الكندري ترصد تطور السلطة التنفيذية في الكويت

الباحثة علية الكندري تؤكد أن النظام السياسي في الكويت يعتبر من أكثر النظم السياسية انفتاحاً في منطقة الخليج والجزيرة العربية.
الدراسة تهدف إلى محاولة بناء نظري لفهم طبيعة السلطة التنفيذية بالكويت
رصد التطور والتغيير في بنية السلطة التنفيذية في الكويت
تحديد طبيعة العلاقة بين المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية 

أكدت الباحثة الكويتية علية الكندري أن النظام السياسي في الكويت يعتبر من أكثر النظم السياسية انفتاحاً في منطقة الخليج والجزيرة العربية، حيث تعود الجذور التاريخية للمشاركة السياسية في الكويت إلى مرحلة مبكرة من نشأتها، وذلك عندما اختار أهالي الكويت الشيخ صباح الأول حاكماً لها بطريقة تشاورية، واستمر هذا النهج "الشوري" في النظام السياسي في الكويت إلى حين استقلالها في عام 1961 وإصدار دستور دائم لها في عام 1962.
وأشارت الباحثة أن البحث الذي جاء بعنوان "تطور السلطة التنفيذية في الكويت 1946  - 1965" وقع اختيارها عليه لدراسته نظراً للتطورات الكبيرة التي شهدتها السلطة التنفيذية في الكويت - على اختلاف مسمياتها - طيلة فترة الدراسة، ومساهمتها الفاعلة في إثراء الحراك الوطني وتنمية الروح الوطنية الكويتية.
وأوضحت الكندري أن الدراسة تسعى إلى الإجابة عن سؤال رئيس وهو عن طبيعة تطور السلطة التنفيذية في الكويت خلال الفترة 1946  - 1965 وتهدف الدراسة إلى محاولة بناء نظري لفهم طبيعة السلطة التنفيذية خلال تلك الفترة، ورصد التطور والتغيير في بنية السلطة التنفيذية في الكويت، وتحديد طبيعة العلاقة بين المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وانعكاس ذلك علي السلطة التنفيذية، وتحديد طبيعة الخدمات التي تقدمها السلطة التنفيذية، وتحديد العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية "تكامل أم تعارض؟". 

تجربة الكويت الديمقراطية الأولى قامت من دون أحزاب سياسية، ولم ينتقص ذلك من ثرائها ومن مساحة الحرية والتعددية التي تمتع بها المجتمع

فيما يتعلق بالإطار الزمني جاءت بداية الدارسة 1946 حيث صدرت الكويت في هذا العام أول شحنة من البترول، فتحققت لها إيرادات كبيرة انعكست على الأوضاع المعيشية فيها، الأمر الذي جعل الكويتيين يطمحون في إنشاء المشاريع الخدمية والصحية والتعليمية والإسكانية، كذلك كانوا يريدون ضمانات للمحافظة على هذه الثروة، ولا يمكن حدوث ذلك إلا بوجود سلطة تنفيذية قادرة على الإدارة الحكيمة في الشأن الداخلي. وفي العام نفسه – أي عام 1946- شهد عودة الصحافة الكويتية من خلال "مجلة البعثة" التي كانت بمثابة رقيب الأمة على كل شيء فقد جاءت على صدر صفحاتها العديد من المقالات التي تدعو إلى معالجة الخلل ومقاومة الفساد في السلطة التنفيذية والدفع إلى تحسين أحوال المجتمع الكويتي.
وخلال معالجة الباحثة لهذه الدراسة قسمتها إلى أربعة فصول يسبقها فصل تمهيدي ويعقبها خاتمة بالإضافة إلي مجموعة متنوعة من الملاحق، وأخيراً ثبت بالمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الباحثة. 
جاء الفصل التمهيدي "الجذور التاريخية لنشأة السلطة التنفيذية" يتناول إرهاصات أو بدايات تطور السلطة التنفيذية في إمارة الكويت التي توافر لديها العديد من العوامل التي ساعدت على نموها وازدهار سريعا، جاء في مقدمتها الموقع المتميز وكذلك الأمن والاستقرار التي شهدته الكويت في ظل أميرها صباح الأول الذي حرص على الأخذ بمبدأ الشوري من خلال تأسيس مجلس للأعيان ينظمة ميثاق يؤكد على مشاركة أعيان الكويت في إدارة أمور بلادهم، ثم جاءت بلدية الكويت 1932 كثمرة لتحول اقتصادي واجتماعي وفكري، مارست البلدية – كسلطة تنفيذية عليا – العديد من المهام في تنظيم مرافق (الأمن – النظافة – الصحة – التعليم – الاقتصاد- التخطيط العمراني... غيرها) ثم تبع هذا التطور أنشاء مجلس المعارف والتشريع ليضع الكويت علي أعتاب الحداثة. 
أما الفصل الأول فقد جاء بعنوان "السلطة التنفيذية وبناء الدولة الحديثة" فكان لاكتشاف وتصدير البترول في عام 1946، الأثر البالغ في إحداث تغييرات جذرية في بنية المجتمع الكويتي وأنشطته ومرافقه كافة، وقد ساهم في قيام هذه النهضة الحديثة التي انعكست بشكل مباشر في تطور السلطة التنفيذية من خلال إحداث طفرة كبيرة في البناء المؤسسي وكذلك التوسع في تقديم الخدمات للمواطنين، فشهدت فترة نصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين والخمسينيات بناء مؤسسياً متسارعاً لاستيعاب كافة الخدمات العامة ضمن منظمات حكومية لها طابع تخصصي مثل مجلس الإنشاء الذي تأسس سنة 1952 مهمته دراسة وإقرار مشاريع التنظيم والعمران، ومشاريع المرافق العامة مثل بناء المساكن ومحطات الكهرباء والمدارس...غيرها، ثم تبعه تشكيل اللجنة التنفيذية العليا كمجلس وزراء مصغر أنيطت بها إدارة شئون البلاد ووضع النظم والإجراءات الكفيلة برعاية مصالح المواطنين وتلبية الاحتياجات التي تفرضها طبيعة التطور الناشئ في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة، وسن القوانين واللوائح، واستحداث النظم التي ترسم ملامح الدولة الحديثة، ثم جاءت بلدية الكويت لتقدم طرحا جديدا في ظل الحداثة من خلال صدور قانون جديد 1954 يواكب تطورات العصر، لتلعب البلدية دورها في رقي البلاد وازدهارها، كي يشعر كل مواطن بتطور الأمور العمرانية والصحية والاجتماعية والمدنية علي أسس صحيحه تكفل للبلدية تحقيق ما تصبو إليه نفوس الكويتيين من أهداف. ثم جاء اصدار قانون بلدية الكويت رقم 20 لسنة 1960 بهدف تلافي السلبيات التي شابت القوانين السابقه التي استمرت طيلة ثلاثه عقود من الثلاثينيات حتى الخمسينيات من القرن الماضي. 

الكويت
تأكيد الفصل بين السلطات الثلاثة

جاء الفصل الثاني بعنوان "بريطانيا محاولات التغلغل في السلطة التنفيذية" حيث ازدادت أهمية الكويت خاصة بالنسبة لبريطانيا وأخذت العلاقات البريطانية منحي جديد منذ ظهور النفط وتصدير أول شحنة منه سنة 1946، الأمر الذي أثار اهتمام بريطانيا بالكويت، وذلك للحفاظ علي مصالحها في المنطقة عامة وفي الكويت خاصة، في المقابل نجد حرص الكويتيين في الحد من التوغل البريطاني، فمن خلال هذا الفصل تستعرض الباحثة محاولات عدة من قبل بريطانيا سواء في فترة حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح (1921 – 1950) ثم موقف الشيخ عبدالله السالم الصباح (1951 – 1965) الذي استطاع مناوئة وتقليص النفوذ البريطاني في الكويت، وإبعاده قدر الإمكان عن الهيمنة على أمور البلاد الداخلية عامة والسلطات التنفيذية فيها على وجه الخصوص والمتمثلة في النفط واستثمار عائداته وقضية التنمية في الكويت وقد حقق الشيخ عبدالله السالم نجاحاً منقطع النظير. 
واستكمالاً للتطور التاريخي جاء الفصل الثالث بعنوان "السلطة التنفيذية بين الاستقلال والدستور" ويستعرض هذا الفصل حدثاً سياسياً بارزاً تمثل في استقلال الدولة عام 1961، كما تم إرساء الثوابت السياسية والإدارية من خلال وضع دستور للبلاد في عام 1962، ومن أبرز الملامح الإدارية التي جاء بها دستور 1962 التي أرسي قواعد الحكم الدستوري في البلاد وأصبحت للسلطة التنفيذية بناء مؤسسي ينظمه الدستور مؤكداً علي مبدأ الفصل بين السلطات الثلاثة. 
وأخيرا جاء الفصل الرابع بعنوان "الرقابة علي السلطة التنفيذية" فقبل الحديث عن شكل الرقابة علي السلطة التنفيذية كان لابد من استعراض إنجازات السلطة التنفيذية خلال فترة الدارسة، وما قدمته للشعب الكويتي من إنجازات في مناحي الحياة كافة. اما عن الرقابة فقد ظهرت بشكل واضح من خلال الرقابة الشعبية حيث جاءت الصحافة لتلعب دورا بارزا، فمثلت صوت الشارع المراقب للسلطة التنفيذية مقدماً النقد والهجوم عليها في حالة تقصيرها، ثم جاءت الرقابة البرلمانية بأشكالها المتعددة، لنخلص في النهاية إلى أن الحكومة الكويتية قامت بإرساء قواعد الحكم المؤسسي وتحويل الكويت من مجتمع قبلي بسيط إلي مجتمع مؤسسي بنظام سياسي متكامل ذي سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية. 
وفي النهاية جاءت الخاتمة لترصد أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة، ومنها: أن تجربة الكويت الديمقراطية الأولى قامت من دون أحزاب سياسية، ولم ينتقص ذلك من ثرائها ومن مساحة الحرية والتعددية التي تمتع بها المجتمع، حيث تميزت المجالس النيابية والتنفيذية المتعاقبة بأنها تضم جميع ألوان التوجه السياسي والاجتماعي، كما أن قبول العائلة الحاكمة بمبادئ مجلس الأمة المنتخب، وأن الأمة هي مصدر السلطات، وتأكيد الفصل بين السلطات الثلاثة (التنفيذية والتشريعية والقضائية) أدى إلى اكتساب عائلة الصباح على المدى البعيد مكانتها واحترامها داخل البلاد وخارجها، وقد زاد من فرص بقاء الكويت دولة مستقلة.
يذكر أن كلية الآداب جامعة القاهرة ناقشت مؤخرا تلك الرسالة "تطور السلطة التنفيذية في الكويت 1946-1965" المقدمة من باحثة الدكتوراه الكويتية عليه عبدالرحمن علي سكين الكندري تحت إشراف دكتورة إيمان محمد عبدالمنعم عامر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب جامعة القاهرة.