تداعيات اغتيال اللواء سليماني

إن تمَّ ضبط التصعيد بضربات محددة النتائج ومقبولة لدى الطرفين، فيعني أن مجمل عملية الاغتيال ستؤدي إلى فتح آفاق جديدة لمراحل تسووية في المنطقة.

من الصعب اعتبار ما أقدمت عليه الولايات المتحدة من اغتيال حدثا عارضا يمكن تجاوزه قياسا على عمليات أمنية أو عسكرية سابقة، وما يعزز ذلك اعتبار طهران أن واشنطن ارتكبت خطأ استراتيجيا مميتا في غرب آسيا، وبالتالي إن إيران سوف ترد كما أعلنت في الزمان والمكان المناسبين بالنسبة إليها. وعليه ما هو حجم الرد وكيفيته وما هي السيناريوهات المحتملة وما هي تداعياته إقليميا ودوليا؟

في المبدأ رغم فداحة الهدف المنفذ، إلا أن الاستناد إلى السوابق في ارتفاع منسوب التصعيد الإيراني الأميركي، يشي بلجوء الطرفين إلى سياسة حفة الهاوية في إدارة الأزمات الثنائية أو المتعددة الطرف في المنطقة. ورغم ذلك ستحاول طهران الرد بمستوى عالٍ، لكن دون طابع استفزازي كبير يجبر واشنطن على توسيع الرد أيضا، وبالتالي سيكون الرد مدروسا بعناية، وهو أمر يناسب الطرفين مبدئيا؛ فطهران ليست من مصلحتها الدخول بمواجهات إقليمية واسعة تؤدي إلى حرب إقليمية كبرى في ظل عقوبات اقتصادية قاسية، وفي وقت تمتلك أدوات ووسائل تقيها خيار الحرب المباشرة وتداعياته، وهي وسائل مجربة واتت بنتائج يعتد بها إقليميا.كما يبدو الأمر متطابقا مع واشنطن فهي تمتلك أدوات ووسائل مؤثرة بشكل وازن في بعض الدول التي تعتبرها طهران دولا ضمن محورها السياسي كاليمن والعراق وسوريا ولبنان، وقد لعبت هذه الورقة مؤخرا عبر دعم الحراك في كل من لبنان والعراق مثلا، وتشكيل بيئة ضاغطة على الفئات المعادية لواشنطن، وبالتالي لقد استفاد الطرفان من هذه المعادلة ولفترات زمنية طويلة نسبيا وتمكنا من جني مكاسب يُعتد بها.

إلا إن الدخول الإسرائيلي مثلا على خط التصعيد الأميركي الإيراني أعطاه بعض الصور غير القابلة للضبط أحيانا، بل عمدت تل أبيب في كثير من الأحيان على تأجيج الظروف المحيطة بهدف توجيه ضربات عسكرية مباشرة ضد إيران إن لم يكن القيام بها، وهذا ما ستحاول دعمه مبدئيا في الأزمة الحالية.

إن الخروج عن هذه السياقات المعتادة، يعني أن ثمة تحوّلات كبرى من شأنها إعادة رسم معادلات جديدة، تنتج قواعد اشتباك لطالما حاولت واشنطن وتل أبيب تكريسها عبر عمليات أمنية أو عسكرية في الساحتين السورية والعراقية ومحاولة مدّها إلى لبنان في فترات سابقة، وهو أمر لطالما تمت مواجهته وعدم القبول به بسهولة ودون إجراء عمليات مقايضة في ملفات ذات صلة بينها.

وفي العودة إلى الصور المحتملة، فإن تمَّ ضبط التصعيد بضربات محددة النتائج ومقبولة لدى الطرفين، فيعني أن مجمل عملية الاغتيال ستؤدي إلى فتح آفاق جديدة لمراحل تسووية في المنطقة، وبذلك تكون بمثابة انتقال من وضع إلى وضع آخر. وإما إن تكون الردود العسكرية المتبادلة من النوع المفتوح والتي يمكن أن تصل إلى حرب إقليمية واسعة وعندها ستكون النتائج كارثية إقليميا وستمتد بطبيعة الأمر دوليا بحكم التحالفات القائمة أو ما يمكن أن ينتج عن تحالفات مستقبلية.

ثمة وقائع ثابتة في المشهد الإيراني الإقليمي والدولي، مفادها أن طهران لم تنتصر في أي حرب دخلت فيها، لكنها في المقابل لم تخسر أي مفاوضات قامت بها. لذا هي ميالة لسلوك خيار التفاوض في إثناء وضع الإصبع على الزناد، وهو رد الفعل الأول الذي اعتمدته، الاجتماع الأول كان في وزارة الخارجية الايرانية لتدارس الخيارات الدبلوماسية والذي تم فيه رفض عدة وساطات لعدم الرد، أعقبه اجتماع لمجلس الأمن القومي الإيراني الذي رفع منسوب الرد، وفي كلتا الحالتين ثمة ما يُقرأ بين السطور، ثمة رد لن يكون عاديا ويتناسب مع حجم الاغتيال، إلا انه لن يكون في المستوى الذي يستفز الطرف الآخر، إلا إذا تمكنت إسرائيل من الدخول إلى قلب صنع القرار بإعلان الحرب وهو ما حاولت مرارا وتكرارا القيام به سابقا. فإسرائيل من مصلحتها التصعيد رغم الخوف والتوجس، فيما إدارة الرئيس دونالد ترامب تترقب بحذر وخوف شديدين تداعيات الاغتيال على انتخابات الرئاسية، فيما طهران تتحضر لرد مدروس.