القيادية الراديكالية التحولية فكرة آن أوانها

مونيكا شارما تطرح أسئلة شديدة التباين بناءً على مَن نكون والغرض من حياتنا، وأين نحن في رحلة حياتنا.
خلق تأثيرات أعمق، بناء على القرارات التي نتخذها، والاستراتيجيات والبرامج التي نصممها، والسياسات التي نصوغها
تصعيد الصراعات والعنف والمظالم هو علامة على قرارات كارثية يتخذها البشر على مستوى العالم

نحن نعيش في زمن عصيب، فبالرغم من أن فوائد التقدم التكنولوجي تصل إلى كثيرين منا، إلا أن هناك ملياري شخص على الأقل على كوكبنا مُهمَلون تمامًا، وسواء كنا أغنياء أم فقراء، فنحن جميعًا متأثرون بشكل ما بالعديد من القرارات الكارثية التي اتخذها البشر في الماضي. بعض هذه القرارات تم اتخاذها دون معرفة وغالبًا بحسن نية، لكن لماذا نستمر في تأييدها أمام الدليل القاطع بأن هذه القرارات قد نتج عنها تدهور بيئي، وانقراض الأنواع، وصراعات، وقتل، ونزوح ملايين اللاجئين، وظروف معيشية مروعة لواحد من كل سبعة من البشر؟ في محاولة فهم هذه القضايا، نطرح أسئلة شديدة التباين بناءً على مَن نكون والغرض من حياتنا، وأين نحن في رحلة حياتنا، لكن هذه الأسئلة تتقاسم موضوعًا مشتركًا: ما هو الشيء المفتقد؟ كيف ننخرط في الحياة بشكل هادف؟ كيف نصبح مصطفّين ومتناغمين في القلب والعقل والأفعال؟
هذا الكتاب "القيادية.. رحلة نحو التغير الشخصي والمجتمعي" للدكتورة مونيكا شارما الطبيبة المتخصصة في أمراض الوبائية والتي عملت في هيئة الأمم المتحدة لأكثر من عشرين عاما، والذي ترجمه عبدالرحمن يوسف وصدر أخيرا عن دار صفصافة، هو كتاب ـ وفقا للمؤلفة ـ من أجل كل من هو ملتزم بالعمل على حل المشكلات، سواء كانت محلية أو عالمية. إنه كتاب حول تطور التصميم الراديكالي المستند على الخبرة العملية والنتائج التي يجري توليدها على مستوى العالم، في كل قارة وفي كل قطاع من قطاعات الحياة. لقد تعلمت وراجعت استراتيجيات على المستوى المحلي والوطني والعالمي أثناء تنفيذها، معيدة تشكيل المبادرات التي ولَّدت النتائج طوال العقود الثلاثة الماضية.
وأضافت شارما "أتيحت لي الفرصة لأشهد الظلم حول العالم من خلال العمل في الأمم المتحدة، والشراكة مع قطاعات متعددة على مستويات مختلفة بدءًا من المنظمات القاعدية ووصولًا إلى القيادات التنفيذية، وإذ كنت واعيةً بأهمية الترابطات، عملت جاهدة في كل المهام التي أسندت إليَّ على دمج الحلول التقنية مع تغيير الأنظمة والمعايير بالاستناد إلى القيم العالمية. 
وأكدت أنه يمكننا دائمًا خلق تأثيرات أعمق، بناء على القرارات التي نتخذها، والاستراتيجيات والبرامج التي نصممها، والسياسات التي نصوغها. إن خفض نسبة وفيات الأمهات يتعلق بتأسيس رعاية الطوارئ للنساء الحوامل، كما يتعلق – أيضًا - بكرامة المرأة وصوتها وحقوقها، بغض النظر عن قدرتها على دفع ثمن الخدمات، ويتعلق بقاء الطفل وحمايته بالتحصين والرعاية الخاصة بالأمراض الحادة في الطفولة وكذلك بإنهاء عمالة الأطفال والإتجار بالأطفال؛ كما يتعلق – أيضًا - ببلوغ الأطفال لكامل إمكانياتهم ونموهم. تحويل مسار وباء فيروس نقص المناعة البشري/الإيدز يأتي بخفض حالات العدوى الجديدة والوفيات؛ لكنه يتعلق – أيضًا - بالانتقال من الوصم والتمييز إلى الدمج والكرامة والاحترام. يتعلق خفض معدلات الجريمة بالأمان؛ لكنه يتعلق – أيضًا - بتغيير الأعراف الاجتماعية الإقصائية وخلق فرص متساوية.

كيف يمكن للحركات الاجتماعية الحالية ومشروعات قطاع الأعمال والحكومات ووسائل الإعلام والمؤسسات الأكاديمية والمواطنون أن تصطف وتتآزر لتصنع تأثيرًا إيجابيًّا ذا معنى في عالم اليوم المعقد ودائم التغيّر؟

وشددت شارما على أنه إذا لم نقم بدمج الحلول مع التغيير الجذري للأنظمة والثقافة، فلن نحصل على نتائج منصفة ومستدامة. الكل فاعل في هذا العمل، آتين بالتغيير الجذري ونحن نضع حلولًا للمشكلات، ناهلين من تعاطف قلوبنا الرحيمة ومدمجين للتغيير الجذري مع تغيير الأنظمة والثقافة. لا بدَّ أن ينخرط المواطنون بشكل نشط في تغيير الأعراف البليدة، كما لا بدَّ أن يفعل الشيء نفسه الحكومات والشركات ومؤسسات الأعمال والمنظمات غير الربحية والمجتمع المدني.
ورأت أن تصعيد الصراعات والعنف والمظالم هو علامة على قرارات كارثية يتخذها البشر على مستوى العالم. وقالت "افتتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2017 بوصف تجاهل حقوق الإنسان على أنه "مرض ينتشر" وحث المجلس على أن يكون جزءًا من العلاج. وقال: "نحن نرى على نحو متزايد الظاهرة المنحرفة للشعبية والتطرف تغذي إحداهما الأخرى في سعار من العنصرية المتنامية ورهاب الأجانب ومعاداة السامية ومعاداة المسلمين وأشكال أخرى من التعصب". 
وأضاف: "تواجه الأقليات ومجتمعات السكان الأصليين وآخرون أشكالًا من التمييز والتعسف عبر العالم". مشيرًا إلى التعسف الذي يستهدف اللاجئين والمهاجرين، والأشخاص من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية".
وأضافت أن هناك طريقا للخروج من هذا. وأوضحت إن "القيادية الراديكالية التحولية فكرة آن أوانها. فكرة قوية، لكنها ناشئة، وما زالت على هوامش النشاط السائد في كل قطاع. ما زالت أغلب المجتمعات والمؤسسات والمنظمات والبلاد غير واعية أو لم تتعرض لقوتها وإمكانياتها. تحارب جماعات المصالح الراسخة للإبقاء على الوضع الراهن وتقاوم التغيير بقوة. هذا هو التحدي. مع استمرار التفاوت والتعصب والجشع الجامح للأفراد والأمم في النمو، كيف نضع استراتيجية لدفع هذا العمل في التيار السائد حول العالم؟ هذه الاستجابة الراديكالية التطورية لديها ملامح فريدة تنطبق علينا جميعًا. هذه الملامح أشبه بالبديهيات؛ فهي راسخة ومقبولة وصحيحة على نحو بيِّن. عندما نستمد قدراتنا الداخلية من أجل فعل استراتيجي، وعندما نكون أذكياء وجدانيًّا وواعين ذاتيًّا، وملتزمين بعالم مزدهر؛ نُظهر نتائج تحولية بينما نتفتح في الفعل، واضعين أنماطًا جديدة موضع التنفيذ. إنه اختيارنا بأن نشارك في هذه المغامرة في الحياة.
وتساءلت شارما في إطار 10 بديهيات وضعتها للقيادية الرديكالية التحولية: كيف نقاطع قرونًا من المذهبيات؟ كيف يمكننا إعادة اكتشاف من نكون ككائنات بشرية في ما وراء العِرق والنوع والطائفة والقبيلة والطبقة، وفي الوقت نفسه نكرم التنوع ونحتفي بالاختلاف؟ وقالت "يستمد التحول الراديكالي طاقاتنا الداخلية وقيمنا العالمية كأساس للفعل الاستراتيجي؛ إنه هو المُقاطع للمذهبيات. يحركنا التحول الراديكالي في ما وراء الهيمنة والسلطة الأبوية ويخلق نماذج جديدة اجتماعية ومهنية من المساواة، محققًا واحديتنا الإنسانية الجوهرية. بترسيخ عملنا ومشاريعنا وعلاقاتنا ومهامنا اليومية في أعمق قيمنا، نتعلم أن نحتضن وننصت وأن نمنح ونحافظ على الحياة وفي الوقت نفسه نكون فعالين وأكفاء ومركزين على النتائج. 
نرى أن الإبداع متاح لنا في قلوبنا وعقولنا وأيادينا؛ نسمح لهم بالعمل معًا، ونبدأ في صياغة الواقع من أعمق أحلامنا بالكرامة والعدالة والإنصاف والسلام. لا يعني هذا ألا نجاهر بما هو استغلالي أو هدَّام. يفترض التحول الراديكالي أن لدينا الشجاعة لقول الحقيقة للسلطة؛ وعندما نعمل على قضايا معينة مثل العنصرية أو الطائفية أو الطبقية، أو على موضوعات معينة مثل "حياة السود مهمة"، أو الطاقة النظيفة، أو الحد الأدنى من الأجور والوظائف اللائقة، أو التعليم المجاني عالميًّا، فإننا نفعل هذا متجاوزين استراتيجية "نحن في مقابل هم". نستمد القيم العالمية، عارفين دائمًا أن أي شخص بإمكانه في أي وقت أن يتكشف على نحو غير متوقع ويُظهر عظمته.
يستكشف الجزء الأول من الكتاب المناهج والمبادئ والممارسات لهذا المجال الجديد من الأنظمة الراديكالية والتحول الثقافي. حيث يتأمل: ما هي تحدياتنا؟ ما هي الأساطير والمغالطات التي تُبقي على قصصنا دون فحص جاعلة الوضع الراهن يستمر؟ كيف يمكننا مقاومة الظلم في عالم من الوفرة متأصل اجتماعيًّا في الفصل والإقصاء، ومتبني أنظمة اقتصادية ومالية لا تفيد سوى القلة؟ كيف نرى وننتهز الفرص التي تقدم نفسها في أوضاع تبدو فوضوية؟ ما هي ملامح الاستجابة الراديكالية الفريدة التي يمكنها خلق تأثير إيجابي في عالم اليوم المتغير والمعقد؟

علم الاجتماع
ما هي تحدياتنا؟

وهنا رأت شارما أن هذا العمل يتعلق بالبزوغ؛ غير المتوقع لكن المُوجَّه. البزوغ ونحن ننخرط في تحويل مجتمعنا العالمي والمحلي بذراعين مفتوحتين تحتضنان تحولًا فكريًّا؛ ذراع ثابتة في من نكون، وما ندافع عنه والقيم العالمية التي نتبناها؛ والذراع الأخرى مفتوحة لصنع التغيير في العالم، ذلك العالم الذي نحلم به ونريد أن نعيش فيه. هاتان الدفتان لبزوغنا – من نكون والنتائج التي نأتي بها – أساسيتان ودائمتا الحضور. نحن نحتاج الاثنتين – توجه نحو النتائج مع المعرفة الداخلية والثقة في ما ندافع عنه – لكي نُظهر عظمتنا، ولكي نتحدى الفصل المغلوط بين الكينونة والفعل.
ويأخذنا الجزء الثاني عبر الجوانب المتشابكة للكينونة والتصميم والفعل وهي قدرات كامنة متأصلة في كل واحد، ويستكشف إظهارها عبر العمل في العالم. عندما نعتمد على حكمتنا وقدراتنا الداخلية، نستجيب بشجاعة ورحمة، ونجسد القيم العالمية. إن قلبنا الشجاع مدعو كي يستجيب للإنسانية. أعيننا المتبصرة ترى بوضوح جلي. ويطلعنا على قصص ملهمة لممارسي العمل ذوي القلب والعقل والفعل، كي نرى كيف يحقق هؤلاء من مواطني العالم النتائج ويساهمون في تغيير العالم. هؤلاء الأشخاص هم رواد معاصرون، ومصممون معماريون موحِّدون، ونشطاء يقظون، ومحولون راديكاليون؛ كل هذا معًا!
وتقول شارما "من خلال تنشيط المصمم المعماري الموحِّد داخل كل منا، سنستكشف الثورة -التطور r-evolution – وهي حركة راديكالية وتطورية، وطريقة لتصميم حياتنا وعملنا ومشاريعنا ومبادراتنا. نحن نخلق ما هو فارق عن طريق التصميم بشكل مختلف من أجل صنع اختلاف حقيقي، نحن نصل إلى عقلنا المنمط الفطري ونعزز الصلة بين حياتنا اليومية وعملنا. 
وتناقش كيف نكون نشطاء يقظين؟ وكيفية تنفيذ أعمالنا ومشروعاتنا بطريقة مختلفة، مؤكدة إن الاستثمار من أجل تحقيق إمكانياتنا كاملة عبر الفعل ما هو إلا اختيار وأمر حيوي لنجاحنا. أن تكون قائدًا، وراعيا أو وكيلا steward للتغيير وفي الوقت نفسه داعمًا بفعالية لقيادة الآخرين، هو نموذج جديد يظهر على مستوى العالم. كيف ننخرط في البيت، وفي المجتمع، وفي مكان عملنا بهذه الطريقة؟ عبر مزيج من الإنصات العميق، والتحدث بمسؤولية، وتوليد حوارات مجتمعية جديدة نابعة من قدراتنا الداخلية وقيمنا الكونية، نصير مغيّرين لقواعد اللعبة من ذوي المبادئ والملهمين للآخرين كي يلتزموا بالعمل. هذا هو ما يُولِّد النتائج.
وفي الجزء الثالث من الكتاب تستكشف شارما ما يعنيه أن تكون مُحوِّلًا راديكاليًّا للنظم والثقافة، حيث رأت أنه مع المقاربات التحويلية الراديكالية، يمكن إيقاف التحيزات الإقصائية ذات الهيكلة الاجتماعية مثل الطبقية والعنصرية والطائفية والقبلية والتمييز على أساس النوع والتدين القائم على الكراهية ورهاب المثلية.
وقالت إن المحول الراديكالي يسأل أسئلة تتطلب طرقًا جديدة في التفكير والفعل. مع تقدم التكنولوجيا، أصبح المزيد من التخصص أمرًا حتميًّا. هل نعرف كيف نتجاوز حدود التخصصات في عصر المعلومات والمعرفة الحالي من أجل الإتيان بتعليم وفعل جديدين؟ كيف يمكننا التصميم والعمل من أجل تحول أبعد للأنظمة بكاملها لكي نوجد العدالة والاستدامة؟ إن كبار المديرين التنفيذيين من مختلف القطاعات يريدون اقتحام الأبراج المنعزلة للمنظمات. هل لدينا طرق بسيطة وفعالة لصفّ وضبط وتجاوز التشظي في أماكن العمل؟ على الرغم من أن لدينا تحديات كثيرة اليوم، إلا أن هناك لدينا فرصًا جديدة، على سبيل المثال "أهداف التنمية المستدامة" (وهي أول إجماع عالمي على الإطلاق حول ما يجب عمله للتعامل مع غياب المساواة وتغيّر المناخ والصراعات والفقر)، والتطورات التكنولوجية، والفهم الأعمق للإمكانات البشرية، وزيادة القدرة على الاتصال. كيف يمكننا استثمار هذا بأفضل شكل من أجل تحويل الأنظمة الاقتصادية والمالية والمعايير الإقصائية؟
ويسلط الجزء الرابع الضوء على الخطوات العملية التي يمكننا جميعًا اتخاذها لتوليد تحول للنموذج الفكري؛ كيف يمكن للحركات الاجتماعية الحالية ومشروعات قطاع الأعمال والحكومات ووسائل الإعلام والمؤسسات الأكاديمية والمواطنون أن تصطف وتتآزر لتصنع تأثيرًا إيجابيًّا ذا معنى في عالم اليوم المعقد ودائم التغيّر. يمكن لكل واحد المساهمة في تغيير النموذج الفكري والتعامل مع التعقيد ببساطة راقية؛ استقاء القيم العالمية لأجل العمل الاستراتيجي، إظهار إمكاناتنا كاملة، إيقاف التحيزات المسببة للانقسامات، إعادة ما هو مفتقد إلى مكانه، والإسراع بإتمام المهمة غير المكتملة المتعلقة بتحقيق العدل والاستدامة في عالمنا.