تجمعات سنوية سياسية باتت تؤثر سلبا على النظام الإيراني
باريس - بعد أن کان النظام الإيراني وإلى أعوام خلت لا يکترث للنشاطات السياسية التي يقوم بها المعارضون له وبشکل خاص في البلدان الغربية ويتصرف وکأنها لا تعنيه، ظهر واضحا أنه لم يعد بإمکانه الاستمرار في عدم الاکتراث هذا لاسيما بعد أن باتت هذه النشاطات تتخذ أنماطا وأبعادا من الصعب عليه تجاهلها وعدم الاهتمام بها وأخذها على محمل الجد.
معارضة عنيدة ونظام يعتبر من يعارضه يحارب الله!
يصر النظام الإيراني على أنه نظام سياسي ديمقراطي ليس مقبول فقط من شعبه وإنما يٶيده ويقف خلفه إلى النهاية ولأن هذا النظام يحکم وفق نظرية فقهية تجعل من مرشده الأعلى بمثابة الحاکم بأمر الله، فإنه يعتبر کل من يقف بوجهه ويعارضه محاربا ضد الله ويجب قتله!
ومع الأخذ في الاعتبار أن النظام الإيراني وبسبب حکمه الثيوقراطي وممارسته للقمع المفرط في مواجهة أية نشاطات معارضة له في الداخل فقد بنى ما يمکن أن نصفه بجدار خوف رهيب لا يمکن الاستخفاف به خصوصا إذا ما علمنا بأن إيران قد أصبحت في ظل هذا الحکم في صدارة دول العالم من حيث تنفيذها لأحکام الاعدامات.
وحتى عندما حدثت أحداث وتطورات ما سمي بالربيع العربي، فإنه لم يحدث أية تأثيرات وتداعيات له على الأوضاع في إيران لاسيما عندما سعى النظام الإيراني لرکوب الموجة والعمل من أجل جعلها تحت تأثيره کما ظهر ذلك واضحا في مصر أيام حکم الرئيس السابق محمد مرسي.
لکن منذ عام 2004 ومع شروع المجلس الوطني للمقاومة الايرانية (الجناح السياسي لمنظمة مجاهدي خلق)، بعقد اجتماعات سنوية سماها "التجمع السنوي للتضامن مع نضال الشعب الايراني من أجل الحرية"، يقوم بعقدها في نهاية شهر يونيو وبداية شهر يوليو من کل عام وحرص على أن يحضرها جمع کبير من أبناء الجالية الإيرانية من مختلف دول العالم إلى جانب شخصيات سياسية أميرکية وأوروبية وکذلك عربية وإسلامية.
وتطورت هذه التجمعات وبشکل مضطرد لاسيما خلال الأعوام 2015 و2016 و2017، إلى حد أن تمکن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في تجمع عام 2018، من حشد عشرات الالاف من أبناء الجالية الإيرانية في قاعة فيلبانات في باريس والى إحضار ما يقارب من 1000 شخصية سياسية عالمية کان من بينهم الأمير ترکي الفيصل ووفد برلماني مصري ضم ملفتا للنظر إلى جانب وفد برلماني أردني وفلسطيني بنفس المستوى، ما أجبر النظام الإيراني أن يخرج عن طوره ويبادر رسميا وعلى مستوى رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ممارسة الضغط على فرنسا من أجل عدم عقد هذا التجمع!
من إغتيال قاسملو الى السعي لتفجير قاعة فليبانات
بعد أن قام النظام الإيراني بتنفيذ سلسلة عمليات اغتيال سياسي طالت السکرتير العام للحزب الديمقراطي الکردستاني الإيراني عبدالرحمن قاسملو ومن بعده أيضا السکرتير الذي أعقبه وهو سعيد شرفکندي، ثم کاظم رجوي ممثل المقاومة الإيرانية في جنيف، فإن الاتحاد الأوروبي وافق ضمنيا على إيقاف الإجراءات القانونية بخصوص هذه القضايا في مقابل تعهد ضمني من جانب طهران بالتوقف عن هکذا نشاطات.
لکن إلقاء القبض على أسد الله أسدي السکرتير الثالث في السفارة الإيرانية بالنمسا متلبسا بالجريمة في عندما تمکنت المخابرات البلجيکية والألمانية والفرنسية في عملية مشترکة من کشف مخطط يهدف إلى تفجير قاعة فيلبانات عشية عقد التجمع السنوي في العام 2018، تقوم بتنفيذها خلية إرهابية يقودها أسدي، قد وضع النظام في موقف حرج جدا أمام الاتحاد الأوروبي خصوصا وأمام العالم عموما ولاسيما بعد المحاکمة المثيرة للجدل.
تجمع عام 2020 وفشل رئيسي في إبطاله
في عام 2020، أجرى إبراهيم رئيسي اتصالا هاتفيا مع الرئيس الفرنسي امانويل ماکرون إستغرقت وقتها وکما أشارت وکالات الأنباء إلى ذلك زهاء 90 دقيقة وطلب منه العمل على عدم السماح للمقاومة الإيرانية بالقيام بتظاهرات ضخمة في باريس في نهاية يونيو وفعلا فقد قامت الحکومة الفرنسية بحظر تلك التظاهرة ومنع التجمع، لکن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لجأ للقضاء الذي أصدر حکما قضائيا أبطل فيه قرار الحکومة.
تجمع 2024 المتزامن مع انتخابات الرئاسة الإيرانية
في الوقت الذي عانى فيه النظام الإيراني کثيرا من جراء مصرع إبراهيم رئيسي الذي حدث في فترة حرجة، فإنه سعى من خلال الانتخابات الرئاسية لاختيار خلف له بما يوحي بأن الشعب يقف مع النظام وذلك بحث وتحفيز الشعب للمشارکة فيه واعتبار ذلك واجبا شرعيا ووطنيا، فقد تجمع الالاف من الإيرانيين المعارضين للنظام في العاصمة الألمانية برلين في يوم التاسع والعشرين من يونيو2024، وهم يهتفون بشعارات معادية للنظام وتطالب بالجمهورية الديمقراطية.
وتزامنا مع هذه التظاهرات فقد تم عقد الجلسة الأولى للتجمع السنوي في باريس بحضور مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إلى جانب عدد کبير من الشخصيات السياسية الغربية في مقدمتهم مايك بنس نائب الرئيس الأميرکي السابق ومايك بومبيو وزير الخارجية السابق ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون ورئيس وزراء کندا السابق.
ميزة تجمع 2024 عن التجمعات السابقة
في إجابة له على سٶال بخصوص تميز تجمع 2024، للمقاومة الإيرانية عن تجمعات الأعوام السابقة، أوضح محمد محدثين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أن النظام الإيراني يواجه ظروفا وأوضاعا بالغة التأزم فهو من ناحية يزداد تورطا في الحرب التي أشعلها في غزة ومن ناحية أخرى فإن مصرع رئيسي وهذه الانتخابات التي واجهت مقاطعة شعبية کبيرة، جعلته يتلقى ضربة مؤلمة.
وقال محدثين "في تقديراتنا فإن نسبة المشارکة كانت 12 في المئة في وقت اضطر النظام فيه للاعتراف بأن نسبة المشارکة کانت 39 في المئة وهي أدنى مشارکة شعبية وتدل على الرفض الشعبي للنظام"، مضيفا أن "فشل الانتخابات وإحجام الشعب عن المشارکة فيها قابله حضور الالاف من الإيرانيين للمشارکة في تظاهرة برلين".
ولفت أيضا إلى أن تجمع هذه السنة شهد حضور عدد کبير من الشخصيات السياسية وکذلك إعلان 4000 برلماني من مختلف دول العالم عن تضامنهم مع النضال الذي يخوضه الشعب الإيراني من أجل الحرية.
ثلاث جلسات للتجمع 2024
تم عقد ثلاث جلسات في مقر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في أوفير سور اوفاز بباريس وکان من ضمن الحضور إلى جانب مريم رجوي، مايك بنس ومايك بومبيو وليز تروس وجون بولتون.
وقالت مريم رجوي في کلمتها في الجلسة الأولى "الانتخابات المزيفة هي نتيجة المأزق والإخفاقات الكبيرة التي حلت بالنظام الإيراني، لأن الشعب الإيراني أعلن مرارا وتكرارا بوضوح أن تصويتنا هو لإسقاط النظام، لا مكان للانتخابات في هذا النظام، حان وقت الثورة".
وقال مايك بنس في کلمته وهو يشير إلى موت رئيسي "إننا نجتمع في وقت بالغ الأهمية في أعقاب أحداث بالغة الأهمية. أنا لا أفرح بموت أي إنسان، لكن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي تجعل المستقبل أكثر إشراقا، والعالم أكثر أمانا الآن بعد أن دخل مثل هذا الرجل الشرير التاريخ".

وأضاف"نادرا ما أحتاج إلى إخبار أي شخص هنا أو أولئك الذين ينظرون إلى رئيسي بأنه كان قاتلا جماعيا. كان من المفهوم على نطاق واسع أن تعيينه رئيسا في عام 2021 كان علامة على إحباط النظام المتزايد من عدم قدرته على قمع المعارضة داخل حدوده. كانت وظيفته الأولى هي إسكات المقاومة". وتابع "بفضلكم جميعا، فشل رئيسي لأن المقاومة أقوى من أي وقت مضى.. يعرف الشعب الإيراني أن الانتخابات كانت خدعة. إنهم يعلمون أنه لن يكون لديهم خيار حقيقي في ظل النظام الحالي ولم يكونوا على استعداد للمشاركة في تمثيلية تهدف فقط إلى إضفاء الشرعية على النظام في نظر العالم الخارجي". وقال أيضا "هذا الكثير نعرفه على وجه اليقين. أيا كان الرئيس الجديد لإيران، فإنه سيرث نظاما أضعف وأقل استقرارا وأكثر عرضة للانهيار من أي وقت مضى في التاريخ. لن يذهب النظام بهدوء إلى الليل من تلقاء نفسه. هذا هو السبب في أن المقاومة المختبرة والمنظمة والمثبتة هي وحدها التي يمكن أن تحدث تغييرا دائما".
واعتبر أنها "حركة يمكن أن تلهم الناس لاتخاذ إجراءات ولها تاريخ في الوقوف في وجه النظام. حركة مستعدة للتضحية ودفع الثمن اللازم من أجل الحرية. والخبر السار هو أن مثل هذه الحركة موجودة. تلك الحركة هي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية".
أما وزير الخارجية الأميركي الأسبق مايك بومبيو فقد قال في کلمته "لقد رأيت خلال فترة وجودي في المنصب أن التراخي في المواقف وتقليص الردع يؤدي إلى معاناة الشعب الإيراني ولا يمكننا السماح بذلك أبدا. أنا واثق من أن الشعب الإيراني، كما نفهم جميعا في هذه القاعة اليوم، يدرك أهمية المقاومة، وأنها ستنجح في تحقيق مستقبل مشرق حيث ستنضم إيران مرة أخرى إلى الدول المسالمة وتحترم كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية".
وتابع "لقد شهد العالم بأسره هذه الوحشية وللأسف اعتبرها الكثيرون أمرا مفروغا منه واعتقدوا أن إعطاء النظام المال أو التعامل التجاري معه سيغيره. تثبت ذاكرته أن هذا زائف، ويجب أن ترسل ذاكرته إلى أحلك فصول تاريخ البشرية".
وخلص إلى القول "الشعب الإيراني يستحق أن يقرر مستقبله بنفسه ويحتاج إلى دعمنا جميعا. لم يفت الأوان بعد للانضمام إلى الجهود الرامية إلى مساعدة الشعب الإيراني على الإطاحة بهذا النظام غير الشرعي".
حضور عربي أقل من متواضع في تجمع 2024
بعد أن کانت التجمعات السابقة تشهد حضورا عربيا مميزا بلغ ذروته عام 2018، كان في هذه السنة أقل بکثير من المتواضع إذ لم يتعدى سوى عدة شخصيات سياسية من الأردن واليمن وفلسطين وسوريا.
وألقت ثلاث شخصيات عربية کلماتها أمام التجمع کان أبرزها کلمة الدکتور برکات عوجان وزير الثقافة الأردني السابق وأمين عام حزب البناء الوطني الأردني، حيث انتقد کلمات الشخصيات الغربية التي کانت تشير إلى الدور والنشاط السلبي التدميري للنظام الإيراني من دون الإشارة إلى الجرائم والمجازر التي تقوم بها إسرائيل. وقال نحن في الوقت الذي ندين ونفضح فيه ما يقوم به النظام الإيراني فلا يجب علينا أن نغض النظر عن جرائم ومجازر إسرائيل.