العيد جلولي يحلم بعالم تتساوى فيه الفرص

عميد كلية الآداب واللغات بجامعة قاصدي مرباح بالجزائر جذوره ضاربة في رحِم التراب الجزائري؛ فهو جزائري صحراوي عربي أمازيغي أفريقي.
المشروع الثقافي الذي يشغلني هو تأسيس حركة مسرحية في الجنوب الجزائري خصوصًا في ولاية ورقلة
"الجزائر الجديدة" العبارة الأكثر تداولًا في مرحلة ما بعد الحراك الجزائري الذي انطلق في شهر فبراير 2019
الكل يتفق على ضرورة إحداث قطيعة مع الماضي ومع كل ممارساته السلبية ولا سيما مع الفساد المالي
جائحة كورونا كشفت أن شعوب الأرض كلها تحلم بمستقبل أكثر عدالة اجتماعيًة، وأكثر سلامة بيئية

ضيفي عميد كلية الآداب واللغات بجامعة قاصدي مرباح بولاية ورقلة الجزائرية، كما أنه مدير مخبر النقد ومصطلحاته هناك، ومدير مجلة "مقاليد" التي تصدر عن مخبر النقد ومصطلحاته، وهو رئيس تحرير مجلة "الأثر" الصادرة عن الكلية ذاتها، وكذلك هو محافظ المهرجان الدولي للكتاب والأدب والشعر الذي تستضيفه ورقلة، وهو المتخصص في أدب الأطفال، وفي الأدب العربي قديمًا وحديثا.
ضيفي جذوره ضاربة في رحِم التراب الجزائري؛ فهو جزائري صحراوي عربي أمازيغي أفريقي ومن هذه الفسيفساء الجميلة تتشكل هويته المتسامحة في بعدها الإنساني، وهو ليس ممن يتعصبون لهذه الجذور لأن التعصب لها يؤدي إلى هويات قاتلة تسبب الفرقة والانقسام، والمجتمعات الحديثة اليوم تمتزج فيها الدماء كلها وتنصهر فيها كل القوميات.
أما أساتذته فهم كثر فلكل مرحلة شيوخها، غير أنه في المرحلة الثانوية يتذكر أستاذه في الأدب العربي الشيخ بشير الشابي أطال الله في عمره، وفي مرحلة الجامعة يخص بالذكر أستاذه الدكتور عبدالقادر هني الذي معه كانت نقطة البدء في الدراسات العليا وأستاذه الدكتور عبدالحميد بورايو الذي أشرف على رسالته للماجستير بجامعة الجزائر، والدكتور أحمد منور الذي أشرف على رسالته للدكتوراه بجامعة الجزائر أيضًا. ولهم جميعا يهدي كل المحبة والتقدير ويعجز لسانه عن ذكر فضلهم عليه.
ضيفي ولد في واحة جميلة تسمى واحة وادي ريغ بالجنوب الجزائري وفي عاصمة هذا الوادي مدينة توقرت، وفي حي من أحيائها العتيقة يدعى حي النزلة القديمة، كان والده تاجرًا صغيًرا محبًا للعلم والعلماء، يحرص على تنشئته هو وأشقائه تنشئة محافظة، وكان زاهدًا في الدنيا، ولهذا فهو لم يعلمهم حرفته، ولا غرس فيهم محبة مهنته، بل كان حريصًا على تعليمهم في المدارس والجامعات.
طلبت منه أن يحدثنا عن الجزائر الجديدة، وهي تصنع مستقبلها، لنتعرف على حلمه لمستقبل الثقافة والتعليم الجامعي في بلده الأبي، فقال الدكتور العيد جلولي: (الجزائر الجديدة) العبارة الأكثر تداولًا في مرحلة ما بعد الحراك الجزائري الذي انطلق في شهر فبراير/شباط 2019، يطلقها النظام الجديد، كما يطلقها المواطنون، ويطلقها الحراكيون، وكلهم يتفقون على ضرورة إحداث قطيعة مع الماضي ومع كل ممارساته السلبية ولا سيما مع الفساد المالي. 

Dialogues
في مسقط

والجزائر الجديدة في تصوري هي تأسيس دولة ينعم فيها المواطن بالأمن والسلام، تجسد مبادئ ثورة نوفمبر التي ضحى من أجلها الملايين، وتقوم على العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للثروة، ومحاربة الفساد المالي الذي طبع فترة النظام السابق، واختيار الإطارات وفق الكفاءات.. وليس الولاءات السياسية.
في النظام السابق عانى كثير من المثقفين وحملة الشهادات الجامعية من الظلم والتهميش، وفسح المجال للانتهازيين وأصحاب المال الفاسد ليتولوا مناصب سياسية ومناصب عليا في الدولة، ونتمنى أن تزول هذه الممارسات في ظل سيادة الجزائر الجديدة، وأن تحدث قطيعة فعلية مع هذه الممارسات التي شوهت صورة الدولة في الداخل والخارج.
ومشروع الجزائر الجديدة لا يزال في بداياته، ولم يتحقق بعد حلم الملايين، لكن كثير من المؤشرات تبشر بالخير، وعلينا أن نتفاءل، وهنا أتذكر مقولة للفيلسوف المصري زكي نجيب محمود "مجتمع جديد أو الكارثة".
فإذا أراد النظام لنفسه نجاة من أزمته الراهنة، فلا بد له من تصور جديد لمجتمع جديد، ولعل الدستور الجديد للجزائر بما يحمله من إيجابيات سيكون محطة الانطلاق لجزائر جديدة. 
وعن مشروعه العلمي أو الثقافي الشاغل باله، يقول العيد جلولي: هو مشروع أدب الطفل وثقافته؛ ذلك أن هذا الميدان لا يزال ضعيفًا في الجزائر، لا يلتفت إليه بخلاف ما هو حاصل في كثير من البلدان العربية وفي مقدمتهم مصر التي معها كانت نقطة البدء، فرواد هذا الأدب الأوائل كلهم من مصر.
 ويضيف العيد جلولي: أما المشروع الثقافي الذي يشغلني فهو تأسيس حركة مسرحية في الجنوب الجزائري خصوصًا في ولاية ورقلة؛ هذه المدينة الجميلة التي تستحق الكثير في ميدان الأدب والثقافة.
 كما أنني عينت منذ سنوات محافظ المهرجان الدولي للكتاب والأدب، وسعيت من خلاله إلى تجسيد بعض المشاريع الثقافية ونتمنى بعد الخروج من أزمة هذه الجائحة تسطير برنامج ثقافي دولي يلبي طموحاتنا ويجسد أفكارنا.
كما اشتغل الآن على إخراج العدد الأول من "مجلة أبحاث المعرفة الجديدة" التي أترأس تحريرها والتي يصدرها المحور الإنساني العالمي للتنمية والأبحاث في الأردن.
وعلى ذكر الأردن أستفسر منه عن كيفية تحقيق هذا الحضور الرائع في المحافل العلمية والثقافية المشرقية، والمغاربية أيضًا، بحيث أصبح دالًا على الجزائر في المؤتمرات والندوات التي يحل بها. ومنها على سبيل المثال الجلسات التي رأسها في منتدى أدب الطفل، وبجائزة مصطفى عزوز في تونس الشقيقة، الذي شارك فيه لعدة دورات وترك أثرًا طيبًا بين حضوره من المشارقة والمغاربة، ومن العرب المقيمين في المهاجر، وكذلك الملتقى الدولي لأدب الطفل الذي عقد قبل نحو عامين في سلطنة عُمان، فكانت له بصمة مهمة في جلساته.

وأجدني أطرح عليه سؤالًا ضمنيًا بهذه المناسبة: هل توقف هذا الملتقى؟ فيجيب قائلًا: على المستوى العربي كانت لي مشاركات كثيرة، ومساهمات عديدة في مجال أدب وثقافة الطفل منها المشاركة في مؤتمر اللغة العربية ومواكبة العصر الذي عقد  بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في أبريل/نيسان 2012  وفيه قدمت مداخلة حول  "أدب الأطفال وأثره في بناء الشخصية اللغوية"، وكذلك المشاركة في تأسيس جائزة أدب الطفل التابعة لوزارة الأوقاف الكويتية في مارس/آذار 2013، كما شاركت في المؤتمر الدولي للغة العربية في دورات كثيرة منها الدورة الرابعة المنعقدة بدبي من 6 إلى 10 مايو/آيار 2015 حيث قدمت بحثًا حول "أدب الأطفال ودوره في علاج الضعف اللغوي للطفل العربي" وهو البحث الفائز بأفضل عشرة بحوث قدمت للمؤتمر، كما شاركت في المؤتمر الدولي 'ثقافة الطفل العربي بين الواقع وتحديات المستقبل' في مسقط بسلطنة عمان، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 قدمت خلاله مداخلة بعنوان "مصادر ثقافة الطفل العربي: دراسة في الجذور" أما ملتقيات جائزة مصطفى عزوز لأدب الأطفال بتونس فقد شاركت في أغلب طبعاتها، وهي جائزة متميزة على المستوى المغاربي وكان من ثمرات مشاركتي تأليف كتاب حول القصص الفائزة بهذه الجائزة عنوانه "دراسات نقدية في أدب الطفل التونسي" وقد قام منتدى أدب الأطفال مصطفى عزوز والبنك العربي لتونس بطباعة هذا الكتاب. 
ونأمل في المستقبل القريب في الجزائر الجديدة أن تكون لنا نشاطات مماثلة وجوائز أدبية في مجال أدب وثقافة الطفل ذلك أن الاهتمام بالطفل وثقافته وأدبه لا يزال ضعيفًا، ولا يمكن بناء جزائر جديدة دون الاهتمام بعنصر الطفولة، ولهذا دعوت في مناسبات كثيرة إلى ضرورة إنشاء مجلس أعلى للطفولة في الجزائر يهتم بشؤون هذه الشريحة المهمة التي من أجلها نصنع كل المشاريع المستقبلية، ومن أجلها نؤسس لكل ما من شأنه أن يجسد الجزائر الجديدة.
وأسأله: وماذا عن مختبر أدب الطفل وكتب الأطفال الذي قام بتأسيسه في كلية الآداب بجامعة قاصدي مرباح بولاية ورقلة الجزائرية؟ ةيجيبني بأنه في المجال الأكاديمي يشرف على رسائل كثيرة في مجال أدب الأطفال (مذكرات الليسانس ورسائل الماجستير والماستر وأطروحات الدكتوراه) كما أنه رأس وحدات بحث منها: وحدة بحث (النص الأدبي للأطفال في الجزائر – جمع وتصنيف ودراسة) ووحدة بحث (أدب الأطفال المغاربي – جمع وتصنيف ودراسة). كما أدار مخبر النقد ومصطلحاته لسنوات عديدة وهو الذي يصدر مجلة "مقاليد" المحكمة والمختصة في المصطلح النقدي.
وقد ألف مجموعة من الكتب منها: النص الأدبي للأطفال في الجزائر: دراسة تاريخية فنية في فنونه وموضوعاته صدر عن دار النشر هومة الجزائر عام 2003، وكتاب النص الشعري الموجه للأطفال في الجزائر صدر عن موفم للنشر عام 2008، وكتاب  قصص الأطفال بالجزائر دراسة في الأدب الجزائري الموجه للأطفال، عن دار الإرشاد للنشر والتوزيع، الجزائر (بدعم من وزارة الثقافة الجزائرية) عام 2013، وكتاب دراسات نقدية في أدب الطفل التونسي، طبع بتونس عام 2019، وله كتب أخرى قيد الطبع.
وقد نال جائزة عبدالحميد شومان لأدب الأطفال بالأردن دورة 2010 م، وجائزة المؤتمر الدولي للغة العربية لأفضل عشرة بحوث مقدمة للمؤتمر في بدبي عام 2015.
وأتوقف معه أمام دوره في تأسيس هذه المجلات العلمية في مجال اللغويات والتراث والعلوم الإنسانية بوجه عام؛ فيقول: كنت من مؤسسي مجلات أكاديمية على مستوى كلية الآداب واللغات بجامعة قاصدي مرباح، ومنها مجلة (الأثر) التي تأسست عام 2000 وتعنى بالأدب واللغة وتنشر بلغات ثلاث: العربية والفرنسية والإنجليزية، وأترأس تحريرها حتى الآن، ومجلة "مقاليد" التي يصدر مخبر النقد ومصطلحاته وكنت مديره، ومجلة "الذاكرة" التي يصدرها مخبر التراث اللغوي بالجنوب الشرقي الجزائري، ومجلة "العلامة" التي يصدرها مخبر اللسانيات وتحليل الخطاب، كما أنني مشارك في تحكيم ومراجعة البحوث في العديد من المجلات الصادرة عن الجامعات الجزائرية، ولي مساهمات في تحكيم البحوث ومراجعتها في مجلات عربية منها: "عالم الفكر" الكويتية، و"جذور" السعودية، و"تموز" السويدية، و"اللغة والأدب" الهندية وغيرها. 

قلت له: لكوننا جزءا من هذا الكون الكبير، فنود أن نتعرف على تصورك لما سيحدث في العالم بعد النجاح في القضاء على جائحة كوفيد 19 على مستوى العلاقات الإنسانية، والعلاقات بين الدول والقارات، واستمرار فكرة الهيمنة؟ فقال: أنا منذ وعيت الحياة لي رؤيتي للكون والحياة والناس؛ فأنا من المؤمنين بالجانب الإنساني للعلاقات بين الشعوب والأمم، أحلم بعالم تتساوى فيه الفرص، فلم يكن الصراع في اعتقادي في يوم من الأيام بين موسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل الصراع كان دومًا في التوزيع غير العادل للثروة، في الهيمنة الاقتصادية، في تغول الرأسمالية المتوحشة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف سنكون بعد جائحة كوفيد 19 على مستوى العلاقات الإنسانية، والعلاقات بين الدول والقارات في ظل هذه الهيمنة؟ كيف سنكون بعد سنة...بعد عقد من الزمن؟ هل العالم سيستغل هذه الأزمة لإعادة بناء عالم أفضل وأكثر إنسانية، أم أننا سننزلق إلى واقع أسوأ في المستقبل؟
والآن وأمام تفشي هذه الجائحة ولا وجود لشيء يبشر بانتهائه في المستقبل القريب، علينا جميعًا التعايش مع المرض الذي يفرض نفسه كحل وحيد، فمن الصعب تحمل الانتظار حتى تنجح المختبرات في إنتاج لقاح فعال، لا سيما وأن الأمر، كما قال المختصون، ربما يستغرق بعض الوقت، الذي قد يمتد لأشهر وربما لسنوات؛ لأن هذا الفيروس لديه قدرة على التغيير والتحور من شكل إلى آخر.
ويذكر العميد أن الجائحة كشفت أن شعوب الأرض كلها تحلم بمستقبل أكثر عدالة اجتماعيًة، وأكثر سلامة بيئية؛ فالمعاناة كانت واحدة، والتحديات كانت مشتركة في مواجهة كوفيد 19، وقد حدد بعض علماء الاقتصاد الاجتماعي أربعة عقود مستقبلية محتملة هي: الانحدار إلى البربرية، ورأسمالية الدولة القوية، واشتراكية الدولة الراديكالية، والتحول إلى مجتمع كبير مبني على المساعدة المتبادلة.
ولا شك أن كل العلوم والمعارف بما فيها الأدب وخصوصًا أدب وثقافة الأطفال مدعوة اليوم إلى المساهمة في الإجابة عن هذه الأسئلة.