'جعفر العمدة' يناقش التعدد والربا ويعيد اكتشاف النجوم

محمد رمضان يكسب جمهورا جديدا.
هالة صدقي ملكة رمضان في دور الحاجة صفصف
أحمد داش نجم جيله ومن مدرسة الأداء البسيط

المسلسل الأكثر مشاهدة في شهر رمضان الكريم بلا منافس، تتفق أو تختلف مع ما قدمه وتناوله المسلسل ولكنك لن تنكر تلك الحقيقة.

استخدم المخرج محمد سامي - وهو نفسه كاتب القصة وشارك السيناريست مهاب طارق في كتابة السيناريو والحوار - تيمة التعدد والتي سبق واستخدمها نور الشريف في "الحاج متولي" ومصطفى شعبان في "الزوجة الرابعة".

الفرق هنا كان في التناول والنتيجة، ففي المسلسلين الأولين، لم يخل الأمر من صراع الضرائر وغيرتهم ومحاولة سحب البساط والانفراد بحب الزوج وغيرة كل زوجة قديمة من كل زوجة جديدة، وخاصة الزوجة الرابعة، ونفس الأمر حدث في جعفر العمدة، إلا أن الفرق تمثل في أن الغيرة هنا كانت مدمرة، فلم تقف عند حد المكائد النسائية العابرة وغير المشروعة، ولكنها تعدت ذلك ووصلت لخطف الزوجة الثانية ابن الزوج من زوجته الأولى ومنع أي زوجة من الحمل لأنها لا تنجب، ليتحول الحب لحب امتلاك، والغيرة المشروعة لغيرة غير مشروعة ومدمرة.

أما محمد سامي فقد أراد أن يقول لا للتعدد، وأنه وراء كل المصائب التي حدثت للبطل، لتنتهي الأحداث باكتفائه بزوجة واحدة، في رسالة مفاجئة للرجال الذين فرحوا بتيمة التعدد في بداية العمل، امرأة واحدة تكفي إن كنت تريد الاحتفاظ بعقلك وصوابك وسلامك النفسي.

يظل البطل يبحث عن ابنه وكلما اقترب منه ابتعد مرة أخرى، حدث ذلك عدة مرات استطاع المخرج أن يقنعنا بها أحيانا وتحولت لما يشبه الأفلام الهندية أحيانا أخرى، حتى أن المشهد في الحلقة 28 حين جاءته خالة سيف لتخبره بالحقيقة، تركها ليذهب ليمسك ببلال شامة الذي كان بالنسبة إليه أمله الوحيد، ليستطيع المخرج ملأ الحلقة بالكامل فجعل إيقاعها بطيء ورتيب حتى أن المشاهدين أصبحوا يتندروا بأن من يكون على وشك أن يخبرك شيئا ثم يصمت لتشويقك أن الموقف من إخراج محمد سامي.

ولأن البطل كان مرابيا، يقرض الناس المال بفوائد، وانزعج الجمهور من ذلك وحدث رفضا كبيرا لتمرير ذلك دون انتقاد له لكون المسلسل يحظى بنسبة مشاهدة عالية بين كل الفئات العمرية مما قد يتسبب في رواج ذلك أو تقبله، لذلك قرر المخرج أن ينهي المسلسل بأن البطل يقرر أن يتوقف عن الربا، ويقرض الناس بدون فوائد لتصحيح هذه الصورة ولكسب مزيد من التقبل للعمل.

وأرى أن محمد سامي قد أعاد بعض تصوير مشاهد النهاية وعدل فيها بناء على ما جاء على السوشيال ميديا من تعليقات، أهمها: السؤال الذي طرحه الجمهور: أين البوليس مما يحدث؟ وأين يتم التحكيم بهذه الطريقة بأن يلجأ الناس لكبير المنطقة بعيدا عن القانون، ليتدخل البوليس في النهاية بالقبض على دلال، بعد أن نصب لها جعفر الكمين، وصور جريمتها بالصوت والصورة هي وإخوتها، والربا الذي رفضه الجمهور، فأضاف مشهدا يقابل شيخ الجامع فيكرر له تحريم ذلك وأن الحكم لن يتغير ولو جاءه سائلا ألف مرة، فيضع جعفر يده في يده ويقرءا الفاتحة على ألا يكرر ذلك أبدا.

أما النهاية التي لو كانت حدثت لكانت نهاية حزينة لا ترضي الجمهور الذي انتظر كل ذلك من أجل النهاية السعيدة، فهي موت سيف ابن جعفر، لذلك اختار محمد سامي أن يجعل النهاية سعيدة حتى لا يزعج الجمهور ويثير حنقه.

وشخصية جعفر العمدة التي قدمها النجم محمد رمضان، هي شخصية فيها كثير من النمط المفضل له، ومن النمط الذي يفضل جمهوره أن يروه فيه، فهو شخصية قوية، قيادية، قوي البنية يضرب ولا يبالي، لا يترك حقه أبدا مهما حصل، يُظلم ثم يعود لينتقم، ولكن هذه المرة اتفق رمضان مع سامي على ألا يثيروا حفيظة نسبة كبيرة من الجمهور الذين لطالما علقوا على العنف الزائد في مسلسلاتهم معهم، والانتقام الشديد والعنف، فبدلا من أن يقتل عائلة فتح الله بنفسه أو ينصب لهم كمينا لقتلهم كما حدث في مسلسليهما السابقين الأسطورة والبرنس، تركهم هم يلاقوا مصيرهم باختيارهم، وأما آخر خناقة في الشارع، فهي في العرف رد للحق بالمثل ورد للإهانة بالإهانة، تتفق أو تختلف مع الطريقة ولكن هذه كانت رؤيتهم للشخصية كيف سيكون رد فعلها في هذا الموقف.

أما الجوانب الهامة في رأيي التي قدمها محمد رمضان في دور جعفر العمدة، فهي لمحات غاية في الأهمية، فجعفر لا يرغم زوجة على البقاء على ذمته إن رفضت ذلك، بل ويعطيها كافة حقوقها، فهو رغم قوته واعتزازه بذاته إلا أنه نبيل في أخلاقه، فلا يرغم امرأة على العيش معه دون رغبتها وإرادتها، وأتمنى أن ينتبه الرجال لتلك اللمحة، فعدم تقبل الرفض دفع بعض الرجال لقتل زوجاتهم، بل إن أحدهم قتل زوجته وعائلتها وأولاده في قضية هزت المجتمع المصري مؤخرا.

اللمحة الثانية، هي حين تزوج زوجته الرابعة لم يرغمها على شيء ضد رغبتها وإرادتها، بل ترك لها حرية اختيار الوقت المناسب لذلك حين تكون مهيئة نفسيا ومستعدة، فلم يرغمها، ولم يقل لها هذا حقي الشرعي، وهذه القضية قد طرحت وكانت "تريند" منذ فترة ليست بالبعيدة، وأنه ليس من حق الزوج إرغام زوجته دون إذنها وموافقتها.

قدم كل ذلك في قالب اجتماعي كوميدي لطيف، كانت بطلته وملكته النجمة هالة صدقي أو "الملكة صفصف"، فهي دائما ما تحكي ذكرياتها مع الحاج عبدالجواد، وتطلب من الجميع أن "يطبل لها"، وفي نفس الوقت هي أم حنونة لا تسمح بالأذى أن يصيب أولادها.

وشارك في تلك الكوميديا الفنان الذي كان مفاجأة رمضان بحق أحمد فهيم، فقد قدم شخصية سيد الطيب الساذج ضعيف الشخصية الذي لا يحفظ سرا، وكان سببا في مواقف كوميدية ومواقف مبكية في المسلسل، ليظهر قدراته التمثيلية ببراعة، فهو أبكانا حين اكتشف أن وداد "خلعته" منذ 7 أشهر وكانت تعيش معه في الحرام، وأبكانا حين شك أخوه جعفر في أنه وراء خطف ابنه، وأبكانا حين أهين وضرب في الشارع، ومن شدة تعاطف الناس معه كانت هناك فيديوهات وصور كوميدية تطالب بأخذ حق سيد، وأضحكنا حين أفشى أسرار مهمة عن أخيه، منها حين أخبر ثريا أن ابنها توفي وأنها تزور قبر فارغ، وأفشى سر أن جعفر وجد ابنه وأنه سيف، وحين وقف في الحارة في الحلقة الأخيرة واضعا قدمه على رقبة شوقي فتح الله قائلا "أنا بالجزمة وجعفر كان حافي، أنا بالبدلة وجعفر بالكلسون".

ونجح محمد سامي في تقديم الوجه الذي اعتاد الناس عليه في الأدوار البريئة في دور قمة في الشر، وهي إيمان العاصي، فالدور إعادة اكتشاف حقيقية لها وفرصة لاستعراض إمكانياتها التمثيلية بجدارة، وقد أثبتت أنها تمتلك قدرات لم توظف بعد، وأن السبب كان حصرها في الأدوار السهلة التي تناسب ملامحها البريئة.

أما أحمد داش فليس اكتشافا، فقد اعتدنا عليه يمثل ببساطة ويمسك الشخصية بيسر، لا يتصنع ولا يتشنج في أدائه، وقد وصفته أروى جودة في أحد اللقاءات أنه أحمد زكي الصغير، وقال عنه محمد سامي إنه نجم جيله، كانت كثير من مشاهده تعتمد على النظرات فقط، وهو أصعب أشكال الأداء، وحتى حين احتاج مشهد لخفة دم، أداه أيضا ببساطة، فحين طلب منه جعفر العمدة تقليد رد فعل الراقصة حين أخبرها أنه فقير ويريد هداياه فقال "قالت لي: حاجات إيه يا أبو حاجات" بطريقة كوميدية خفيفة.

يكفي أن تلاحظ فرق الأداء بين طريقته وحياته وانفعالاته قبل أن يجد والده، وطريقته وحياته وانفعالاته بعد أن وجده وشعر بالأمان بين أهله، مشهد وفاة والدته التي ربته، موقف معرفة حقيقة مَن والده، لتعرف مدى التمكن والإمساك بالشخصية بكل أبعادها وتحولاتها.

وكعادة العمل البشري فهناك أخطاء وقع فيها المسلسل منها أن سيف الشاب الصغير الذي ربته أمه ولم تكن غنية بل سيدة بسيطة جدا كيف له في هذه السن الصغيرة بكل تلك الأموال التي تجعله يملك تلك السيارة، أو الورشة أو خالة سيف التي تسكن أمام كوبري ستانلي في بيت يساوي ملايين الجنيهات وهي أيضا سيدة بسيطة وحتى ذلك يتضح أيضا من أساس منزلها.

وفي الأخير فإنه يحسب لمحمد سامي ومحمد رمضان أنهما ولأول مرة لم يركزا على تيمة الانتقام الشديد، والمشاهد المخيفة التي بعد حدوثها يتكرر رؤيتها في الشارع، فحتى مشهد الخناقة في الشارع في الحلقة الأخيرة كانت ردا على موقف مماثل سابق، وكان دون استخدام أسلحة أو مبالغة في الانتقام، وهذا ما أكده البطل حين طلب من أخيه وابن خاله ألا يتماديا في أخذ الحق وإعادة الهيبة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى قوة السوشيال ميديا، وإلى ذكاء محمد سامي ومحمد رمضان ومتابعتهما الجيدة لها، ومحاولتهما جذب جمهور جديد لأعمالهما وهو ما حدث، ولكن ما زال هناك مجهود إضافي مطلوب، لأن المسلسل لم يخل من الانتقادات التي وجهت له، وأرى أن بعضها على حق، ولكني أرى أيضا أنه هناك استجابة فلزم الرد على الاحترام باحترام.