بي بي المؤثر الغامض الأقرب إلى الرئيس والمتواري عن الجزائريين

بوعلام بوعلام يتمتع بنفوذ واسع في صنع القرار الجزائري ويمثل نسخة جديدة من الشخصيات الأسطورية المراد لها البقاء في الظل.
لا معلومات شافية أو كافية حول الرجل الذي يتحكم بمصير الجزائريين
النظام الجزائري يظل يربي في أحضانه هكذا أساليب وطرق مظلمة في الحكم

لا يتمالك أي شخص على دراية بكواليس النظام الجزائري وكيف تتخذ القرارات وتنفذ فورا، بالإشارة همسا إلى رجل يكاد يكون مختفيا ومتواريا ومأسورا وغامضا، يقبع في سرايا القصر الرئاسي، التقطه صديقه الرئيس عبدالمجيد تبون، وضمه إلى بطانته الضيقة، والذين لا يتعدى عددهم الأربعة مستشارين يفتون في القضايا الكبرى، ويعاد عندهم النظر في قوائم المسؤولين المرشحين للمناصب العليا في الدولة، (وقد حكى لي أحد الموعودين لمنصب أن أحد هؤلاء كان السبب في رفض ملفه ليس بسبب كفاءته بل لسبب شخصي قديم بينه وبين أحد هؤلاء المستشارين)، وضعه تبون في قلب القرار ينصت إليه في خلوة، ويعود إليه في كل صغيرة وكبيرة، شاردة وواردة. رد إليه الجميل كما يقول البعض، فهو من القلائل الذين أبقوا على خيط الربط والتواصل والسؤال عندما عزل تبون في لحظة غضب اشتعلت نيرانها من محيط الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ولفحته، وعندما نقول محيط الرئيس فنعني به الأولغارشيا المتنفذة في قلب النظام السابق التي قادت البلاد وفق حسابات مبهمة وتفاهمات بين أجنحته، صفي فيه من صفي وعاد فيه من عاد.
لا يستفيض موقع الرئاسة الجزائرية في عرض واف عن سيرة ومهام السيد بوعلام بوعلام، ففي أسطر لا تتعدى الثلاثة، نقرأ التالي: "مستشار مكلّف بالشؤون القانونية والقضائية، ومتابعة مشاريع القوانين والمراسيم الرئاسية، متابعة القضايا الخاصة، والإشراف على التحقيقات التأهيلية لإطارات الدولة". يحتاط من كتب هذه الأسطر في الذهاب لأبعد من هذا، وكأنه تعمد فعل ذلك أو أعطيت له أوامر عليا بذلك. فمثل هؤلاء الرجال يحب أن يظلوا مبهمين وغامضين، ومخفيين، وأي محاولة لكسر هذه الهالة وإختراقها ستبقى في حكم التكهنات والتخمينات.

شوكة بوعلام  قويت وتعاظمت حتى أحكم قبضته على القصر خلال مرض الرئيس تبون وطوال فترة علاجه في ألمانيا
 

كلما ظهر بوعلام بوعلام في وسائل الإعلام إلا وبدا متجهم غير بشوش ولا يبتسم رغم أنه كما يقول البعض، صاحب نكتة لا يمل في المجالس والمجاميع الخاصة وجلسات الأنس مع الأصدقاء والأحباب. قلق، أو شارد الفكر، أو ضائع في مهب شيء ما، ومن المحتمل أنه لا يفكر في أي شيء، وإن أظهرته اللقطات في حالة تركيز إلا أنه تركيز مغلف ومنمط من أجل الصورة لا غير، وفي آخر لقطة له أثناء تكريم بعض قيادات الجيش ظهر وهو يدور إصبع على إصبع وهي حركة تدل من الناحية السيكولوجية على حالة توتر ورغبة مكبوتة لمغادرة المكان بأسرع وقت ممكن. فما الذي يقلق السيد بوعلام بوعلام؟
استهلك بوعلام بوعلام جزءا كبيرا من حياته في القضاء نائبا عاما وقاضيا في الغرب الجزائري، ويقال أنه مر على محاكم تيزي وزو، مكث فيها فترة قصيرة، قبل أن يتم انتخابه عضوا في المحكمة العليا، وكلف بإحدى المهمات الإدارية والتشريعية في لجان مراقبة الإنتخابات الرئاسية التي جرت في كافة مراحل ترؤس بوتفليقة للبلاد، وقد كان له ضمن هذه اللجان جولات متعددة خارج الجزائر أبرزها الولايات المتحدة الأميركية.
كانت هذه الفرص بمثابة القاطرة التي شق بها بوعلام بوعلام الطريق نحو جهات عليا في النظام وتقرب من أبرز رجاله، ونسج خيوط متينة داخل أروقة السرايا والحكم، ونال ثقة مطلقة هناك جرته إلى رئاسة الوكالة الوطنية الجزائرية لمكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (2014 / 2015)، والتي كانت تحت إشراف وزارة العدل قبل أن تحول إلى وزارة الدفاع، هناك فاضت بين يديه أنهر من المكالمات عامة وخاصة مجهولة المصدر ومعلومة، عابرة، تسجل، ويتم تصنيفها حسب درجة أهميتها وخطورتها وحتى عاديتها.
ما سمعه بوعلام بوعلام أو "بي بي-B.B" كما يطلق عليه تحببا أو تزلفا أو حتى تحفظا أو تورية ومواربة، أو فقط كي لا يلفظ باسمه كاملا، قلت ما سمعه وما عرفه على مدار جلوسه على كرسي الوكالة كفيل بأن يجعل منه رجل خطير ومقلق  للكثيرين من الدوائر ولأولئك الذين هم في المناصب ودواليب الدولة. فطوال هذه المدة طوق بيديه خفايا وأسرارا بلغت عنان السماء. وبالنظر لكمّها الهائل الخرافي والنوعي مما لا يمكن لعقل أو آلة أن تستوعبه مثلما يروج له عبر الكثير من القنوات على وسائل التواصل الإجتماعي، فبمقدور بوعلام بوعلام وهو في مكانه الآن أن لا يرعب فقط الإنس بل الجن أيضا.

بوعلام يكمل مسيرة بن طوبال وبوصوف وكريم بلقاسم أو من يعرفون في الأدبيات السياسية بالباءات الثلاث 

كان السعيد بوتفليقة في السنوات الأخيرة وبالتحديد عندما أعتل أخوه الراحل عبدالعزيز هو الذروة الخفية لصنع القرار وإتخاذه داخل السلطة وخارجها. لا يُرى إلا في مناسبات قليلة، وما على الذين يريدون رؤيته إلا ترقب موت شخصية عامة أو مسؤول كبير كي يجده في المقابر. جلّ صوره ملتقطة هناك بين الحشود أو مع مقربيه وفي مرات مع مواطنين بسطاء، ولعل أشهر صورة ما زالت راسخة هي تلك التي نظر فيها نظرة شزرة إلى تبون وكان حينذاك رئيسا للحكومة بعدها تمت إقالته في ظروف مأساوية ما زال رجع صداها يسمع في خفوت داخل أذن الجميع.
قويت شوكة بوعلام بوعلام وتعاظمت في فترة مرض الرئيس تبون، وطوال فترة علاجه في ألمانيا أحكم قبضته على القصر، فوض له صلاحيات غامضة، وأصبح بمثابة ذروة مكررة عن السعيد بوتفليقة، وإن لم تقترب المعلومات عما فعله بشكل أوضح إلا أن الكثير من الألسن المبلبلة كانت تشير إلى انبساط نفوذه بشكل كبير، فعند عتبات بابه تقف الوفود والجموع وترن هواتفه تأتيه من لدن الكل عسكرا وساسة ووزراء ومسؤولين.
هاتان صورتان مقربتان لظاهرة تكاد تكون فريدة في سيرورة النظام الجزائري منذ نشأته. وجود مخفي ومؤثر لأشخاص يقتربون من التحول إلى خرافات وأساطير وحتى آلهة، يستمدون سلطتهم من الزوايا الضيقة والعتمات والظلال ومن خلف الحجب، بدأت مع بن طوبال وبوصوف وكريم بلقاسم أو من يعرفون في الأدبيات السياسية بالباءات الثلاث (وهي نفسها بالمصادفة حروف لقب واسم بوعلام بوعلام)، حيث سيطروا على الثورة ومخرجاتها، وتشخصنت مع الرئيس هواري بومدين فقد كان الكل في الكل لا يضاهيه أحد ولا يشرك في حكمه أحدا، وتفسخت في فترة الرئيس الشاذلي بن جديد وأدت إلى تضعضع مؤسسات الدولة وتداخلها خاصة عند المؤسسة العسكرية، وتراجعت إلى الخلف في عهد بوتفليقة حيث أمضى فترة لا بأس بها من حكمه في تطويع كل شيء بين يديه وتحت نظره بعد سلسلة من التطاحنات والصراعات وقعت بينه وبين ظلال وشبح الفريق توفيق رئيس جهاز المخابرات آنذاك.
ومثلما شاعت سردية السعيد وحضرت على كل لسان وفي كل محفل ومأدبة وتجمع سري وعلني حتى تسطحت ودخلت إلى فضاء المسخرة والنكتة والعبث والبهتان والقيل والقال، حيث تردد كلام كثير عن تجوال ختم الرئيس في محفظته وجيب جاكيتته، وهو كلام سمج غير معقول تماما رُوج بقوة وكأن البلاد لا تملك من يقف في وجه السعيد ليترك لوحده يفعل الأفاعيل والأباطيل وهم يتفرجون عليه من عساكر وعقلاء ومجاهدين كبار مسموع كلامهم وحتى من عائلته. قلت مثلما شاعت سردية السعيد ها هي يراد لها أن تعود في قالب جديد إسمه بوعلام بوعلام.

ظاهرة خلخلت مؤسسات وهيئات وأضعفتها بل حفرت عميقا في بنية الدولة 

يندر أن تجد اليوم في الكثير من الأوساط من لا يتكلم أو لا يريد الوصول إلى بوعلام بوعلام، يبقى أن تجد الشيفرة لذلك، ويميل بعض من يقال أنهم معارضون خاصة الذين هم في الخارج إلى اختراع عوالم خاصة بالشخص وشحن صوره بقدرات خارقة يصنع بها الأمر والقرار وينفذ حتى ولو كان هذا دون سند أو مرجعية أو إطار قانوني.
يظل النظام الجزائري يربي في أحضانه هكذا أساليب وطرق مظلمة في الحكم، ويــُــبــقي هذه السنن ثابتة ومقدسة لا تمس، فعبر كل مراحل بناء الدولة الجزائرية وجد هؤلاء، وحشروا ضمن دائرة الغموض والتخفي مع أن من حق أي مواطن معرفة من يحكمه ومن يقرر باسمه وما هي مؤهلاته ومساره بكل شفافية ووضوح لأن مصيره مرتبط بهؤلاء الذين هم في أعلى المناصب يقررون مستقبله وما سيكون عليه.
لن يكون بوعلام بوعلام الأخير ولا الوحيد الذي يمتاز بهذا الصفة، هناك آخرون يحضرون في مواقع متنوعة، يحكمون من خلف الستار ولا يعرف أحد إن كانوا موجودين فعلا، وثبت مع الوقت أنها ظاهرة خلخلت مؤسسات وهيئات وأضعفتها بل حفرت عميقا في بنية الدولة وأحدثت فيها شروخات وثقوبا. ظاهرة أضرت أكثر مما نفعت، وليس أدل على ذلك عديد الأخطاء والعقبات والأعطاب والأحكام التي نسمعها ونتلمسها تحدث وتظهر للعيان بين الحين والآخر.   
أثناء كتابة هذا المقال لم نكن نملك أي معلومة شافية كافية عن الرجل. نتف من معلومات تسقط من هنا وهناك، وأخرى شحيحة مبثوثة في النت لا تتعدى بضعة أسطر لا تفي لرسم صورة حقيقية عنه لنتعرف عليه أكثر، ونعرف لماذا أصبح يثير الأسئلة الشائكة في رأس الكثيرين حيث هو في موقع هام ومؤثر في صنع قرار الجزائر الجديدة التي يبشر بها الرئيس تبون.. تلك الجزائر التي تحلم بالقطع مع عهود الغموض في التسيير والتي ستخرج إلى الضوء، تخرج رجالها للمسرح الواسع لحياة المجتمع الجزائري تنضم إليه دون تعال أو تطل عليه من شرفات عالية أو من خلف الستائر.