"الميدان" يختار محمود سعيد لدورته الأولى

إبراهيم شلبي يعمل على مشروع معرض الميدان بنشاط وجهد دؤوب بالتوازي مع مشروعه الفني الخاص.
معرض "الميدان" يجمع المعلومات عن الفنانين وينشر أعمالهم ويوثقها، بالإضافة لإبراز دور الرواد
الكتالوج سيكون مصدرا مهما للباحثين والفنانين

لعل تعريف الثقافة الذي قدمه إدوارد تايلور(1832 - 1917) منذ 150 سنة لا يزال مستخدماً حتى يومنا، والذي يُعرّف الثقافة بأنها "الكل المركب من المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق ... وأي قدرات وعادات  يكتسبها الإنسان" ويرجع الفضل إلى  تايلور في نشأة  الأنثروبولوجيا الثقافية ( Cultural anthropology)‏ إذ يعتقد أن الدراسات التي تبحث في علم وتاريخ الإنسان، يمكن استخدامها لإصلاح المجتمعات، وأن قدرات العقل مُوحّدة عالمياً؛ يعني أن مجتمعا بسيطا من الفلاحين أو الصيادين مثلًا يتمتع بنفس الذكاء الذي يتمتع به المجتمع الصناعي المتقدم، وأن الاختلاف يكمن في التعليم، إذ أن المعرفة التراكمية تحتاج إلى آلاف السنين لاكتسابها.
وبناءً عليه يحق لنا أن نعرف أين تقف الثقافة والحركة التشكيلية العربية الآن بعد انطلاقها في القرن الماضي تحت تأثير الثقافة الغربية ومحاولات الفنان العربي لتحقيق أصالته وتفرده، وبدأ حوار لا ينتهي مع تفاصيل المنجزات العربية من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، في هذه البقعة الساحرة  المليئة بالكنوز، ومورفولوجيا ذات نسيج إبداعي وبنية محكمة، وتكوين متوازن في الشكل والمضمون، ومنظومة بصرية ودلالات ورموز ومفردات في تناسق، وإيقاعات تثير الأمل والدهشة والشعور بالجمال.
وفي ظل مركزية الفن، ورغبة في تسليط الضوء على تجارب جديدة متميزة، ربما لم تحظ بقدر كاف من الدراسة والتحليل، في هذا السياق تأتي المبادرة الثقافية التي قام بها الفنان إبراهيم شلبي الذي استفاد من خبرته في مجال الجرافيك ومن مواقع التواصل وبالتزامن مع أزمة كورونا وعمل علي مشروع معرض الميدان بنشاط وجهد دؤوب بالتوازي مع مشروعه الفني الخاص؛ لجمع المعلومات عن الفنانين ونشر أعمالهم  وتوثيقها، بالإضافة لإبراز دور الرواد. 
إبراهيم شلبي عضو مجلس نقابة التشكيليين وله 14 معرضاً خاصاً، وأكثر من 40 معرضا جماعيا، ومثّل مصر في ڤنزويلا 2009، والدوحة 2010 وإسبانيا 2010 والعراق 2016، وله مقتنيات بمصر وإسبانيا والسعودية، ومنحة تفرغ وزارة الثقافة، وتم تكريمه من جهات عديدة، وأوضح شلبي عن مبادرته ورغبته في عمل كتالوج للفنانين العرب ومعرض إليكتروني ومطبوع بعنوان الميدان.

هدف الميدان 
الهدف من مشروع "الميدان" إثراء الحركة الفنية بنشر أعمال كبار الفنانين والشباب من الشرق والغرب. وإلقاء الضوء على تجاربهم بتحليل ونشر أعمالهم، وتخصيص صفحة لكل فنان مشارك تحتوي على عمله ومواصفاته، والسيرة الذاتية، وتوزيع عدد من النسخ على النقاد والصحفيين والبرامج والمواقع الفنية والمهتمين وراغبي الاقتناء، ويتم نشر الكتالوج بصيغة pdf المُعدّة للطباعة، ولا نية للتربح منه، وعمل فيديوهات وكتالوجات لفنانين من اتجاهات وأساليب وبلدان وأجيال مختلفة بشكل دوري، وكل دورة ستكون باسم أحد رواد الفن التشكيلي كما تم اختيار اسم الفنان محمود سعيد لتسمية الدورة الأولى لمعرض وكتالوج الميدان؛ لتعريف الناس به ولتعرف الأجيال الجديدة أن لديهم فنانين  يفخرون بهم، بعدما لاحظنا أن معظم النقاد والدارسين المصريين والعرب عندما يكتبون نقدا يختارون أحد الفنانين الأجانب، ولا أعلم إذا كان هذا استسهالا؛ لوجود معلومات جاهزة وكل ما سيفعله إعادة  صياغة، أم  ضعف في تقديم نقد موضوعي، أو أنه يرى أن الفنان العربي لا يستحق الكتابة عنه. أياً كانت الأسباب فكلها في صالح بيكاسو وڤان جوخ وغيرهم، كما أنها تربط الشباب بهؤلاء الرواد وقد تقيد من حركتهم في خلق أساليب واتجاهات أو مصطلحات جديدة لأنهم لن يجدوا من يهتم بهم أو يتكلم عنهم لأن عمل الشخص لن يكون له تأثير، ولكنه  سيكون بمثابه إلقاء حجر في الماء الراكد. 
وقد أجد صدى بالمداومة أو بدخول آخرين بالمساهمة معي، وها هي النتيجة جاءت سريعة باستجابة واهتمام بالموضوع وتحمس في الكتابة والمساعدة، فعندما أعلنت عن المبادرة تخيلت أن الاهتمام لن يكون إلا من الفنانين الشباب البادئ فقط لكن على العكس وجدت أعلاما تفضلت بإرسال أعمالهم للمشاركة، وهذا يدل على أنهم يشعرون بالتجاهل، وأنهم لا يتكبرون على طرق الأبواب حتى لو كانت متواضعة؛ لنشر عملهم الفني: ويمكن أن سبب حماستهم للموضوع هو إيقاف الجاليرهات بسبب "كورونا" ولأن النشر على "الفيس بوك" له مشاهدوه الذين قد يتعدون مشاهدي الجاليرهات، ففي كل معرض يقام تجد الحضور يقتصر على الفنان وأصدقائه فقط، وبلد أصل شهرتها وحضارتها من أعمال فنانين "أقصد الآثار الفرعونية فهي كلها كانت من أعمال فنانين أمثالنا لكنهم لاقوا الاهتمام الكبير" ورغم ذلك تهمل فنانيها لدرجة أن أحد لا يعبأ ولا يهتم لا بالفن ولا بالفنانين.
الكتالوج سيكون مصدرا مهما للباحثين والفنانين، وأتمنى لهذه المبادرة الفنية أن تستمر وتصبح موسوعة موثقة لجمع الفنانين وإنتاجاهم، وأن نرى أساليب وطرقا متعددة على مستوى المنتج لتبادل التقنيات والخبرات العلمية والفنية، وتحقيق اللقاءات في الواقع؛ لرفع مستوى الجمال واستمرار الإبداع والبناء الشكلي والابتكار اللوني والتنوع التقني، فلذلك كانت لهذه المبادرة التي عمل عليها إبراهيم شلبي مع بداية العام الجديد؛ كي تكون خطوة نحو المستقبل لها أهمية توثيقية وفنية وتاريخية.
دورة الفنان محمود سعيد  
وقد اختار "الميدان" اسم الفنان محمود سعيد لدورته الأولى؛ وهو فنان رائد ذاع صيته في الداخل والخارج، ويعد أحد مؤسسي المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية، ويمتلك هندسة بنائية وتعبيرية متميزة  حيث تأثر بالفن المصري القديم، والكلاسيكية  الأوروبية في عصر النهضة، ولشهرته الواسعة؛ حرصت المزادات العالمية على عرض أعماله مثل كريستيز وسوثبى، وكان دائم السفر؛ فانتشرت أعماله وتم اقتناؤها في أرجاء العالم، وارتفعت قيمتها نتيجة دخولها البورصة العالمية مبكراً، والعديد من الدراسات ناقشت أعماله بلغات مختلفة، فهو يمثل ثقافة مغايرة عن الثقافة الأوروبية، ويمثل عصر البكارة في فنون الشرق وهذا جانب مفقود في الثقافة الغربية، ورغم أن البناء الفني لمحمود سعيد متأثر بالفنون الكلاسيكية الأوروبية في نهضتها، إلا أن أعماله تحتوي على روح الشرق بما تحويه من تاريخ أسطوري وجغرافيا خاصة، بما فيها من جمال وقوة تعبير عن وهج وألق الشرق، والميدان فكرة ودعوة لإعادة اكتشاف ما حولنا، وإعادة لقراءة أعمال الرواد.