الكردي يؤكد أن الجائحة ستفرز إبداعا عدميا

الناقد المصري عبدالرحيم الكردي يرى أن الوباء سوف يعيد ترتيب المنظومة العالمية من جديد.
كورونا فضح كثيرًا من الأنظمة التي كانت مستورة، بعد كشف هشاشة النظم الصحية لكثير من الدول التي كنا نثق في متانتها
دول سوف يتراجع دورها، وأخرى ستتقدم، وثالثة ستنهار تمامًا
سيكفر الناس بالعلم، بعد تراجع قدراته، وسيعودون من جديد إلى التفكير فيما وراء الطبيعة 
الدول التي اعتمد نظامها المالي على طبع الأوراق المالية فقط ستختفي!

للناقد والمبدع الدكتور عبدالرحيم الكردي؛ مقرر لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر، ورئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات السردية، والعميد الأسبق لكلية الآداب بجلمعة قناة السويس بالإسماعيلية، رؤاه بالغة الأهمية لنبعات الجائحة على البشرية، وهي رؤى تخلو من أي تجمل، بل تتسم بصراحة مفرطة حتى فيما يتصل به هو شخصيًا. فدعونا نرى بأنفسنا. 
يرى الدكتور الكردي، صاحب رواية "اللوذعي"، أن أصغر كائن حي عرفته البشرية استطاع أن يكسر أنف الغرور البشري، ويجعل القادة والجبابرة والعلماء والعباقرة يهرولون منكمشين في منازلهم كالفئران المذعورة!
 فهل ستكشف لنا الأحداث المقبلة عن أن هذا لم يكن إلا جزءًا من الحرب البيولوجية الحديثة.. الحرب العالمية الثالثة؟!
وعندئذ، سنصاب بحالة من الإحباط من جدوى التقدم العلمي والتكنولوجي، ونقتنع بأن هذا التقدم العلمي لم ولن يحقق السعادة للبشرية، بل يعمل على تدميرها وتعاستها، ومن ثم فسوف يصاب البشر جميعًا بحالة تشبه تلك الحالة التي أصابتهم بعد الخسائر البشرية البشعة خلال الحربين العالميتين؛ الأولى والثانية، وسوف تظهر المذاهب الأدبية والفنية والفلسفية العدمية، التي تشبه السريالية والدادية والعبثية والوجودية، والهروب من الحياة عن طريق الانتحار المعنوي أو الحسي!
أم أن الأيام المقبلة سوف تكشف أن هذا لم يكن بفعل فاعل بشري، بل هو التوازن البيئي والضعف الإنساني.

الانعزال في بيته أتاح له أن يقرأ المزيد من الكتب التي لم تتح له الفرصة من قبل لقراءتها، وأتاح له النوم مبكرًا، أن يستيقظ مبكرًا، وأن يستمتع بنسمة الصبح، ورؤية الشروق المبهج كل يوم

وعندئذ، سوف يفاجأ الناس بالحقيقة المرة، ألا وهي أنهم، مهما أوتوا من علم وقوة، فإنهم سوف يظلون ضعفاء وجهالاً، وأن أصغر كائن في الأرض يمكن أن يقضي على الحياة البشرية، وإن إيمانهم بقدرة الإنسان على فعل كل شيء لم يكن إلا وهمًا، وإن العلم مهما تطور فإن قدراته سوف تظل محدودة، ومن ثم فسوف يعود الناس إلى التفكير فيما وراء الطبيعة مرة أخرى.
ومن زاوية أخرى، يرى الدكتور عبدالرحيم الكردي أن هذا الوباء المباغت فضح كثيرًا من الأنظمة التي كانت مستورة، عندما كشف هشاشة النظم الصحية لكثير من الدول التي كنا نثق في متانتها.
 ويتساءل: من منا كان يُصَدِق أنه سيأتي اليوم الذي تتلقى فيه بعض الدول الأوربية المتقدمة، أو الولايات المتحدة الأميركية إعانات طبية من الصين، أو من روسيا، أو من بعض دول العالم الثالث؟! أو تعلن عن عدم كفاية المعدات الطبية الأولية التي تحتاجها لإنقاذ حياة مواطنيها؟!
ويتوقع الكردي أن اطراد تفشي الوباء بهذه الصورة المرعبة التي تتعلق بها أعيننا عبر شاشات الفضائيات من مختلف أرجاء الكرة الأرضية، بالوتيرة الحالية، سيكشف عن مفاجآت لم تكن متوقعة بالنسبة للبلاد المتخلفة التي لا تتوفر لها أجهزة كافية للكشف عن أعداد  المصابين بالوباء، أو نلك البلاد التي تحكم بأنظمة استبدادية ويخبئ قادتها الأرقام الحقيقية لأعداد المصابين.
ويقدر الكردي لهذه الفاجأة أن تكون بقوة انفجار القنبلة الوبائية الموقوتة، وعندئذ، لن يفلح إغلاق الحدود، ولا إقامة الحوائط العازلة!
أما من الناحية الاقتصادية، فيشير إلى أن نذر آثر الكورونا قد بدأت من الآن؛ وذلك من خلال الركود الاقتصادي الداخلي والإقليمي والدولي.
 وهو يتوقع أن تنهار اقتصاديات الدول التي تعتمد على الاقتصاديات الهشة مثل: السياحة والترفيه، أو الاقتصادات القائمة على المضاربات.
وفي تقديره، لن يصمد سوى الاقتصاد القائم على الإنتاج الحقيقي، مثل الاقتصاد الصيني، ونوعًا ما الألماني، وبعدهما.. الأميركي.

وسوف يكون هناك ازدياد في عدد الدول الفاشلة التي اعتمد اقتصادها على الاستهلاك فقط، والتي يعتمد نظامها المالي على طبع الأوراق المالية!
ولذلك فإن هذا الوباء سوف يعيد ترتيب المنظومة العالمية من جديد؛ فهناك دول سوف يتراجع دورها، وأخرى ستتقدم، وثالثة ستنهار تمامًا.
ويوضح الدكتور الكردي أن طوق نجاة أية دولة من الدول الضعيفة المهددة بالانهيار، سيتمثل في الاهتمام بجانبين، الأول: التوجه إلى إقامة اقتصاد حقيقي يعتمد على الإنتاج، والاكتفاء الذاتي، والجانب الآخر، يكمن في الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي.
وعلى المستوى الداخلي، ستفلس الشركات غير القائمة على الإنتاج الحقيقي، وسوف تحدث أشكال من الاحتكار والتضخم وارتفاع الأسعار، وثراء الحروب والأوبئة، وسوف تزيد البطالة والفساد المالي والجريمة والأنانية والقمع.
 وربما يحدث قصور في السيولة النقدية في البنوك، وربما ينخفض سعر العملات المحلية، وسوف يضيق الناس من الحصار، ومنع التجول، فتكثر المنازعات والمشاجرات بينهم.
ويرى أن هذه الأزمة، ربما تنتج أدبًا، ولكن ذلك في حالة استمرار الجائحة وتفاقمها، وتأثيرها في تشكُّل تجارب الأدباء الشخصية، كالتجربة التي عاشها طه حسين مع الكوليرا في وباء سنة 1902، والتي سجلها في لوحة فنية مؤثرة في كتابه "الأيام"، أو كالتجربة التي سجلها "ألبير كامو" في روايته "الطاعون"، أو التي سجلها الكاتب النيجيري "سارو ويوا"، أو الكاتب الكولمبي "ماركيز".
وعلى المستوى الشخصي، يوضح لنا الدكتور الكردي أته لم يختلف حجم نشاطه اليومي تحت تأثير البقاء الإجباري في البيت، بل اختلف نوعه؛ فقد أتاح له الانعزال في بيته أن يقرأ المزيد من الكتب التي لم تتح له الفرصة من قبل لقراءتها، وأتاح له النوم مبكرًا، أن يستيقظ مبكرًا، وأن يستمتع بنسمة الصبح، ورؤية الشروق المبهج كل يوم، كما مكنته فروض عدم الاختلاط من الاطلاع على نظم إلكترونية في التواصل الاجتماعي واستخدامها في الاجتماعات، واللقاءات، وهو الذي لم يكن قد استخدمتها من قبل.