الصناعات التقليدية في تونس تئن تحت وطأة كورونا

القطاع المساهم بـ4,5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام يعيش وضعية كارثية بسبب تراجع السياح وضعف القدرة الشرائية للتونسيين واقتراب اغلب الحرفيين فيه من حافة الافلاس.
جرعة من الاوكسجين للحرفيين عبر اسنادهم قروضا ميسرة

تعيش أسواق المدينة العتيقة في كافة أرجاء تونس في عزلة اضطرارية فرضتها الازمة الصحية العالمية المرتبطة بفيروس كورونا، واصبحت المناطق التي كانت تعج بالسياح وبصخب التجار وحركة البيع والشراء شبه مقفرة.
تعمق تداعيات جائحة فيروس كورونا من هشاشة الوضع الاقتصادي في تونس الذي يمر بفترة حرجة. 
وقد اثرت قيود واجراءات الاغلاق في الاشهر الماضية بسبب فيروس كورونا بصفة مباشرة على قطاع السياحة وقطاع الصناعات التقليدية في تونس على حد السواء.
ويرتبط نشاط قطاع الصناعات التقليدية بالسوقين الداخلية والخارجية وهما على صلة وثيقة بالسياحة.
وانهار الموسم السياحي في 2020 مع تراجع حاد في عدد الوافدين إلى نسبة قاربت 80% مقارنة بـ2019.
وتسببت الأزمة في إغلاق العشرات من النزل وتسريح عمال.
وأنهكت جائحة كوفيد-19 قطاع السياحة الذي كان يساهم بـ14 في المئة من اجمالي الناتج الداخلي للاقتصاد التونسي، وأصابته بشلل وتراجعت العائدات السياحية فيه بـ64 بالمئة.
وقال وزير السياحة التونسي الحبيب عمار "نحن نشهد أصعب عام للسياحة على الإطلاق. لن نتوقع أرقاما كبيرة لموسم 2021".
واضاف "نجاح الموسم السياحي مرتبط بتطور الوضع الوبائي في العالم والأسواق التقليدية وفي تونس، الوضع الآن حساس ونحن في الموجة الثالثة، نأمل أن ننجح في الحد من تفشي الفيروس من أجل الانطلاق في أحسن الظروف".
ويرزح قطاع الصناعات التقليدية تحت وطأة انتشار جائحة كوفيد19 وما ترتب عنها من اجراءات الاغلاق والتباعد الاجتماعي الى جانب التراجع المروع في عدد السياح، بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية في السوق الداخلية للمستهلك التونسي.
وتعتبر الصناعات التقليدية من بين القطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني إذ تساهم بـ4,5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام وتشغل آلاف الحرفيين والتجار كما تساهم في دفع عجلة التشغيل لأن الاستثمار فيها غير مكلف ولا يتطلب شهادات جامعية.
وحذر رئيس الجامعة الوطنية للصناعات التقليدية، التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية صالح عمامو في تصريحات سابقة من تداعيات الأزمة الصحية لكورونا على قطاع الصناعات التقليدية الذي توقفت أغلب مؤسساته عن النشاط واغلقت حوالي 40 بالمائة منها أبوابها بسبب شبح الافلاس الذي طاردها فترة طويلة.
وتحدث صالح عمامو لوسائل اعلام تونسية عن تسجيل حالات انتحار في صفوف حرفي القطاع  بسبب انقطاع موارد العيش وانسداد الأفاق امامهم.
ووفقا لاحصائيات رسمية سابقة صدرت في العام 2020 فان مؤسسات الصناعات التقليدية المصدرة خسرت أكثر من 85% بالمائة من رقم معاملاتها، كما ان حوالي 50% من الحرفيين عزموا على تغيير نشاطهم المهني الى جانب اضطرار أكثر من 800 مؤسسة في القطاع لتعليق نشاطها.
واعتبر رئيس الغرفة الجهوية لتجار الصناعات التقليدية برهان بن غربال "إن الوضع كارثي للغاية ويمكن اعتبار القطاع منكوبا نتيجة الأوضاع الاقتصادية والأزمة السياسية والصحية التي تشهدها تونس اليوم."
واعتبرت وزارعة السياحة ان القطاع يعد من أكبر القطاعات المتضررة من تداعيات جائحة فيروس كورونا وقد شهد ركودا على امتداد حوالي 10 أشهر كاملة اثر تراجع المجال السياحي في البلاد.
ومنحت وزارة السياحة التونسية جرعة من الاكسجين لقطاع متضرر من وباء كورونا ويشغل حوالي 350 ألف عائلة باعلانها عن رصد 10 مليون دينار أي قرابة 3 مليون دولار لحرفي الصناعات التقليدية في شكل قروض ميسرة الا ان خبراء في المجال يعتبرون ان القطاع بحاجة إلى آليات وإجراءات أعمق وتصورات جديدة لإنقاذه من مخالب التهميش والافلاس وحتى الاندثار.
وشرع حرفيو قطاع الصناعات التقليدية بداية من 8 فيفري/شباط 2021 في الحصول على قروض ميسرة من البنك التونسي للتضامن لمساعدتهم على العودة إلى الدورة الاقتصادية والمحافظة على موارد الشغل.
وتختلف القروض المسندة للحرفيين وللمؤسسات والمجامع الناشطة في القطاع وتحتوي كسقف أقصى على فائدة بـ5 بالمائة ومدة إمهال تصل إلى 6 أشهر.
ورجح الديوان الوطني للصناعات التقليدية ان ينتفع في المراحل الأولى بين 2000 و2500 حرفي ومؤسسة حرفية بهذه الآلية.
وأبرز المدير العام للديوان الوطني للصناعات التقليدية فوزي بن حليمة، أنه تم الحرص على إزالة كل العراقيل والصعوبات قصد تيسير النفاذ إلى هذه الآلية التمويلية.
وتوقع أن تساهم القروض في استئناف حلقة الإنتاج في القطاع وحسن الاستعداد لاستئناف الموسم السياحي.
ولم يمنع ارتفاع مؤشرات تدهور الوضع الصحي في تونس بسبب تفشي وباء كوفيد-19 من استقبالها سيّاح من روسيا وأوكرانيا وتشيكيا وبولندا وبلغاريا  الذي تحدوا الوباء.
وتمر تونس بموجة ثالثة حادة من الوباء وتشهد مستشفيات حكومية في المحافظات الكبرى اكتظاظا، وبلغت أقسام الانعاش والأكسجين في بعضها الطاقة القصوى.
وتظهر المؤشرات أن تداعيات الموجة الجديدة من كورونا أشد قسوة، خاصة في ظل تواضع عملية التطعيم المضادة للفيروس.
وخضع السياح في الاشهر الاخيرة لبروتوكول صحي منذ الوصول الى المطار مع إبرازهم فحوصا سلبية لفيروس كورونا والتزامهم بالحجر الصحي.
وفي محاولة منها لتحقيق انفراجة في القطاع المأزوم والدفع به نحو الأمام، اعتبرت وزارة السياحة أن أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا ليس شرطاً لدخول البلاد، واشارت إلى أن تقديم فحص "بي سي آر" سالب يعد مستندا كافيا للسياح الراغبين في دخول تونس.
ويتشبث القطاع المنكوب والذي يمثل الهوية التونسية ويعرف بتاريخها وحضارتها وتراثها وخصوصيتها الثقافية بأمل عودة الحركة اليه مع توافد سياح من دول عديدة الى البلاد.
وتأمل وزارة السياحة التونسية في انتعاش للقطاع في الصيف مع تكثيف حملات التطعيم ضد فيروس كورونا في العالم وفي تونس.
ويطالب خبراء بالنسج على منوال الدول الاوروبية وإعطاء الأولوية في توفير اللقاحات للمناطق السياحية التونسية التي توفر فرص عمل وتدر عائدات ضخمة للدولة. 
وشدد ظافر لطيف، وهو كاتب عام جامعة وكالات الأسفار على أهمية إعطاء الأولوية لعمال القطاع السياحي في الحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا من أجل طمأنة الأسواق الخارجية، فضلا عن إحياء البروتوكول الصحي الذي جرى اعتماده في الموسم الماضي وفقا للمعطيات الصحية الجديدة من أجل تشجيع الوافدين.