تحديات أميركية

من المبكر كتابة تأبين للولايات المتحدة ودورها في العالم.

ثمة تحديات كثيرة واجهت الولايات المتحدة مؤخرا تتعلق بمجمل النظام السياسي الداخلي، امتدادا الى مستقبل القيادة الأميركية للنظام العلمي القائم، وفي واقع الأمر، لم يكن متوقعا حجم التداعيات التي تركها كوفيد 19 على مختلف الحياة السياسية والاقتصادية والصحية، وصولا الى طرح أسئلة تتعلق باستمرار الكيان، وإمكانية ذهاب الأمور الى الأسوأ كانهيار المؤسسات وتفكك الدولة الفدرالية.

لا شك ان حجم الأزمة الوبائية غير المسبوقة وما نتج عنها، كشف حجم أزمة النظام الرأسمالي في التعاطي مع القضايا الكبرى ذات الصلة بالتقديمات والرعايات الاجتماعية وبخاصة الصحية، والذي يعتبر بحد ذاته أزمة واجهها الرئيس دونالد ترامب في بدء ولايته، بحيث أتت الأزمة لتظهر عمق المشاكل التي تواجهها السياسات الصحية وكيفية التعامل معها، حتى ان العديد من الانتقادات التي أثيرت حول أصل الأزمة وسبل التعاطي معها، حيث برزت النزعة الاستغلالية لدى شركت الادوية الكبرى وكيفية تحكمها بالتجارب للقاحات التي يعمل عليها. اضافة الى ذلك الاتهامات الواضحة لإدارة الرئيس ترامب لجهة التعامل بخفة مع الوباء واعتباره فيروسا عاديا.

كما ان انهيار أسعار النفط الخام والخسائر الاقتصادية الناجمة عن الحجر الصحي وتوقف الحياة الاقتصادية الداخلية والخارجية، كل ذلك أدى الى موجة ارباك إضافية في اتخاذ القرارات الفعالة لمواجهة الأزمة، في وقت بدأت حالات التفلت الاجتماعي في الظهور لجهة حالات النهب والسرقة والقتل والظهور المسلح، وكأن علامات تفكك بنى النظام قد اخذت طريقها وبدأت تفعل فعلها في النظام ككل.

في العقل الباطني للكثير من المفكرين والمتابعين ربطوا التحديات الأميركية بما سبق ومرَّ به الاتحاد السوفياتي وصولا الى التفكك والانهيار، ثمة بعض الوقائع تنحو الى ذلك السيناريو، لكن التدقيق اكثر يظهر ان النظام السياسي الأميركي وان بدا هشا في هذه الازمة الوبائية، الا انه يملك من أدوات ووسائل الاستمرار والحماية الذاتية ما يمكنه من إعادة التموضع في الأماكن المناسبة لإعادة الانطلاق ولو بدا الامر صعبا وتشوبه الكثير من عوامل الثقة. صحيح ان الازمة الحالية مختلفة موضوعيا عن ازمة 2008، الا انها تتشارك واياها في مستوى التداعيات المالية والاقتصادية ان لم تكن اكبر، علاوة على ان طبيعة الازمة الحالية هي ازمة ممتدة ومن الصعب تصوّر حدود لها.

ان التداعيات الداخلية وحجمها، جعل أسئلة أخرى تطرح حول قدرة الولايات المتحدة على الاستمرار في قيادة النظام العالمي، بخاصة ان السلوكيات الأميركية في التعاطي مع حلفائها وغيرهم، اثبت البرغماتية المفرطة التي تتعامل واشنطن بها مع حلفائها القريبين والبعيدين. وهو مؤشر واضح على ضعف القيادة الأميركية في اتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب، وهو امر بات ملفتا في ادارة ترامب الحالية.

ورغم ذلك، لا يعني ان الولايات المتحدة ذاهبة بنفسها للتخلي عن القيادة الريادية للنظام العالمي، وان بدا ان ثمة منافسين فعليين لها، وان لم يخرجوا من عباءتها السياسية، رغم التوتر الظاهر في مواجهة ومعالجة بعض القضايا المشتركة. الا انه لا يمكن انكار المنافسة الجادة والخطرة مع بعض اللاعبين الآخرين كالصين وروسيا كمثالين واقعيين حاليا.

كما ن الأمر لا يقتصر فقط على الجوانب المادية، بل يمتد أيضا الى شبكة الحماية الفكرية الأيديولوجية للنظام السياسي الأميركي القائم على قاعدة الليبرالية الجديدة، وهو فكر طري العود جدد شبابه في العقد الأخير. وفي حقيقة الأمر من الصعب تخيل نظام سياسي لا يستند الى خلفية فكرية وهو تحدِ إضافي للنظام المؤسساتي الأميركي عليه اثباته مع كل انعطافه يمر بها وبخاصة في الأزمة الحالية.

ربما لم تمر الولايات المتحدة بأزمة كبرى كالتي تمر بها اليوم، وهي تستدعي البحث عن أجوبة لتحديات كبرى داخلية وخارجية، سيما وأن العالم يمر في ظروف غير مسبوقة وهو على عتبة تشكيل الكثير من المظاهر الدولية والعالمية الجديدتين.