حراك أكتوبر العراقي بين الممكن والمتاح

انتفاضة الشباب العراقي مصدر قلق فعلي لإيران والميليشيات والتشكيلات الحكومية المتنفذة في العراق.

في سياق تعامل المواطن العراقي مع احداث اكتوبر الدامية، تعرض المتظاهرون العراقيون لمجازر حقيقية اذهلت الرأي العام العالمي، ومازالت مستمرة لحد هذه اللحظة عبر التعامل معها بالرصاص الحي وسلاح كاتم الصوت والدهس والاعتقالات التي شملت معظم النشطاء المدنيين الفاعلين في هذا الحراك الذي يعتبر تراكميا يعكس حالة الرفض التام لما يتعرض له العراق وشعبه من امتهان لكرامته، واستهتار بثرواته البشرية والمادية واهدار للمال العام بشكل وضع العراق ضمن قائمة الدول الافقر والاكثر فسادا في العالم، ناهيك عن استمرار وتغول الفساد في مفاصل الدولة والمجتمع والهياكل السياسية والادارية بشكل تام. وبهذا يصبح وجود هذه الاوضاع الكارثية واستمرارها يمثل أزمة حقيقية على مستقبل العراق والشريحة الشابة التي تصل الى ما يربو على 60% من عدد سكان العراق. اتضح ان الديناميكية المحركة لهذه التظاهرات هي القوى الشابة التي تطمح الى العيش بكرامة ونبذ الوضع الراهن بكل تفاصيله الذي عكسته مطالبهم عبر شعارات ولافتات اكدت ان لابد من التغيير وان الخيارات اصبحت قطعية.

اللافت في الامر هو استخدام العنف المفرط والقتل العشوائي الذي استهدف الجموع المتواجدة في الشوارع في معظم المحافظات الوسطى والجنوبية وبغداد من طرف الاجهزة الامنية الحكومية ورديفاتها من بقية مسلحي الميلشيات التابعة لاوامر ولي الفقيه الايراني السيد علي خامنئي. وكأن القمع والترويع لا يكفيان، تم شن حملة تشويه تستهدف حراك اكتوبر وتصفه بتآمر خارجي مخطط من طرف اميركي سعودي اماراتي اسرائيلي، واغراق مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار كاذبة مفبركة ومقاطع فيديو تؤكد نظرية المؤامرة التي تحاك ضد العراق عبر عملية التظاهر، بل وصل الأمر بالبعض من قيادات الفصائل المسلحة بوصف قتل المتظاهرين بانه عمل يهدف الى حماية المذهب الشيعي من الزوال واضفاء الشرعية والقدسية لعملية القتل العشوائي التي يتعرض لها العراقي اينما كان.

اكد معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى ان خلية الازمة التي تشكلت من عشرة اشخاص متنفذين وقيادات مليشيات مسلحة بالتنسيق مع الحرس الثوري الايراني بقيادة قاسم سليماني قد عملت من منزل آمن في بغداد بالجادرية تابع للحشد الشعبي للتعامل مع المظاهرات وقمها بشكل وحشي. وقد ذكر التقرير الذي بثته قناة الحرة يوم 25/10/2019 اسماء الاشخاص وصفاتهم الوظيفية وكان بضمنهم الشيخ قيس الخزعلي، وجمال جعفر ابراهيم وفالح الفياض، ومحمد الهاشمي مدير مكتب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، وحسين فالح اللامي، وتحسين عبد مطر العبودي، وثامر محمد اسماعيل، وحامد الجزائري، وهاشم بنيان السراجي، وابو ايمان الباهلي، اذ قدم التقرير معلومات تفصيلية وافية عن المهام والادوار التي لعبتها تلك الشخصيات في عملية القمع المنهجية التي تمت باشراف قاسم سليماني الذي وصل الى بغداد يوم 4/10/2019 لإدارة عمليات القمع كما ذكر في تقرير قناة الحرة.

من خلال السياق يعكس الوضع العراقي ان هناك قوة اقليمية تدعم الوضع القائم بل تستخدم كل الوسائل للحيلولة دون تحقيق مطالب المتظاهرين الشرعية. من هنا يمكن القول ان حراك اكتوبر وقياداته إنما يواجهان قوى اقليمية ومليشيات لا تتوانى عن استخدام اقصى درجات العنف وهي فعلا مارست اقصى درجة عنف في قتل رقم قياسي في فترة قياسية من المدنيين العزل اثناء التظاهرات.

خلاصة القول ان حراك اكتوبر وصل الى مراحل جعلت الاطراف الحاكمة تتعامل مع المطالب الشرعية بصورة اكثر جدية عبر تقديم حزمة حلول ومحفزات ووعود الزمن كفيل بكشف مديات مصداقيتها.