المناطق الداخلية تتذمر من التمييز الصحي في تونس

أزمة كورونا تعري التفاوت الصارخ في الخدمات الصحية في تونس، وتسلط الضوء على معاناة المحافظات الداخلية والمناطق الحدودية واالأرياف من اهتراء التجهيزات الطبية ورداءة البنية التحتية وعزوف أطباء الاختصاص عنها.

يطفو على السطح من جديد الحديث عن حرمان المحافظات الداخلية في تونس من الحد الأدنى من الخدمات الصحية مع انتشار وباء كورونا وحصده لأعداد متزايدة من الوفيات والإصابات في البلاد.  
 ويفضح وباء كورونا الخلل الكبير في القطاع الصحي في تونس ويعري التفاوت الصارخ في الخدمات الصحية رغم أنها من بينها الحقوق التي يكفلها القانون والدستور وليس رفاهية.
وينصّ الدستور التونسي على حق الجميع في الولوج للصحة من خلال الفصل 38 الذي يعتبر ان :"الصحة حق لكل إنسان، والدولة تضمن الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفر الإمكانيات الضرورية لضان جودة الخدمات الصحية، كما تضمن العلاج المجاني لفاقدي السند ولذوي الدخل المحدود والحق في التغطية الاجتماعية طبقا للقانون". 
ولطالما رفعت المناطق الداخلية شعارات تنادي بالحرية والكرامة وتلفظ التهميش والاقصاء والسياسات غير العادلة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية الا انها لا تجني سوى الوعود الوردية  الزائفة من طرف الحكومات المتعاقبة على البلاد.
شكل الحق في الصحة منذ الثورة أحد اهم محاور الحراك الاجتماعي في المناطق الداخلية وسط مطالبات بتحسين المرافق الصحية العمومية وخدماتها وتوفير طب الاختصاص لها وإحداث مستشفيات جامعية فيها.
وقام فيروس كورونا بتعرية الواقع المر في تونس بإظهاره حجم التفاوت بين محافظات الساحل والشمال بالمقارنة مع بقية المحافظات الداخلية الأقل حظاً.
وأعادت أزمة وباء كورونا النقاش داخل الأوساط التونسية بشأن المنظومة الصحية التي تراجعت بشكل كبير بعد ثورة يناير 2011 وتسلم المؤسسات الجديدة للحكم، ففيما تعتبر أوساط أن الفساد الذي نخر أجهزة الدولة بعد الثورة أهم عوامل تراجع الخدمات الصحية، يذهب البعض الآخر إلى القول إن هناك تدميرا ممنهجا لقطاع الصحة العمومي لصالح القطاع الخاص.
وتتذمر المحافظات الداخلية والأرياف والمناطق البعيدة او حتى النائية والمقاربة للحدود الجزائرية او الليبية من عدم وصول التغطية الصحية إلى مناطقهم وعجزهم عن مواكبة حملة التلقيح الوطنية ضد فيروس كورونا.  
كما تفتقر هذه الجهات الى إمكانيات لوجستية ومستلزمات صحية ومنشآت لمجابهة انتشار الوباء او حتى التوعيه به.
ويرى خبراء ان الارياف والمناطق البعيدة ليست محصنة من العدوى وان تباعد التجمعات السكنية وعدم وجود فضاءات تجارية كبرى وقلة المواصلات العامة لا تجنبها انتشار الفيروس.
كما اعتبروا ان وضعية متساكني الارياف والمناطق المعزولة ستكون أكثر حرجا وحساسية حيث ان الحالات المصابة بالفيروس التي تتطلب الدخول الى المستشفيات تصطدم بغياب المرافق الصحية وهشاشة ورداءة التجهيزات الطبية.
وذهب بعضهم الى ابعد من ذلك واعتبر ان الحكومة فشلت في مد جسور التواصل مع متساكني المناطق البعيدة والارياف خلال ازمة كورونا باعتبارها اعتمدت على استراتيجية التسجيل عن بعد عبر الهواتف الذكية وكانها أسقطتهم من حساباتها لا سيما وان هذه المناطق تفتقر الى شبكات اتصال بالانترنت او حتى كهرباء.
وأفاد تقرير أصدرته الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة ان عدم المساواة في الخدمات الصحية يبقى العائق الأكبر، حيث أن العديد من المواطنين يشكون من عدم عثورهم على مرافق صحية قريبة.
يكافح قطاع الصحة العامة في تونس للشفاء من أمراضه الكثيرة، ويشهد توزيع المؤسسات الصحيّة في تونس خللاً في التوازن بين الجهات.
ويشمل القطاع العام 2300 مركز للرعاية الصّحية الأساسية، إلى جانب 27 تجمعا للصحة الأساسية و109 مستشفيات محلية و33 مستشفى جهويا و18 مركزا ومعهدا مختصا و12 مركزا طبيا و3 مستشفيات تابعة لوزارة الدفاع ومستشفى واحد تابع لوزارة الداخلية، بطاقة استيعاب إجمالية تقدّر بـ19630 سريرا أي بما يعادل 1.84 سرير لكلّ ألف ساكن تونسي.
وتتوزّع اغلب المستشفيات الكبيرة على محافظات تونس العاصمة وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس، كما يتمركز 39 في المائة من أطباء القطاع العام في محافظات تونس الكبرى.
وتعاني المناطق الداخلية والأرياف من نقص متفاوت في طب النساء والتوليد والإنعاش والتصوير الطبي والتخدير والجراحة العامة وجراحة العظام وطب الأطفال.  

خلل كبير ينخر القطاع الصحي في تونس
خلل كبير ينخر القطاع الصحي في تونس

وعانت تونس من جراء ضعف القطاع الصحي في المحافظات الداخلية من حوادث هزت الراي العام مثل حادثة وفاة الرضع وموت طبيب في مستشفى بجندوبة الى جانب انتشار أخبار عن وفاة عشرات الحوامل في المحافظات الداخلية لعجزهن عن الولادة في ظروف طبيعية.
ويشعر متابعون للشأن المحلي بالقلق الشديد جراء معاناة العديد من المستشفيات الجهوية والداخلية من غياب أطباء الاختصاص. 
وسعت وزارة الصحة التونسية الى وضع استراتيجية محددة لمجابهة هذا النقص وقد وضعت حلولا عاجلة وفورية كما اقرت إجراءات أخرى طويلة المدى يتم تطبيقها على مراحل الا انها لم تمتص غضب متساكني المناطق البعيدة والنائية الذين يعتبرون ان عوامل عديدة من بينها ضعف البنية التحتية وهشاشتها والطرق الشائكة وغير المعبدة والنقص الحاد في الكهرباء والماء او انعدامه في أحيان كثيرة الى جانب تواضع الامكانيات الطبية وحتى بدائيتها عجلت بوفاة مرضى كان يمكن انقاذهم لو توفرت امكانيات مناسبة. 
ولا تؤدي أغلب الحلول والاجراءات التي تقوم بها الحكومة التونسية مثل فتح الانتداب لمعالجة النقص الفادح في الأطباء المتخصصين خاصة في المناطق النائية إلى نتائج ملموسة.
ويفضل أطباء الاختصاص العمل في القطاع الخاص على حساب القطاع العام لانه يوفر لهم امتيازات مادية مغرية وظروف عمل جيدة كما ان المصحات عادة ما تتواجد في المدن الكبرى المحتوية على جميع مرافق الحياة اليومية وحتى الكماليات.
ويعزف أطباء الاختصاص عن العمل في المراكز الصحية في الجهات الداخلية بسبب اهتراء بنيتها التحتية وانعدام ظروف العمل اللائقة فيها.