"الحرية" والقدس: عقدتان، عدم حلهما قد يؤجل الانتخابات

قائمة "الحرية" هي الأوفر حظاً في كسب أصوات الجمهور الفلسطيني الناقم على حكم حركتي حماس وفتح.

الناظر من بعيد لما يجري من تحضيرات لإجراء الانتخابات التشريعية الفلسطينية يظن أنها قائمة في موعدها في آيار /مايو المقبل. أقول يظن، كون لجنة الانتخابات الفلسطينية قبلت كافة القوائم الستة وثلاثون المرشحة للانتخابات، يضاف إلى هذا التفاؤل استعجال بعض النشطاء السياسيين والإجتماعيين من بعض القوائم، ممارسة دعاية انتخابية غير رسمية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لقوائمهم.

واللافت أن أنشط فريق مناصر لقائمته، هم أنصار حركة فتح الذين أبرزوا على صفحاتهم شعارات فتح- العاصفة، وصور مرشحي حركتهم للانتخابات التشريعية، هؤلاء النشطاء أيضاً لفتوا الأنظار اليهم من خلال شنهم واحدة من أعنف الحملات على رئاسة قائمة “الحرية” التي تعتبر مفاجأة الانتخابات الفلسطينية للعام 2021 وهي قائمة المناضلين ناصر القدوة ومروان البرغوثي التي وصفها جبريل الرجوب عضو لجنة فتح المركزية، كقائمة مرتدين، متمردة على الحركة الأم (فتح).

مقابل هذا الوصف المشكك في انتماءهم، يصور أعضاء قائمة “الحرية” قائمتهم، كقائمة رديفة لفتح ومنقذة للحركة في الانتخابات القادمة إذا جرت كما هو مقرر لها في موعدها، حيث يقدر هؤلاء وهم فتحاويون بارزون من قيادات الانتفاضتين الأولى والثانية أن قائمة فتح الرسمية ستُهزم في أمتحان الانتخابات التشريعية، بل والرئاسية القادمة أيضاً، إذا بقيت خياراتها المعلنة كما هي، والحركة وفق تصورهم تعاني من أمراض مزمنة، منها السياسة الخاطئة والخطاب غير الوطني الذي لايلامس قلوب الناس وحميتهم الوطنية، الأمر الذي جعل شعبيتها لدى الجمهور الفلسطيني متدنية للغاية، بالإضافة إلى أن الخمسة عشر عاماً الماضية من الحكم جعلت الحركة بنظر جزء كبير من أبناء الشعب الفلسطيني كتجمع مصالح لمترفين همهم الأول أمتيازاتهم، وهم شريك لحماس في مأساة الانقسام، وبذلك وفق رؤيتهم ستتحمل الحركة نتائج فشلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، وستقع الحركة كل الحركة تحت ضربات أسواط المنتقمين من الناخبين، وسيتحول النتاج المر لسنوات الانقسام إلى خسارة فادحة في الانتخابات، وهو أمر وفق رؤيتهم يجب منع حدوثه.

كذلك ترى قيادات قائمة “الحرية” أن المصالحة الفلسطينية وحل الخلافات فيما بين فتح وحماس، لا يمكن أن يتم عبر ترقيع ماهو قائم وابقاءه تحت الغطاء، فالترقيع والتغطية لن تفيد أحداً في المجتمع الفلسطيني، حيث هو وصفة لهدوء وتسكين مؤقت ليس إلا، ولن يصمد طويلاً طالما لم تحل المسائل الجوهرية التي سببت الأزمة التي مضى عليها خمسة عشر عاماً، ويذهبون أبعد من ذلك في طرحهم عبر رؤية لإعادة بث الحياة والاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ووقف تهميشها لمصلحة سلطة حكم ذاتي تحت الأحتلال.

طموحات قيادة وأعضاء قائمة “الحرية” كما يقولون تخاطب العقل والضمير الشعبي الفلسطيني الذي ما زال رازحاً تحت الأحتلال وينتظر الخلاص.

 النفس الثوري الواعي والعاقل ذو البصيرة، جعل للقائمة أعداء كثر أهمهم من حركتي فتح وحماس، وإذا كان عداء فتح وقادتها للقائمة ورئاستها مبرراً، لأنها بمثابة تحدٍ لقيادة الحركة وترتيباتها، مما يشعر هؤلاء بالخطر بخسارة الانتخابات إذا لم تنسحب القائمة من السباق.

حيث أقل ما سيحدث وفق تقديرات قادة فتح إذا استمرت قائمة “الحرية” المتمردة، هو انخفاض نسبة تصويت الجمهور الفلسطيني لصالح القائمة الرسمية للحركة، وبالتالي ستؤدي إلى تفوق حركة حماس، أو قوى أخرى تمثل خصما لقيادة الحركة، (الحديث يدور هنا حول قائمة المستقبل التي تمثل تيار السيد محمد دحلان الخصم الرئيس لقيادة فتح).

استشعار الخطر من قبل قيادة فتح لا يتوقف على التوقعات بل من الاستطلاعات السرية، والعلنية التي تمت قبل وبعد تشكيل القائمة حيث منحت القائمة الجديدة موقعاً متقدماً ضمن القوائم الأربعة الأهم، وهي: قائمة حركة (فتح) الرسمية، وقائمة حركة (حماس) وقائمة تيار القيادي السابق المفصول من فتح محمد دحلان (المستقبل)، وقائمة “الحرية”.

 ووفق بعض المحللين السياسيين ذوي الاختصاص، تعتبر قائمة “الحرية”، هي الأوفر حظاً في كسب أصوات الجمهور الفلسطيني الناقم على حكم حركتي حماس وفتح، والتقديرات تشير إلى أن القائمة الجديدة ستحظى بأغلبية أصوات هؤلاء الناقمين من أعضاء الحركتين، فتح وحماس والفصائل الأخرى وقطاعات ساخطة من المستقلين غير الحزبيين على الوضع القائم في المجتمع الفلسطيني الذي أفرزته الحركتين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقد تبين في اليومين الماضيين أن قائمة فتح الرسمية ليست الوحيدة التي تشعر بالقلق والارباك من وجود القائمة الجديدة بل وقائمة حماس أيضاً التي كانت على ما يبدو قد أحتاطت لأمر التصويت العقابي ضدها في قطاع غزة من خلال قوائم رديفة تحمل مسميات مختلفة شبابية ونقابية وحراكية …، إذ على ما يبدو أن حماس كانت تظن أن الضفة الغربية هي الساحة التي ستصب أصواتها لصالحها، كونها ساحة لم تشهد حكم حماس وقمعها وخيباته كما هو حال قطاع غزة، (الذي عانى الأمرين من هذا الحكم، وثار عليه مرات عدة)، التي تشير التوقعات أن يعاقب ناخبوها حماس بغية التخلص من حكمها، والأوفر حظاً على ما يبدو هناك هو قائمة المستقبل الدحلانية.

حسابات الحقل ليست دائماً كحسابات البيدر، وجود القائمة الجديدة أخل بالتوازنات والتفاهمات والوقائع المتراكمة خلال السنوات الأخيرة، إذ لم يكن في حسابات الطرفين فتح وحماس بروز منافسين جدد وبهذه القوة، وعليه أرتبك المشهد الانتخابي الفلسطيني، وأصبح العداء للقائمة الجديدة ““الحرية”“ موضع لقاء بين فتح وحماس ولو بتفاوت، واصبح السعي نحو أجهاض القائمة الجديدة والضغط على أعضائها للانسحاب هدفاً معلناً من قبل قيادة فتح، يتزامن ذلك مع هجوم لافت وغير مبرر لحركة حماس، على رأس القائمة د.ناصر القدوة من خلال التحريض عليه ومحاولة أغتياله وقائمته جماهيرياً عبر تصويره كمعاد للإسلام وذلك من خلال تحريف عبارته بخصوص الاسلاموية السياسية.

هذه المحاولات على ما يبدو لن يكتب لها النجاح، بل ربما أن مواصلة هذا الضغط والهجوم سيؤدي إلى المثل الذي يقول “رب ضارة نافعة” فقد أدى تلاقي فتح الرسمية وحماس وهجومهما وانصارهما، كل لغاياته واسبابه على د. ناصر القدوة رئيس قائمة “الحرية” (التي تعنون أيضاً كقائمة الأسير مروان البرغوثي) إلى تصدر قائمته كل القوائم شعبياً، فلا حديث حتى الساعة في المجالس والاعلام والصالونات والشارع إلا حول هذه القائمة التي قلبت الموازين، والقت حجراً ثقيلاً في بركة ماء كان قد رُتب مشهدها النهائي تقاسماً ونتائجاً كل من الفريق جبريل الرجوب القيادي في فتح وصالح العاروري القيادي في حماس، اللذان يمثلان في نظر الشارع الفلسطيني الانقسام.

وكان الأخيران قد أعلنا أنهما اتفقا على كل شيء، بما في ذلك شكل الحكومة القادمة، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، وترتيبات إدارة غزة بالتعاون والشراكة والمحاصصة، مستقبلا ضمن اتفاق معلن في معظمه وربما مخفي في بعضه الآخر.

صراعات فتح الداخلية، الغت الممنوعات المتمثلة في التحالف مع حماس، وجعلت فريقاً منها ذاك الذي يوصف من قبل مناوئيه، كساعي للوراثة أو بالأحرى الوصول لسدة الحكم الرئاسية بعد الرئيس محمود عباس، ينظر لحماس كشريك وحليف، حيث كان قد طرح تصوراً لقائمة مشتركة تجمع الحركتين مقابل الخصوم الآخرين، وهكذا جعل هذا الفريق كل شيء يرتدي مظهراً وردياً، حيث فصل المخرجات بالورقة والقلم، وأعطى الموافقة على إجراء الانتخابات بعد أن أزيلت أغلب العوائق، وبقي أن تجري الانتخابات بصورة شبه شكلية لتنتج ما يسمى بعد نجاحها تجديد الشرعيات.

 لكن حدثت المفاجأة، بقائمة “الحرية” التي أربكت المشهد وهزته من جذوره، لذلك شمل الهجوم على القائمة كلا الفصيلين فتح وحماس مجتمعتين، إذ الملاحظ أن الهجوم اليوم من قبل كلاهما يتناول فقط القائمة الجديدة، فنجاحها وفوزها بنسبة كبيرة من المقاعد في المجلس القادم، يعني وفق محللين انتاج ديمقراطية حقيقة قد تطيح بالتفاهمات الهشة بين الطرفين ذات الرعاية الإقليمية، ديمقراطية ليست مبنية على التوافق المصلحي بين قادة الفصيلين بل على ما ترغب به الجماهير حقاً.

وإذا أخذ الموضوع من قبل مشاهد محايد فإن كثيرون ممن كانوا يرغبون بالمقاطعة أصبح لديهم اليوم خيار، للذهاب للتصويت بدل المقاطعة، خيار محترم يضم مناضلين وكفاءات وطنية تختلف في طرحها عن السائد، وترغب في التغيير، تغيير وليس ترقيع يخفي الأزمات ويغطيها إلى حين، لتنفجر من جديد وفق وصف أحد انصار قائمة “الحرية”.

في الغالب تتعاطف الجماهير مع صاحب الجرأة على هز النظام، ولدينا للأسف نظامين لا واحد. قائمة القدوة -البرغوثي هزت أركان النظامين في الضفة وغزة، فكل ما يسمع صداه اليوم هو زلزال الساعات الاخيرة ليوم 31/3 الذي لن يتوقف عن المد حتى ساعة الانتخابات.

لماذا نظن أنه لن يتوقف؟

لأن الناس تواقه لتغيير حقيقي، لانتقام حقيقي، لمحاسبة حقيقية، وكلما شن أنصار فتح وكذلك حماس هجوماً على قائمة “الحرية” كلما وفروا على نشطائها جهداً في الدعاية الانتخابية، لأن الناس كل الناس تلتف حول من تعتقده منقذاً، وتتعاطف مع الضحية، ومع الجريء.

البعض قد يخشى ذلك، أي التعاطف في العلن لكن في السر عندما يكون مع الصندوق سيصوت لمن يحب دون رهبة. بظني أن على اعضاء قائمة “الحرية” تقديم الشكر والعرفان لفتح وحماس، فهما من يعززان فرص الفوز لأي معارض حقيقي لهما.

هذا من ناحية من ناحية أخرى وفي ظل هذه الأوضاع التي نتجت عن وجود القائمة الجديدة المتمردة على تفاهمات فتح وحماس، فإن تأجيل الانتخابات بات أمراً وارداً وبقوة، ربما سيتم التأجيل لسنة قادمة أو حتى نهاية العام الحالي، وهو موضوع جدير بالاهتمام، وقد يكون مفيداً لفتح، حيث خلال هذه المدة، يمكن حل كل الملفات العالقة بين الفصائل الفلسطينية، وكذلك بين فتح وجماهيرها في الضفة الغربية وغزة، بما في ذلك عقد المؤتمر الثامن للحركة وتجديد الحركة لشبابها وبرامجها، ومن ثم أختيار قائمة تجمع القائمتين في قائمة واحدة تحظى بالإجماع الفتحاوي، من المفروض أنها تكون قائمة كفاءات فتحاوية وطنية منتقاة وفق معايير رفيعة لاصحاب تخصصات وخبرة، غُيب أغلبها عن القائمة الحالية.

والأمر الثاني هو الأهم، قبل كل شيء ضمان مشاركة القدس انتخاباً.

ثالثاً، قد تحمل السنة القادمة بشريات الخلاص من وباء كورونا على صعيد العالم ومنه فلسطين الذي قد يسبب في حال مواصلة معدلاته الحالية في الانتشار حتى شهر آيار القادم سبباً آخر للتأجيل أو الالغاء.

والسؤال: هل ستمضي الانتخابات قدماً أم ستؤجل؟

سؤال طُرح في الأيام والساعات الماضية على منصات التواصل الاجتماعي والاجابة عليه مرتبط بما يجري من اتصالات بين قيادة فتح والاسير المناضل مروان البرغوثي فإن سحب قائمته في الانتخابات في وقتها وموعدها المحدد وظلت فتح متماسكة ومتحدة في قائمتها الرسمية، ستستمر التحضيرات للانتخابات، أما إذا لم يفعل فقد تؤجل خاصة أن موضوع القدس وموقعها في الانتخابات مازال معلقاً، حيث لم توافق الحكومة الإسرائيلية على وجود مراكز اقتراع ووجود للمراقبين الدوليين فيها.