تونس بحاجة الى اعلان حالة الطوارئ البيئية

تونس تمر بأزمة بيئية غير مسبوقة تؤذي البشر والثروة الحيوانية والنباتية والبحرية وخبراء يطلقون صيحة فزع من تقهقر دور مؤسسات الدولة وتراجع وعي المواطن بخطورتها.

تمر تونس بأزمة بيئية غير مسبوقة بسبب تقهقر دور مؤسسات الدّولة وتراجع اجهزة المراقبة الحكومية وحالة تسيب عرفتها البلاد في السنوات الاخيرة الى جانب اتساع دائرة الانفلات من القانون ولوبيات الفساد التي ادت الى انتشار مكبات النفايات العشوائية سواء كانت منزلية او صناعية.
وتنتج تونس وفق وكالة التصرف في النفايات، حوالي 2.5 مليون طن من النفايات المنزلية سنوياً وهي تحتوي على نسبة مهمة من المواد العضوية، في حين تبلغ نسبة البلاستيك  فيها 11 في المائة والورق 10 في المائة.
وتقدر كمية النفايات الصناعية بنحو 250 ألف طن سنوياً، وتغيب الإحصاءات الدقيقة عن كمية النفايات التي تلقى في المكبات العشوائية.
وادى تراجع منسوب الوعي بالقضية البيئية في الشارع التونسي الى استفحال ظاهرة خطيرة تهدد صحة البشر  وتؤذي الثروة البيئية والحيوانية والنباتية والبحرية.
ورغم تشوه معالم تونس الخضراء التي طالما مثلت وجهة سياحية هامة في حوض المتوسط إلا أن المشاكل البيئية لم تكن يوما من أولويات المواطن التونسي المنشغل بدرجة اولى بتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلده والغلاء الصاروخي للمواد الغذائية  وانتشار البطالة والتهميش.
واعتبرت دراسات لمُؤسسة "هاينريش بول" الألمانية المُختصة بالبيئة والتنمية المُستدامة في العالم تتابع المؤشر السنوي لنسب التلوّث البيئي على مستوى العالم ان تونس احتلت على سبيل المثال في السنوات الماضية المرتبة 27 عالمياً بنسبة تلوّث تقدّر بـ 75.12، والثالثة أفريقياً بعد مصر والجزائر، في حين انها كانت في السابق خارج التصنيف الأفريقي.
كما اعتبرت مُنظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المُتحدة ان تونس في قائمة الدول العشرة الأفريقية الأكثر مُعاناة من تلوّث الهواء.
ويدق خبراء ناقوس الخطر من ظاهرة تفاقم تلوث الهواء في العالم وامكانية تحوله الى العدو الشرس الذي يتصدر اسباب الوفيات في العالم ويزيد من رقعة انتشار أمراض الجهاز التنفسي والقلب والسرطان.
 وقد برزت البلاد التونسية على خارطة باللون الأحمر ضمن قائمة الدول التي تسجل أعلى معدلات وجود الجزئيات الملوثة في الهواء حسب معايير جودة الهواء التي حددتها منظمة الصحة العالمية.
وتعتبر النفايات مشكلة تؤرق المجتمع التونسي باعتبار اثارها الخطيرة على الصحة وعلى البيئة. 
واثارت قضية وصول نفايات ايطالية الى تونس غضبا واسعا في البلاد وعلى منصات التواصل الاجتماعي واتهامات بتورط مسؤولين كبار في إغراق تونس بالنفايات اجنبية غير قابلة لاعادة التدوير.
وكان رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي أقال وزير البيئة السابق مصطفى العروي اثر الكشف عن ملف فضيحة النفايات الايطالية.
وكانت وزارة البيئة التونسية قامت بفتح تحقيق إداري بعد وصول 282 حاوية نفايات من إيطاليا لأنها لا تتطابق مع نوعية النفايات الواردة في ترخيص الشركة الخاصة للتدوير التي قامت باستيرادها، حسبما ذكرت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات حينها.
وفشلت منظمات مدنية تونسية وجمعيات ناشطة في مجال البيئة في اعادة النفايات القادمة من روما والقابعة في ميناء محافظة سوسة الى موطنها الأصلي.
وقال الخبير في تقدير النفايات وعضو ائتلاف منظمات "تونس الخضراء" حمدي شعبان أن "هذه القضية تكشف ان هناك لوبيات كبيرة للفساد".
كما تتواجد مشكلة النفايات البلاستيكية في صلب معركة بين الناشطين البيئيين والشركات التجارية وقد ازدادت حدة في ظل ضبابية سياسات الحكومات المتعاقبة على السلطة وغياب رقابتها في هذا الملف الحارق.
واعتبرت دراسات ان حوالي 80 ألف طن من النفايات البلاستيكية ينتهي بها المطاف في البيئة التونسية كل عام.
وتعتبر احصائيات سابقة ان حوالى 6,8 كيلوغرامات من البلاستيك يتم القائها يوميا في كل كيلومتر من شواطئ تونس (2290 كيلومترا).

التلوث الناجم عن المصانع يفاقم معاناة تونسيين
التلوث الناجم عن المصانع يفاقم معاناة تونسيين

وتنتشر على امتداد الشواطئ التونسية على مدار العام وخاصة في فصل الصيف قوارير مستعملة من البلاستيك وعلب جعة فارغة يجمعها متطوعون يعينون السلطات التي تواجه صعوبة في التعامل مع انتشار النفايات في البحر.
ويشدد خبراء في مجال السياحة على ضرورة التحرّك ضدّ "الإرهاب البيئي" الذي يؤدي إلى هرب السياح تماماً كما في حالة الهجمات الارهابية.
ويقدر الصندوق العالمي للطبيعة خسائر السياحة التونسية بسبب النفايات بـ16,6 مليون يورو سنويا.
ويؤكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "ضرورة إعلان  تونس حالة الطوارئ البيئية، وتكوين خلية أزمة عاجلة للبحث جدياً في ملف التصرف في النفايات في تونس، والعمل على إنصاف جهات منكوبة بيئياً".
وادى الوضع المتردي الى بروز خطط حكومية ومبادرات شبابية وتحركات احتجاجية لمنظمات في المجتمع المدني عنوانها الرئيسي حماية البيئة من كافة اشكال العدوان الذي تتعرض له.
 وقد التحقت تونس بركب الدول التي تعتبر الحق في بيئة سليمة حقًا دستوريًا. 
واحدثت تونس شرطة البيئة وهو جهاز امني يساهم بواسطة سلطة القانون في الحد من التلوث البيئي ويحمي مناطق الجذب السياحية كما يركز بشكل خاص على رفع مستوى الوعي لدى الناس تجاه البيئة.
وتتمثل مهام الشرطة البيئية، التي تعمل طبقا للقانون رقم 6 المؤرخ في 30 أبريل 2016، في تحرير مخالفات ضد كل من يلقي بالفضلات في الطريق العام أو في غير الأماكن المخصصة لها أو حرقها سواء من قبل الأشخاص أو الشركات.
ويواجه المخالفون لقواعد الصحة والنظافة العامة طبقا للفصل 10 من القانون، عقوبات مالية تصل إلى ألف دينار (حوالي 370 يورو).
ويحجّر بمقتضى هذا القانون "الإلقاء العشوائي للنفايات المنزلية أو المتأتية من المنشآت والمؤسسات والمحلات المخصصة لممارسة الأنشطة الحرفية والسياحية أو وضعها في حاويات غير مطابقة للمواصفات التي تحددها الجماعات المحلية المعنية أو في الأماكن غير المخصصة لها".
وحظرت تونس الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في محلات السوبر ماركت والصيدليات قبل التخلص التدريجي التام منها في عام 2021.
ورفعت تونس منذ نحو سنوات، شعار "النفايات مصدر للثروات" الذي تسعى من خلاله إلى تطوير سوق العمل وخلق المؤسسات البيئية الصغيرة. 
ويشترك في تنفيذ هذا البرنامج وزارة البيئة والتنمية المستديمة والهيئات المعنية بالتمويل والتأهيل والتشغيل، وهو ما خلق آلاف فرص العمل في مجالات رفع النفايات وتدويرها وإدارة المساحات الخضراء وتجميل المدن.
تهدف هذه المنظومة التي وضعتها الدولة منذ أكثر من 10 سنوات إلى تقليص كمية النفايات التي يتم دفنها في التربة، وذلك لحماية البيئة من أضرار البلاستيك واستغلال أكبر قدر ممكن منها في إنتاج الطاقة كما يمكن استخدامها مجددا عبر إعادة تدويرها.
وتعمل الحكومة على تطوير هذه المنظومة حتى تكون داعمة للاستثمار وباعثة لعدد كبير من فرص العمل.
ويقوم العديد من التونسيين من اصحاب الدخل الضعيف او المعدوم الى اللجوء الى تجميع البلاستيك القابل للرّسكلة من أجل توزيعه على مصانع مختصّة.