حالة القلق التي يعيشها العالم اليوم لا تنتج أدبًا عظيمًا

الدكتور أحمد مرسي يؤكد من إسبانيا: أثبتت الجائحة الحالية أنه لا بديل عن الدولة المركزية القوية التي تعلو على الأحزاب والتعدد العرقي.
إرادة الإنسان وإصراره على تجاوز المحنة والاستفادة من دروسها لا بد من وضعه فى الاعتبار
هناك دول سيصعد نجمها، ويتعاظم دورها فى مقابل أخرى لن تستمر في المكانة نفسها

من إسبانيا حيث يقيم في الفترة الأخيرة خاضعًا للعلاج من مرض دقيق، يؤكد لنا العالم الكبير الدكتور أحمد مرسي، أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب جامعة القاهرة، ورئيس تحرير أهم مجلات الفنون الشعبية، والموروث الشعبي في مصر وخارجها، أن هناك حالة رعب غير مسبوقة تسود العالم حاليًا، وتختلف ردود الفعل إزاءها بين ما يطلق عليه العالم المتقدم من اهتمام واستنفار. ولذلك أسبابه الاجتماعية والسياسية، وبينما يطلق عليه العالم المتخلف من لا مبالاة، وقدرية، ولذلك أسبابه الاجتماعية والسياسية أيضًا. موضحًا أن الناس، فى الحالة الأولى، يدركون خطورة ما هو حادث وما يمكن أن يحدث من فقدانهم حياتهم في النهاية، وفي الحالة الثانية فالناس تستوي عندها الأمور لأنها لا تعيش الحياة كما ينبغي لها أن تُعاش. ولعل التعبير المصري الشائع: "هيه موته والاّ أكتر" يمكن أن يفسر لكم ما أعنيه. 
وذكر الدكتور أحمد مرسي أنه في ظل سطوة هذه الجائحة، يشغله ما يشغل الناس جميعًا؛ حالة من القلق. فالجائحة أمر واقع ملموس. وهناك محاولات متعددة لمواجهتها. لكن لا أحد يعرف إلى متى؟ ولا كيف ستسير الأمور؟  ولا كيف ستنتهى؟  ولا كيفية الخروج؟ 
وأضاف بأنه يظن أن الأمر سيستغرق وقتًا.. قد يطول، أو يقصر.. وحالة القلق هذه لا بمكن أن تنتج أدبًا عظيمًا.. قد تنتج انطباعات لحظية.. أو قفزات.. أو صورا ساخرة.. أو تعبيرات متشائمة.. لكنها لا تنتج أدبًا عظيمًا على أية حال.
وأشار إلى أن هناك كثيرا من الأعمال الفنية سواء كانت أدبًا أو مسرحًا أو فنونًا تشكيلية وسينما صورت الأزمات الكبرى التي حدثت في العالم مثل: الحروب وغيرها، ولا يغيب عن الذاكرة أعمال همنجواي وبيكاسو وكامي وغيرهم.
وقال إن حياته تأثرت بالطبع بسبب كورونا، كما تأثرت حياة الناس جميعًا. لكن ربما يكون هو أكثر تأثرًا بسبب الظرف الخاص به الذي يجعله أكثر تحفظًا وامتثالًا للتعليمات التي تقضي بالابتعاد عن أي مصدر لأي عدوى من أي نوع، وتحدد حركته وأسلوب ممارسته لحياته العادية.
0-    وذكر أن هناك بالتأكيد وجهين أو عدة أوجه لأي حدث، ولأي شيء. فهناك جانب إيجابي لما يحدث، رغم فداحة الثمن، ويظنه مهمًا جدًا سيدفع الناس والدول إلى مراجعة كل شيء بدءًا من أسلوب الحياة، وانتهاء بكثير من المسلمات في السياسة والاقتصاد والعلاقات بين الدول والمجتمعات... الخ، من مثل: هل الديموقراطية الكلاسيكية المستمرة إلى وقتنا الحالي ستظل تُمارس بشكلها الموجود الأن.. ؟
1-    وهل الرأسمالية بشكلها المتوحش الآن ستظل تسير على النهج نفسه..؟
2-      وكيف سيكون شكل الدولة ودورها؛ سواء فيما توصف به من ديموقراطية.. ! أو توصف به من شمولية؟
وعلى صعيد أخر.. هل سيصمد ما تم الترويج له منذ عقود عن بزوغ نظام عالمي جديد؟ أم أن هذا النظام لا يزال لم يتشكل بعد، خاصة وأن هذه الجائحة قد كشفت عن كثير من العوار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فى النظام القائم إقليميًا وعالميًا، مما يحتاج كثيرًا من التأمل والتدبر.

ووافق رأينا حول أهمية التكنولوجيا التي كان لها دور كبير في إدارة المواجهة لهذه الجائحة، وأن وسائل الاتصال الحالية التي يسرتها التكنولوجيا على نحو غير مسبوق لعبت - ولا تزال تلعب - دورًا كبيرًا في التقريب بين الناس، وتيسير نقل معارفهم وخبراتهم. وآخر المستجدات فيما يتصل بهذه الكارثة الإنسانية، وكيفية مواجهتها. ولكنها بالتأكيد ليست هي المنقذ الوحيد بما نقلته، ويسرت معرفته؛ فحقيقة الأمر أن العلم وإرادة الإنسان وإصراره على تجاوز المحنة والاستفادة من دروسها لا بد من وضعه فى الاعتبار .
وجزم بأن عالم ما بعد كورونا لن يكون هو عالم ما قبلها. فالتغير - وهو من سنن الحياة - أمر مؤكد في حالتنا هذه، لكنه لن يحدث بين يوم وليلة، فسيستغرق وقتًا، لكنه سيحدث. وهذه هي عبرة التاريخ ودروسه .
وفي كل الأزمات التي مر بها العالم، تغيرت الأمور بعد انتهاء الأزمة. 
وضرب مثلًا بالعداوات، والحروب التي عانت منها أوروبا قرونًا، وآخرها الحربان العالميتان خلال القرن الماضي، وما أسفرتا عنه من بزوغ قوى جديدة، والاعتراف بأن الحروب لا تحل المشكلات، بل لعلها تفاقمها.
 ومن ثم بحثت الشعوب نتيجة معاناتها وخسارتها البشرية والمادية عن حلول تكفل لها الحياة في سلام، لأن إرادة الحياة أقوى.
 وانتهى الأمر إلى ما نراه اليوم من تجمع أوروبى يتصور البعض أنه سينهار لهشاشته ومشاكله الكثيرة وبخاصة بعد انسحاب بريطانيا منه.
 وزعم الدكتور مرسي بأن هذا لن يحدث، لأن التاريخ لا يعود إلى الوراء، ولأن البديل مدمر. هذه هي عبرة التاريخ  والتحولات الكبرى التي حدثت، وتحدث الآن. 
وعلى الصعيد السياسي، قال: أظن أن هناك دولًا سيصعد نجمها، ويتعاظم دورها فى مقابل أخرى لن تستمر في المكانة نفسها، وبالتأثير ذاته. وربما سيستغرق ذلك وقتًا لكنه سيحدث. 
بالإضافة إلى نشوء تحالفات جديدة قد تغير من شكل العالم الموجود، والقوى الفاعلة أو المسيطرة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، رأى الدكتور أحمد مرسي أن النظم السياسية القائمة على الأحزاب باعتبار ذلك قمة الممارسة الديموقراطية وشكلها المثالي ستشهد تغيرات جذرية، ذلك أن الأحداث والتطورات الاجتماعية والسياسية تشير إلى  تآكل هذه النظم، وفقدانها مصداقيتها. وقال إنه يزعم أن جمعيات المجتمع المدني ستقوى وسيكون لها دور فعال ومؤثر سياسيًا واجتماعيًا وستتعدد وظائفها وتتسع وتصبح أكثر إسهامًا في شؤون بلادها محليًا وعالميًا.
كما أن من تنبأوا  بنهاية الدولة ككيان متماسك سيكون عليهم أن يعيدوا النظر في نبوءاتهم، فقد أثبتت الجائحة الحالية أنه لا بديل عن الدولة المركزية القوية التي تعلو على الأحزاب والتعدد العرقي.. إلخ. 
وعلى ذلك ستكتسب الدولة كمفهوم وبناء قوة ويتأكد وجودها وضرورته ربما ستكتسب أليات جديدة وتتغير مفاهيم وممارسات تقليدية.. لكنها في كل الأحوال ستظل موجودة ولا غنى عنها.. لتمارس دورها سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا على نحو جديد.. يفيد مما هو حادث الآن وتوابعه، يوازن على نحو واضح بين الحرية الفردية والمسئولية المجتمعية، بما لا يجود على حق الفرد، ولا يهدر حق المجتمع.