الفن دواء لأمراض المجتمع وليس مخدرا لتغييب الوعي

العديد من صناع الأفلام والمسلسلات ينسون غاية الفن المثلى، ويروجون لأفكار لا تخدم المجتمع المغربي.

الرباط - يعيش المشهد الفني المغربي اليوم حالة من التناقض بين الأعمال التي تحمل رسائل هادفة تدفع نحوالتقدم، وأخرى غارقة في سطحية تعيد إنتاج نفس الأفكار الاستهلاكية التي تلهي المجتمع عن مسؤولياته الكبرى، فلم يعد مقبولا أن تتحول السينما والدراما والمسرح إلى منصات تروج للتسلية الفارغة على حساب القضايا الجوهرية التي تمس واقع المغاربة وتطلعاتهم تحت مبدأ هدفنا إضحاك الجمهور المغربي والترفيه عنه، وهل المجتمع المعاصر بجميع فئاته يحتاج إلى الضحك والترفيه؟

وتملأ الشاشة الصغيرة والكبيرة اليوم أعمال تركز على قصص هشة معظمها مستلهم من وسائل التواصل العفنة، تخلومن التفكير وتعتمد على حبكات مليئة بالنفايات السطحية، كخيانة الأزواج وصراعات التوريث وأزمات الحب المبتذلة والطمع والتوجه النسوي وغيرها، بينما تاريخ الفنون في العالم مليء بالرسائل القوية التي  غيرت أجيال نحوالأفضل، وأنا لا أتحدث عن نوع الاعمال الفنية التي كسرت حواجز القيم والمبادئ الانسانية بحجة الحرية والمساواة  والحداثة وما بعد الحداثة وفي جوهرها رسائل سياسية ملغومة.

ولكي تقبل أعمالك في السينما والتلفزيون المغربي روج للمثلية الجنسية وظاهرة النسوية، واسخر من التعليم وطبل للسياسيين وانفخ في صورة المرأة على حساب هيبة الرجل وستحصل على الدعم، ويتكرر هذا النوع من الإنتاج عاما بعد عام دون طرح أفكار جديدة تعالج قضايا مهمة مثل أهمية التعليم، وكارثة البطالة، وملاغم العدالة الاجتماعية على حساب تكوين الأسر القوية، وتمكين الشباب من تحقيق أهدافهم،  لتقديم محتوى يثير النقاش ويبني الوعي، نجدها تتحول إلى أدوات تُغرق الجمهور في متاهات فارغة تهدر الوقت والطاقة دون أي فائدة تُذكر، كما تحقن العلاقات الاجتماعية خاصة بين الرجال والنساء.

ولا يمكن تجاهل تأثير هذا النوع من الإنتاج الفني على المجتمع، فهي تساهم في ترسيخ القيم الاستهلاكية والانشغال بالتوافه، وهذا النهج يؤدي إلى تراجع قدرة الفرد على التفكير النقدي وتحمل المسؤولية، فيشاهد المواطن المغربي هذه الأعمال فيجد نفسه أمام شخصيات نمطية وأحداث مفتعلة لا تعكس واقعه الحقيقي، ولا تقدم له حلولا تساعده على فهم مشاكله اليومية أو تجاوزها. 

فهناك حاجة ملحة لإعادة التفكير في وظيفة الفنون ودورها الحقيقي، كتحول السينما إلى أداة تطرح قضايا مثل اهمية طلب العلم، وخطورة التفاوت الطبقي، وتداعيات أزمة السكن، وتشارك قصصا إنسانية ملهمة تشجع على التغيير، كما ينبغي أن تركز الدراما التلفزيونية على سرد حكايات تاريخية ومغربية أصيلة وتحتفي بإنجازاته وتاريخه، بدل الانشغال بمسلسلات مستنسخة لا تمت لجذور المجتمع بصلة، فما علاقتنا نحن بتركيا او بدول الشرق والخليج او الغرب وأوروبا حتى ننسخ ثقافتهم ونروج لها.

وتطرح تساؤلات حول المسرح المغربي اليوم، كي تتأطر مكانته كفضاء يناقش القضايا الكبرى ويعير من طريقة التفكير السلبية، كما لا يمكن أن يقتصر دوره على تقديم عروض سطحية تهدف فقط إلى إضحاك الجمهور دون رسالة واضحة، فعندما يقف الممثل على خشبة المسرح، فمن واجبه أن يقدم عملا يحفز التفكير ويرفع من مستوى النقاش المجتمعي حول مواضيع مصيرية، بينما يفترض بالممثلين أن يدركوا دورهم كصناع وعي، وليس مجرد أدوات تنفذ أدوارا سطحية تُكرس الرداءة من أجل الخبز وهذا الاخير مؤلم حقا، لكن  يمكن للفنان أن يرفض العمل في مشاريع لا تقدم أي قيمة مضافة، لأن قبوله بأداء هذه الأدوار يساهم بشكل غير مباشر في ترسيخ هذا النوع من الإنتاج ومشكلته أنه يستمر ويبقى في الرصيد حتى لو بعد الممات.

ولا يمكن للفن أن يؤدي دوره الحقيقي إذا ظل بعيدا عن مشاكل الناس الحقيقية ومحاولة طرح حلول قريبة ولومن اجل التحفيز، لأن الجمهور المغربي حاليا يحتاج إلى أعمال تشعل فيه شرارة التفكير وتمنحه الأمل والطموح، وإعادة توجيه بوصلته نحو الإبداع المسؤول، والحقيقة يتحمل المنتجون والمخرجون مسؤولية كبيرة في اختيار النصوص التي تكتب بعناية وتحمل رسائل هادفة، فالمنطق السليم  هو أن تنطلق السيناريوهات قضايا  تخدم المواطن المغربي، وليس أن تغرقهم في عالم من الأحلام المزيفة التي لا تمت لواقعهم بصلة. 

ويعتمد العديد من رواد الدراما والسينما والمسرح على هذه المجالات كوسيلة وحيدة لكسب العيش، وهذا يجعلهم يبررون تقديم أعمال قد تفتقر إلى الجودة أو العمق بدافع الضرورة المهنية، لكن يغفل الكثيرون منهم عن أن التاريخ لا يرحم، فهو يوثق الأعمال ويقيمها بناء على قيمتها الفنية والثقافية، وليس على الظروف الشخصية أو الاقتصادية التي أُنتجت فيها، بينما يبرز سؤال مهم حول الفنان الموظف الذي يتمتع بمصدر دخل ثابت من وظيفته، لكنه مع ذلك يقدم أعمالا باهتة تفتقر إلى التحفيز أو التأثير الفكري، فإذا كان الفنان الموظف غير مقيد بالحاجة المادية، فما عذره في عدم استثمار طاقاته لتقديم أعمال ترتقي بوعي الجمهور وتخلق نوعا من التفكير الذي يساعد في تغيير النظرة السلبية للحياة؟ هذا يدعو إلى مراجعة جادة لدور الفنانين في المجتمع ومدى التزامهم بمسؤوليتهم تجاه ترسيخ قيم الجمال والإبداع.