الطعام الصيني بريء من فيروس كورونا

موسوعة ثقافة الطعام الصيني تبرئ تماما وتنفي أنه السبب في ظهور فيروس كورونا وانتشاره في العالم.
الأطعمة الصينية المختلفة تتفوق على نظيرتها فى أوروبا وأميركا، وكذلك طرق الطهى الصينية تتفوق على طرق الطهى في أفريقيا وأوروبا وأميركا
الأديب تساوشويه تشين قدم في رواية "حلم المقصورة الحمراء" وصفًا رائعًا ودقيقًا لثقافة الطعام في عصر أسرة تشينغ آخر الأسر الإمبراطورية الصينية

تداول رواد شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير صورا وفيديوهات تظهر تناول الصينيين لأطعمة منها حساء ولحم الخفافيش المعروف بنقله عدة أمراض وفيروسات، وقد أدت هذه الادعاءات إلى إطلاق موجة عالمية من التعليقات العنصرية ضد الصينيين والآسيويين بشكل عام. وزاد الأمر سوءا مع نشر العديد من المواقع الإخبارية العربية والأجنبية الشهير كـ "بي بي سي" و"سي إن إن" تحقيقات حول الأمر لفتت فيها إلى علاقة الطعام الصيني بفيروس كورونا، وحتى أن موقع اليوم السابع بمصر تساءل: هل تقدم المطاعم الصينية شوربة خفافيش فى مصر.. بعد ربطها بانتشار فيروس كورونا؟ وقام موقع آخر باستعراض الأطعمة الصينين في تحقيق تحت عنوان: من شوربة الخفافيش لـ آكل النمل الحرشفي.. أطعمة ااتهمت بنقل عدوى كورونا، فيما موقع فرنسا 24 تحرى مصداقية هذه الفيديوهات والصور ليؤكد زيفها.
موسوعة "ثقافة الطعام الصيني" (الجزأين الأول والثاني) - والذي صدرت طبعتها الأولى عن المركز القومي للترجمة بمصر عام 2017 في أكثر من سبعمائة صفحة من القطع المتوسط، بترجمة د.حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية والترجمة المساعد بجامعة عين شمس والحاصل على جائزة الشباب للترجمة (المركز القومي للترجمة 2013) وجائزة التميز في الترجمة أكبر جائزة تمنحها الصين للمترجمين الأجانب (2016)، لمؤلفها البرفيسور شييه دينغ يوان أستاذ علوم الأغذية بجامعة وسط الصين للزراعة - تبرئ تماما وتنفي كل ما يبث من تقارير وفيديوهات وصور تحمّل ثقافة الطعام في الصين وعادات وتقاليد الشعب الصيني في الغذاء ظهور فيروس كورونا وانتشاره في العالم.
أكد د.حسانين فهمي أن ثقافة الطعام في الصين تحتل مكانة تاريخية خاصة في تاريخ الحضارة الصينية العريقة، فهي جزء أساسي من تكوين الثقافة الصينية الأصيلة، وقد كان لها تاثيرها الواضح فى تاريخ تطور الثقافة الصينية. فأهتم حكماء وفلاسفة الصين العظام وعلى راسهم كونفوشيوس بهذا الجانب المهم من الثقافة الصينية. فأحتوى كتابه المهم "محاورات كونفوشيوس" على العديد من التعاليم والآداب الخاصة بالطعام. 
وقال إن ثقافة الطعام الصيني تتميز بمجموعة من العادات والتقاليد والآداب المختلفة، التي تعكس عادات وتقاليد الأقليات الصينية الست والخمسين. وقد حظى موضوع ثقافة الطعام الصيني بإهتمام كبير من قبل رجال السياسة والفكر والفنون الصينية على مر العصور، وذلك لما له من أهمية وتأثير واضح في حياة الأمة الصينية. فيذكر صن يات صن (1866-1925) مؤسس جمهورية الصين الوطنية فى كتابه "إستراتيجية بناء الدولة": "إذا نظرنا إلى تقدم الحضارة الصينية فى العصر الحديث، فإننا نجد أن جميع الجوانب تبدو متخلفة عن ركب التقدم، فيما عدا الأطعمة الصينية التى تسير على طريق التقدم، والتى لا تزال تشهد إنتشارًا فى مختلف دول العالم، فالأطعمة الصينية المختلفة تتفوق على نظيرتها فى أوروبا وأميركا، وكذلك طرق الطهى الصينية التى تتفوق على طرق الطهى في أفريقيا وأوروبا وأميركا". أو كما جاء على لسان الكاتب الصيني المعاصر ووزير الثقافة الأسبق وانغ مينغ (1934-   ) في محاضرة له بعنوان "اللغة الصينية والثقافة" ألقاها بجامعة سوجوو الصينية: طالعت مؤخرًا فى إحدى الصحف موضوعًا بعنوان "الركائز الثلاث للثقافة الصينية"، والتى يذكر المؤلف أنها تشمل الكونفوشية والطاوية والبوذية. وإذا أتيحت لي الفرصة للكتابة فى هذا الموضوع، فإننى ساشير إلى أن هذه الركائز تشمل الرموز الصينية، الأطعمة الصينية وطرائق التفكير الصينية.
وأوضح حسانين فهمي أن أمهات الكتب الصينية المختلفة مثل "حلم المقصورة الحمراء"، "الممالك الثلاثة" و"أبطال على شاطئ البحيرة" وغيرها من الكلاسيكيات تزخر بالكثير من المعلومات المتعلقة بالأطعمة الصينية وثقافتها وآدابها وعاداتها وتقاليدها. 

الصين
المترجم د.حسانين فهمي حسين

وقدم الأديب تساوشويه تشين في رواية "حلم المقصورة الحمراء" وصفًا رائعًا ودقيقًا لثقافة الطعام في عصر أسرة تشينغ آخر الأسر الإمبراطورية الصينية، إذ يقول: "أما من حيث الحجم فكانت هناك المآدب الكبرى والصغرى والمآدب العامرة، ومن حيث توقيت إنعقادها كانت هناك مآدب الظهيرة والمساء وآخر الليل، ومن حيث مضمونها والهدف منها كانت هناك مآدب أعياد الميلاد والمآدب العائلية ومآدب البهجة وغيرها من المآدب، ومن حيث المواسم كانت هناك مآدب أعياد منتصف الخريف، قوارب التنين والفوانيس". كما أشار هذا العمل إلى عدد 186 نوعًا من الأطعمة والمشروبات المختلفة التي كانت منتشرة آنذاك، مثل الأطباق الرئيسية والحلويات والكعك والتوابل والمشروبات والفواكه وغيرها من الأطعمة الصينية والأجنبية. وغيرها من المعلومات القيمة التي كان لها دور مهم في التعرف على ملامح ثقافة الطعام في عصر أسرة تشينغ.
وأكد أنه خلال تاريخ الأطعمة والمشروبات الصينية الطويل، فهناك الكثير من الأطعمة والمشروبات الصينية التي انتقلت إلى مختلف دول العالم وحظت بقبول كبير بين شعوب تلك الدول، وخاصة الشاي الصيني والفاصوليا والتوفو وصوص الصويا والتفاح الصيني والمكرونة الصينية والفطائر المقلية وغيرها من الأطعمة. وخاصة الشاي الصيني الذي لا يزال يشهد انتشارًا كبيرًا في مختلف دول العالم حتى يومنا هذا، وكذا التوفو الصيني الذي أنتقل من الصين إلى اليابان ومختلف دول أوروبا وأميركا.
وقال حسانين فهمي إن الموسوعة على ضخامتها تعد رحلة ثقافية شيقة، إذ تسلط الضوء على جانب من أهم جوانب الثقافة الصينية ألا وهو "ثقافة الطعام الصيني". إذ تلقى الضوء على تاريخ الأطعمة الصينية وثقافتها على مستوى المناطق الصينية المختلفة وتقسيمات المطبخ الصيني وعادات وثقافة الأطعمة الخاصة بالأعياد والمناسبات التقليدية، كما تقدم لثقافة الأطعمة الخاصة بالديانات المختلفة في الصين بما فيها البوذية والطاوية والإسلام والمسيحية، وعادات الطعام عند الأقليات الصينية الست والخمسين وتاريخ تطور الأطعمة الصينية. كما يهتم الكتاب بتقديم بعض الجوانب المهمة حول ثقافة الشاي الصيني وأنواعه وطرق وآداب تناوله وغيرها من المجالات التي تتعلق بثقافة المشروبات في الصين. 
من هنا تعد الموسوعة بمثابة وجبة دسمة من المعلومات الخاصة بثقافة الأطعمة الصينية التي شهدت خلال السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا على مستوى العالم بما فى ذلك المنطقة العربية. حيث شهد مجال التبادلات الصينية الأجنبية في مجال ثقافة الأطعمة ظهور سمات جديدة، ففي الوقت الذي فتحت فيه الصين أبوابها أمام ثقافة الأطعمة الأجنبية، فقد عملت على نشر ثقافة الأطعمة الصينية في مختلف أنحاء العالم، حتى أصبحت الأطعمة الصينية تحظى بشهرة عالمية إستنادًا إلى طرق طهيها وأشكالها واذواقها.
ولفت حسانين فهمي إلى أنه استمتع كثيرًا خلال ترجمته، هذا على الرغم من الصعوبات الكبيرة والكثيرة التي واجهته خلال عملية الترجمة من مسميات الأطعمة والأدوات والأواني الخاصة بها، وغيرها من الصعوبات.
تشتمل الموسوعة بجزأيها الأول والثاني على ثمانية أبواب رئيسة، اهتم الباب الأول بالتقديم لمفهوم ثقافة الطعام، ودراسات ثقافة الطعام، والدراسات المتعلقة بثقافة الطعام الصيني قديماً وحديثاً، والنظريات الخاصة بثقافة الطعام الصيني بما فيها التداوى بالمأكولات والمشروبات، العناية بالصحة من خلال الطعام، الدعوة إلى الذوق المحلي وآداب الطعام عند كونفوشيوس ومنشيوس، وإختيار المكونات الرئيسية للأطعمة، وإختيار المأكولات والمرونة في إعداد الأطعمة، وتاريخ الذوق المحلي، والتوافق الثقافي بين مختلف المناطق الصينية وغيرها من السمات المميزة لثقافة الطعام الصيني.
بينما تناول الباب الثاني السمات المحلية للأطعمة الصينية وأعداد الأطعمة ومغزى ومعايير تقسيم أطباق الطعام الصينية، ومفهوم ثقافة الطعام والتوزيع الإقليمي لثقافة الطعام الصينية والعوامل الرئيسية المؤثرة في التقسيم الإقليمي لثقافة الطعام الصينية، وسمات الأطعمة في مناطق شمال شرق الصين وشرق الصين ووسط الصين وجنوب الصين وجنوب غرب الصين، إلى جانب الأطباق الرئيسة وغير الرئيسة التي يتناولها السكان في كل منطقة من المناطق المختلفة داخل الصين. 

china
مراسم المشاركة في المآدب 

وقدم الباب الثالث لمفهوم طبقات ثقافة الطعام، والطبقات الرئيسية لثقافة الطعام على مدار التاريخ الصيني، والعلاقة بين الطبقات المختلفة وتكوين وخصائص طبقات قاعدة الهرم الإجتماعي والطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة والطبقة الأرستقراطية وطبقة القصور وغيرها من طبقات ثقافة الطعام الصيني.
الباب الرابع: والذي أهتم بتسليط الضوء على العادات الشعبية وعادات الطعام، ومضامين الأعياد وأسباب ظهور الأعياد، ونشأة وعادات الطعام في مناسبات أعياد الربيع، الفوانيس، قوارب التنين، منتصف الخريف، الليلة السابعة من الشهر القمري، الشيوخ، دخول الشتاء، اليوم الثامن من الشهر الثاني عشر القمري وعيد تقديم القرابين وغيرها من الأعياد التقليدية الصينية، والسمات الثقافية لعادات الطعام للأعياد المختلفة، وعادات الطعام اليومية، وعادات الطعام بالنسبة لمناسبات الميلاد والزواج والمناسبات السعيدة والجنائز وغيرها من المناسبات، وخصائص عادات الطعام في المعتقدات الدينية المختلفة بما فيها المسيحية والإسلام والبوذية والطاوية، وعادات الطعام اليومية والأعياد والمراسم عند القوميات الصينية المختلفة.
الباب الخامس، ويقدم لتاريخ ودور المراسم، ومراسم الطعام في عصر قبل أسرة تشين، ويهدف إلى إلقاء الضوء على الوجبات الفردية والجماعية وترتيب المآدب ومراسم تقديم الأطعمة وغيرها من مراسم الطعام في العصر الإقطاعي، هذا بالإضافة إلى مراسم المآدب في العصر الحديث من ترتيب مائدة الطعام ومراسم المشاركة في المآدب وغيرها من الجوانب المهمة.
الباب السادس: يقدم لتاريخ نشأة وتطور الأطعمة الصينية، وأدوات الطهي وحفظ وتخزين وتقديم الأطعمة الصينية المختلفة وأنواع وأذواق وأشكال وفوائد وأسماء وأدوات ومعاني الأطعمة الصينية، بالإضافة إلى عناصر الجمال في الأطعمة الصينية المختلفة.
الباب السابع: ويقدم لنشأة وتطور ثقافة الشاي الصيني، وأنواع الشاي الصيني والسمات الرئيسية المميزة للشاي الأخضر والأحمر والأزرق والأبيض والأصفر والأسود، والتعرف على الشاي المغلي وأطقم الشاي وطرق إعداد وتناول الشاى في الصين قديمًا وحديثًا، كما يلقي الضوء على العلاقة بين فن إعداد وتناول الشاي والجوانب الروحية لتناول الشاي في الصين واليابان، كما يقدم هذا الباب لنشأة وتطور المقاهي في الصين والتعرف على أهم المقاهي التاريخية، وأخيرًا يلقى الضوء على المضامين الرئيسية لعلاقة الشاي بالفنون الصينية المختلفة وعلى رأسها الأدب الصيني.