السحر بين عقيدة المصري القديم والموروث الشعبي

المصريون القدماء آمنوا بالقوى الغامضة وحصنوا بها أنفسهم في حياتهم وبعد وفاتهم وسجلوها على جدران منازلهم وعلى توابيتهم.
القوة السحرية ظلت في العصور المصرية القديمة من سمات الآلهة والكهنة والسحرة
السحر الشعبي يرتبط بوجدان العامة عبر كافة الحقب الزمنية

برع المصريون القدماء في كافة العلوم والفنون واقترن تاريخهم بأسرار ومعتقدات وطقوس ابهرتنا حين اكتٌشفت وظل البعض الاخر منها محملا بالغاز سيتمكن العلم في يوما ما من إماطة اللثام عنها. 
واعتقد المصري القديم في القوى الغامضة وآمن بها واستخدمها في الكثير من اموره الحياتية وحصن بها نفسه بل وتحصن بها بعد مماته وسجلها على جدران منازله وعلى تابوته.. 
وكان للسحر مكانة سامية ومنزلة رفيعة على مر العصور لدى المصري القديم وكان يضاهي في مكانته مكانة الالهة وكان ممارس السحر او الساحر كما درج العامة على تسميته يتمتع بمزايا تفوق مزايا الاله ذاته، فالاله مجهول غير مريء لدى البشر بينما الساحر يعيش بينهم ويتجول في ربوع ارضهم يحادثونه بهمومهم ومشكلاتهم ويطلبون منه ما يرونه لنزع الهموم وحل المشكلات.
وكان الغرض من الممارسات السحرية في معظم الاوقات الحماية من الشرور بكافة انواعها لذا فقد حرم المصريون القدماء السحر الاسود واعتبروه جريمة شنعاء يعاقب من يثبت عليه ممارسته بالإعدام وطبق هذا الامر عند مقتل الملك رمسيس الثالث الذي يحكى ان قتلتة قاموا بعمل سحر للحراس والجنود حتى يتمكنوا من ان يدلفوا الى مخدع الملك لقتله وذكر هذا في بردية تورين القضائية فيما عرفت تلك المؤامرة بـ"مؤامرة الحريم". 
وكانت اللغة المصرية القديمة هي الوسيلة التي تستخدم في عمليات السحر او فك السحر كون اللغة عبارة عن صور تستخدم برمزيتها.
 واعتقد المصري القديم ان تلك الصور عند استخدامها في السحر فأن الروح تدب فيها وتتحول الى كائنات تتحرك وتسعى لتحقيق ما يطلبه منها ممارس السحر وظلت اللغة المصرية القديمة هي اللغة الاساسية التى يستخدمها السحرة في كتابة الاعمال السحرية في معظم ارجاء العالم.
والقوة السحرية ظلت في العصور المصرية القديمة احد سمات الالهة والكهنة والسحرة لذا فقد كانت دراسة السحر تتم في المعابد على ايدي كبار الكهنة كما اودعت الكتب الخاصة بالسحر داخل تلك المعابد وكان تلاميذ الكاهن يخضعون لتمارين عديدة لمدة طويلة لتطهير نفوسهم ومقاومة شهواتهم وتصفية مداركهم وكان يمنع عنهم الطعام حتى يتمكنوا من درء شهواتهم وتنقية اذهانهم. 
وكان للكهنة والسحرة مكانة عظيمة لدى الشعب وخاصة لدى الملك حتى ان بعض الملوك بلغ بهم تقدير مكانة الكهنة والسحرة ان لقبوا انفسهم بلقب "كبير الكهنة والسحرة" وكان الدارس لعلوم السحر من طلاب الكهنة او السحرة لا يمنح شهادته الا اذا تم اختباره امام الفرعون وشهد له باحقيته في حيازة لقب "ساحر".
 وكان الساحر مثقفا ثقافة رفيعة ويمتلك معارف واسعة في العديد من العلوم الدينية والفيزيقية والطبية لذا فقد حمل بعض الأطباء لقب الطبيب الساحر وثمة اطباء حملوا القابا كهنوتية وكان اولئك معلمون بارعون في كل علوم السحر. 
وعلى صعيد آخر فقد امتهن اشخاص مهنة السحر الا انهم كانوا اقل من طبقة السحرة الدارسين هم السحرة الشعبيين وكانوا في الغالب من خدمة سحرة المعبد او الكهنة وتعلموا بعضا من فنون السحر ثم صاروا يعتمدون على السحر كوسيلة لكسب الرزق وكان عملهم يقتصر على إعداد التعاويذ والاحجبة التي تتعلق بالكثير من امور الحياة مثل طرد الأرواح الشريرة والحصول على البركة ووفرة المحصول والحماية من الثعابين والتخلص من الأعداء وابعاد الشياطين. 
وكان للساحر الشعبي طقوسا خاصة فهو في معظم الوقت يعيش في خلوة، متطهرا بصفة مستمرة، يغتسل بمياه الفيضان كل موسم ولا يلامس النساء مدة محددة قبل اعداد اي تعويذة او تميمة.
 كما درج الساحر الشعبي ان يدهن جسده بالطيب ويطلق حوله البخور وهى عادة توارثها السحرة الشعبيين حتى يومنا هذا. 
وظل السحر الشعبي مرتبط بوجدان العامة عبر كافة الحقب الزمنية وظلت معتقداته احد الموروثات الشعبية في الريف المصري وبعض المناطق الشعبية حتى وقتنا الحالي.
 كما ان البعض من انواع السحر التي كانت تستخدم في العصور المصرية القديمة ظلت موجودة الى الان عند الكثير من العامة ومنها سحر "الربط" وهو يعني ان الرجل بعد ان يتزوج المرأة فأنه منذ ليلة  الزفاف لا يستطيع ان يقربها او يقوم بممارسة حقه الشرعي معها.
وهناك ايضا السحر الذي يستخدم فيه الفخار ويتمثل هذا السحر في كتابة اسم العدو المراد القضاء عليه مقترنا بتعويذة سحرية معينة على احد الاواني الفخارية ثم كسرها وتهشيمها بهدف فناء ذلك الشخص والقضاء عليه. 
وارتبط السحر باحلام المصري القديم فقد اعتاد العامة الذهاب الى الكهنة لتفسير احلامهم وكان الكاهن يقوم بذلك وفقا لدراسته لهذا العلم وكان العامة يطلبون من السحرة الشعبيين عمل تمائم سحرية تحفظهم مما جاء بأحلامهم مثل المرض والقتل وكيد النساء وغدر الرجال وحماية الممتلكات ووقاية الابناء من الشرور.
 وبالرغم من تطور كافة العلوم وطرق البحث العلمي لدى المصري القديم الا ان السحر الشعبي ظل لصيق الصلة بالعامة لاسيما في بعض الظواهر التي عجزت علومهم عن ايجاد تفسير لها او حلولا منطقية لمنع حدوثها.. 
وعلى الرغم من حب المصري القديم للحياة والإنبات والإخصاب إلا انه كانت له حضارة موازية هى حضارة الموت وقدسية تلك الحضارة تعود في الأساس لكونه صاحب عقيدة ودين منذ بدء عصوره الاولى وحتى قبل ديانة التوحيد فقد كانت فكرة الإله الخالق تسيطر على كيانه وهى محور أفعاله وأفكاره. 
وكان للسحر الشعبي ايضا دور في تلك الحضارة فقد ابتكر نصوص في هيئة تمائم توضع فوق المومياء قبل الدفن لحماية القلب وحفظ جسد المتوفي من التحلل لتستطيع روحه الاتحاد مع جسده مرة اخرى وكانت توضع لفائف البردى بجوار المومياء وهي تحوي نصوصا سحرية لمنع لدغ العقارب وهجمات الزواحف والحشرات على جسد المتوفي وابعاد الثعابين عنه لضمان عدم اصابة الجسد بأي خدوش او جروح حتى يبعث المتوفى بكامل اعضائه خاليا من اي إصابات.
نعم اتى المصريون القدماء بأعمال خارقة ومعجزات نراها في ربوع ارضنا الطيبة قد يعجز العقل عن تصديقها في بعض الأحيان ولا يجد لها العلم تفسير وربما نسبت في كثيرا من الاحيان الى الممارسات السحرية وقد كان لثراء ارضنا وكثرة خيراتها اكبر الأثر في رغبة ملوكها في الحفاظ عليها وقد وجدوا غايتهم تلك في السحر وتعاويذه وانتقلت تلك الثقافة بالتبعية من الملوك للشعوب فرأوا في السحر ونصوصه وسيلة لحمايتهم وتحقيق رغباتهم واحلامهم والحفاظ على ممتلكاتهم. 
وسيظل للسحر مكانة خاصة لدى هذا الشعب الذي عرف بفنونه وعلومه وسيظل مضرب الأمثال في العادات والتقاليد وستظل معتقداته احد خيوط نسيجه المتجانس واحد ثقافاتة الممتدة بطول ضفاف النيل.