وأشكالا تم الاعتماد في إنجازها على التراث العربي، كاعتماد فكرة كتاب كما هو الشأن بالنسبة لأدونيس: "أمس المكان الآن"، حيث قام بتقسيم الصفحة إلى ثلاثة أجزاء بصرية، حددها في المتن والهامش والحاشية، مدللا ذلك بعنوان فرعي للكتاب: مخطوطة منسوبة إلى المتنبي.

الخط العربي
الخط في مشروع أدونيس

الخط في مشروع أدونيس
  لقد عمل أدونيس في مشروعه الحروفي على تغيير شكل الشعر العربي، ولم يقف عند ذلك الحد بل إنه حمل الفرشاة ورسم قصائد شعرية غير مألوفة، معتمدا على الألوان وعلى جمالية الحرف العربي كركيزة أساسية في أعماله التي تبدت في مجملها وكأنها لوحات تشكيلية أكثر منها نصوصا شعرية، حيث أنتج خطوطا مختلفة بألوان فارقية أحيانا ومتجانسة أحيانا أخرى بايماءات تصويرية وصفها أنها تتحدث عن الإلهام الذي يتماهى مع ما تعيشه الأمة العربية.. فهو من خلال عمله الفني يدل على جمال اللغة العربية في شكل حروفها المكتوبة ويدل أيضا على الجمال الفني التشكيلي. وقد وصف الفنان الإيطالي ماركو نيريو أعمال أدونيس الفنية أنها تشكل امتدادا لشعره ولكن في شكل مختلف، كما أن أحد المهتمين بالفن قال: "إن أعمال أدونيس هي لعبة مع الحروف أنتج منها هذا الكم من الجمال الممزوج بتلك الكلمات التي قالها شعرا أو التي استقاها من دواوين غيره من الشعراء، إنه يقدم لنا مجموعة شعرية جديدة أساسها هذه الخطوط السوداء والملونة بفرشاة رسام حاذق يعلم كيف يستنطق الحروف".
وإن هناك محاولات أخرى قام بها شعراء معاصرون حداثيون من تونس حيث كتب الشاعر منصف المزغني ديوانا شعريا سنة 1988  بعنوان: "قوس الرياح"، احتوى قصائد كاليغرافية وبصرية مثل قصيدة: "جرول بن طمعون الخشنشري".
كما كتب شعراء الشام من سوريا ولبنان قصائد شعرية كونكريتية، خصصت لها بعض المجلات الحداثية حيزا مهما من الصفحات، كمجلة: "الآداب" البيروتية، ومجلة: "شعر"، ومجلة: "مواقف".
إن هذه التجارب - وإن كانت متفرقة وقليلة- فقد وظفت العناصر البصرية في بناءات متنوعة ومختلفة من حيث الشكل والجوهر، لكنها توحدت من حيث إنها تحمل في داخلها إيٍقاعات التكوينات الخطية‏ وفق المناهج والتصورات بما تحمله من إيقاعات واستلهامات من الفنون التشكيلية عامة وفنون الخط العربي خاصة، وما استقته من تجارب في كيفيات وضع الألوان، وتتفق أيضا من حيث إنتاج الدلالات المتعددة.