حال الفرد تحت حكم كورونا مثل سجين بحكم غيابي

المنوبي زيود الأديب والمحامي التونسي: في روايتي التاريخية "عفريت القائد عياد" استلهمت ما تعرضت له "جزيرة جربة" من أوبئة.
حكم كورونا غير قابل للطعن، بأي وسيلة من وسائل التقاضي
الدول العظمى جنت على شعوبها، وشعوب العالم من بعدها، لأنها أهملت البيئة، وصحة الإنسان

يشير الكاتب التونسي المنوبي زيود المحامي أنه تناول موضوع الوباء في روايته التاريخية "عفريت القائد عياد" الصادرة سنة 2006 مستلهمَا أحداثها مما تعرضت له جزيرة "جربة" من أوبئة، وبخاصة في منتصف القرن التاسع عشر. 
وجاء فيها: "أن الوباء قد انتشر بين السكان، وأخذت كل عائلة تحمل موتاها وتقيم عزاءها وحدها، ولم يجد الناس ما يطعمون في المأتم إلا التمر، والحشيش؛ فقد اجتمع الموت بالفاقة وغلاء الإسعار. ولما وصل الطببب ابن عامر إلى قصر القائد عياد ليقدم له تقريرًا عن الوباء، وإعلانًا عن التدابير الصحية لإخبار الناس، وجد القصر مغلقًا.
فسأل أحد العبيد عن القائد، فلم يجبه. وسأل خادم القائد فأجابه بأن القائد أغلق القصر وبقي مع أهله وبعض عبيده وإمائه خوفًا من الوباء.
 الجبان.. القائد الجبان.. قالها الطبيب ابن عامر".
ويضيف المنوبي زيود بأنه ركز في روايته "الجنون"، الحائزة على "جائزة توفيق بكَّار للرواية العربية" سنة 2018، وهي من الأدب العجائبي، على الجنون كوباء أصاب سكان الجزيرة السياحية؛ حيث يتطور الجنون نوعًا، وعددًا ليصيب العشرات، ثم المئات، والآلاف، ويصبح أكثر من نصف السكان مجانين. وبذلك تعجز السلطة عن الحد من انتشاره، وتتناقض قراراتها في شأنه، وتعم الفوضى، ويستغل التجار الوضع للاحتكار، والإثراء، وتتعطل القوانين، ويسعى الأصحاء للهروب من الجزيرة فتضطرب وسائل النقل، ويستفحل الصراع، وينتشر الهلع والفزع، فيتطوع الطبيب النفساني لعلاج المرضى المجانين مستعينًا بعناصر من المجتمع المدني والمثقفين والأندية الثقافية، والفنية لعلاج المرضى بالفنون والآداب، ويجتمع الناس للتغلب على الوباء بتحويل مظاهره السلبية إلى إبداعات..."

فرصة للتأمل في الذات، وسبر أغوار النفس، والقراءة التي أهملناها، ثم الكتابة التي ضاعت في زحمة الجري وراء متع ولذات هي أقرب ما تكون للوهم

ويشير المنوبي زيود إلى أن بعض الكتاب التونسيين تناولوا موضوع الإوبئة. وكان أقدمهم الكاتب ومؤرخ البايات أحمد ابن أبي الضياف" في كتابه "إتحاف أهل الزمان في القرن التاسع عشر"؛ إذ أنه ذكر أن في 2 ديسمبر/كانون الأول 1849 ظهر في المملكة التونسية وباء "الكوليرا" المعروف في أرض الحجاز بـ"الريح الأصفر"، وأصله من أمراض الهند، وهو يصيب الإنسان بإسهال وقيء فيصفر لونه، ويسود ولا ينجو منه إلا القليل.
وقد انتقل بسرعة إلى المدن، فحوصرت كي لا يدخلها ولا يخرج منها أحد. وارتحل الباي إلى بستان وزيره "مصطفى خزندار" المعروف بقرطاجنة، واصطحب عددًا من العسكر، وأقام متحفظًا على عادة الكرنتينة. واشتد به المرض، ومات في الحاضرة أكثر من مائتين في اليوم الواحد. 
ويقول ابن أبي الضياف: إن أربعين شريفا ممن يحملون اسم محمد، قد اجتمعوا بجامع الزيتونة، يقرأون "سورة يس" أربعين مرة، ويدعون الله لرفع الوباء، فتراجعت الشدة، ونقص عدد الموتى الى أن اضمحل الوباء.
وتناول العديد من المبدعين موضوع الأوبئة، ومنهم: عبدالواحد براهم، وحسنين بن عمو، في رواياتهما التاريخية الصادرة في تونس .
ويطلعنا الكاتب التونسي المنوبي زيود على أنه قبل أيام من ظهور وباء كورونا في العالم، شرع هو في كتابة رواية جديدة، لم يكن يتوقع أنه سيجد نفسه مضطرًا في سياقها إلى التعرض لوباء كورونا، لكن المسار اتجه إلى إدماج الجائحة في سياق الرواية التي وضع لها عنوان "الأخوة الإعداء" لأنها رواية تتناول قضية الجشع والأنانية التي إذا استفحلت، فإنها بلا شك ستؤدي إلى الجائحة.
ومن جديد يعود المنوبي زيود المحامي إلى قضية الساعة ليقول: يبدو أن الدول العظمى قد جنت على شعوبها، وشعوب العالم من بعدها، لأنها أهملت البيئة، وصحة الإنسان، ولم تكترث بضرورة القضاء على الإمراض والجوع والفقر. وانتهكت الطبيعة، ووظفت ابتكاراتها العلمية في اختراع أسلحة بيولوجية أضرت بالإنسانية. لقد أساءت استعمال العلم في جوانب عديدة؛ فاعتدت على الطبيعة، والبيئة السليمة التي نحصل منها على غذائنا، ومن خلالها نتنفس الهواء النقي. فجاء الفيروس اللعين ليطبق على رئة الإنسان.

corona
نمط الحياة قد تغير 

ويجلس المنوبي على مقعد السائل ليطرح علينا هذا السؤال:
كيف للإنسان أن يطمح لغزو الفضاء، وهو يجهل نفسه المريضة؟ إنه الغباء والحمق والاستهتار. 
ويضيف بأنه أصبح على قناعة بأنه يجب تعديل بوصلة العلم والتنمية لصالح القيم الإنسانية النبيلة، وليس لتدمير الطبيعة، والقضاء على الإنسان بسبب الجشع الرأسمالي، وتكديس الثروات التي لم تستطع مجابهة جائحة الكورونا.
ويقر بأن أفكاره قد تغيرت من جراء ما يحدث في العالم اليوم، ولاسيما عن عن مدى نجاعة النظام العالمي المتسلح بالتكنولوجيا الموظفة لغايات خبيثة، أو التي لا تستجيب لقيم الإنسان في العدل والمساواة .
وفي تقديره أن من سيحكم العالم ليس بالضرورة أصحاب الغقل السليم، فسيبقى الصراع بين الخير والشر قائمًا، لأن الجشع البشري من سلبيات الإنسان الذي فقد بوصلته في التعامل مع الطبيعة، هو وبني جنسه.
وسيستفحل الصراع من جديد بين الشرق والغرب، وبخاصة بين الصين وأميركا.
ويوضح لنا المنوبي زيود أن المجتمع المدني في جزيرة جربة ينشط منذ بداية الجائحة في معاضدة الجهات الصحية لتوفير المعدات الطبية والغذاء عن طريق جمع التبرعات للفقراء والمحتاجين وتوعية المواطنين بالتزام الحجر الصحي.
ويوضح أن نمط الحياة قد تغير في جزيرة الأحلام. ويذكر أن صديقه محمد سعيد، أستاذ القانون بالجامعة قال إن حال الفرد تحت حكم الكورونا مثل سجين بموجب حكم غيابي غير قابل للطعن، بأي وسبلة من وسائل الطعن. وهو تشبيه رائع فيه الكناية والاستعارة والتورية أيضًا.
لكن الايجابي في حياتنا اليومية - والكلام لا يزال على لسان المنوبي المحامي - هو أننا نقف للتأمل في طموحنا الجامح، وذلك فرصة للتأمل في الذات، وسبر أغوار النفس، والقراءة التي أهملناها، ثم الكتابة التي ضاعت في زحمة الجري وراء متع ولذات هي أقرب ما تكون للوهم.