بين قوسي الفرص الضائعة والحروب المحتملة

ليس غريبا على نظام مثل النظام الإيراني، تمرس في تطبيع ثقافة الموت شعبيا أن يستعمل الكارثة الإنسانية لإغراض سياسية.

"إذا لم تُرفع العقوبات الأميركية المفروضة على إيران بتأثير من تداعيات وباء كورونا فإنها لن تُرفع أبدا."

تلك هي وجهة النظر الإيرانية. وهي ما تدفع بالنظام الإيراني إلى العمل بكل ما يملك من أدوات ووسائل للضغط على المجتمع الدولي من أجل أن يقف معه وصولا إلى تحقيق تلك الغاية.

ليس غريبا على نظام، تمرس في تطبيع ثقافة الموت شعبيا أن يستعمل الكارثة الإنسانية لإغراض سياسية. فإيران وهي دولة ثرية لا تحتاج إلى أن تُقدم لها مساعدات من أي طرف باستتثناء الاستشارات العلمية والخبرات الطبية.

لذلك فقد كان أمرا غريبا أن تتقدم بطلب للبنك الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة خمسة مليارات دولار من أجل مواجهة الكارثة.

هي خدعة بائسة أخرى يحاول النظام الإيراني أن يحرج من خلالها المجتمع الدولي رغبة منه في تسجيل هدف إذا ما رفض البنك الدولي تلبية ذلك الطلب أو تلكأ فيه.

فمن غير المؤكد أن إيران كانت جادة في طلبها.

لا لأن علاقتها بالمنظمات الدولية هي ليست بالمستوى الذي يرقى إلى الثقة، حسب بل وأيضا لأن خبراء تلك المنظمات ليسوا سذجا لكي يوافقوا على تقديم قروض لدول ثرية تاركين الدول الفقيرة تتعثر بسوء حظها.

وفي كل مراحل الوباء كانت إيران توظف ما يقع فيها من أحداث مأساوية على المستوى الإنساني لأغراض سياسية، كما لو أنها الدولة المعنية الأولى بالمؤامرة التي تقف وراء ظهور الفيروس.

ولهذا بدت إيران مستعدة لخوض حرب في اتجاهين. حرب ضد فيروس كورونا وأخرى ضد الولايات المتحدة. وفي الحربين اجتهدت وانساقت كعادتها وراء تقديرات خاطئة. بمعنى أنها لم تكن صادقة مع نفسها ومع العالم.

فحربها ضد الفيروس اللعين أدت إلى انتشاره لا في داخلها حسب بل وأيضا في البلدان التي شاء لها حظها السيء أن تقع تحت هيمنة الميليشيات التابعة للحرس الثوري.

اما حربها على الولايات المتحدة فهي حرب بالوكالة أي أن ميليشياتها تحارب بدلا منها على أراض ليست إيرانية. ولكن العدو هو الآخر قد جرى استبداله بعدو، لا علاقة له أصلا بالصراع بحجة الاضرار بالمصالح الأميركية.    

الأسلوب الإيراني في الحالين يهدف إلى الحاق أكبر ضرر ممكن بدول المنطقة من أجل دفع تلك الدول إلى القبول بالمشروع التوسعي الإيراني باعتباره واقع حال.

تلك نظرية صار النظام الإيراني يشعر بأنه لن يتمكن من اثباتها واقعيا.

فحربه على كورونا وإن أدت إلى سقوط الاف الضحايا من الإيرانيين غير أنها لم تفتح أبواب البنك الدولي ولم تؤد إلى التخفيف من العقوبات الأميركية.

اما حربه المحتملة على المصالح الأميركية في المنطقة فإنها صارت تجري على خرائط مكتشفة. وهي لن تؤدي إذا ما وقعت إلى اشعال المنطقة مثلما يحلم.

كان في إمكان النظام الإيراني أن يعتبر انتشار وباء كورونا عالميا فرصة لإعادة علاقته بالعالم بشكل صحيح. كان العرض الأميركي كريما في تقديم مساعدة طبية غير أن خامنئي اعتبر ذلك العرض جزءا من مؤامرة متخيلة.

اما طلب قرض من البنك الدولي فإنه أشبه بالنكتة الغبية.

إيران دولة ثرية. ذلك ما لا يناقش. وهي تستعمل ثرواتها في برامج تطوير قدراتها التسليحية. ذلك أمر معروف. اضافة إلى أنها تمول بالمال والسلاح ميليشيات مسلحة في الدول العربية التي وقعت تحت هيمنتها. لا يحتاج ذلك إلى برهان. غير أن إيران تعمل وبشكل سري على تمويل تنظيمات وحركات في آسيا وأفريقيا وأوروبا تعمل على الدفاع عن مشروع إيران التوسعي الذي يحمل عنوانا طائفيا.

لا يُعقل أن يضع البنك الدولي أمواله في خدمة ذلك المشروع، غير أن الغباء الإيراني كان دافعا قويا في حمى كورونا.