حرب جديدة بين شركات التكنولوجيا في العالم لجذب المواهب

التحول السريع على الخدمات الرقمية الذي فجّره وباء كورونا يؤدي إلى زيادة الطلب بشكل غير مسبوق على الخبرات والمواهب والكفاءات في مجال التقنيات.
هناك ملامح لهجرة جماعية كبيرة تلوح في الأفق للمواهب والخبرات
نقص الكفاءات التقنية ليس مشكلة جديدة
المؤسسسات الكبيرة تعمل على زيادة الأجور من أجل الحفاظ على المواهب التي لديها

تواجه شركات التكنولوجيا العالمية حربا جديدة، ربما تكون أصعب بكثير من الحروب العسكرية، وهي التحدي الأكبر لسنوات طويلة قادمة، إنها الحرب من أجل استقطاب المواهب والكفاءات التقنية.
تسببت جائحة كورونا في موجة غير مسبوقة من التحول الرقمي الذي طال كافة مناحي الحياة ودخل في عمل كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، هو تحول كان مقدرا له أن يتم في غضون عشر سنوات قادمة، لكنه حدث كله دفعة واحدة وفي فترة بسيطة من الزمن.
وقد أدى هذا إلى زيادة الطلب بشكل غير مسبوق على الخبرات والمواهب والكفاءات لتسد الفراغ الذي خلفه هذا الطلب الشديد على الخدمات الرقمية، ولكن العرض أقل بكثير من الطلب، فعدد الكفاءات محدود جدا في هذا القطاع الذي غدا بين ليلة وضحاها شريان الحياة وبدونه يتوقف كل شيء تقريبا.
وتعمل المؤسسسات الكبيرة على زيادة الأجور من أجل الحفاظ على المواهب التي لديها وعدم تسربها للشركات المنافسة، وتعلن كل يوم عن حاجتها للمزيد من التقنيين، وهي تدفع أموالا كثيرة لاستقطاب الكفاءات ليس فقط من داخل الدول التي تعمل فيها بل من كافة أرجاء العالم، وهو ما أدى إلى تضخم في الأجور والرواتب وفتح مجالا للتنافس الشرس بين الشركات لاستقطاب الكفاءات من أي مكان في العالم، وأيضا جعل الحياة صعبة جدا للشركات المتوسطة والصغيرة التي لم تعد قادرة على منافسة العروض الضخمة التي تقدمها الشركات الكبرى لاستقطاب الكفاءات التي لديها أو المتوفرة في السوق وهي قليلة على كل حال.
قنبلة الوباء
نقص الكفاءات التقنية ليس مشكلة جديدة بل هي مشكلة قديمة حيث أعرب 79% من المدراء التنفيذيين عن مخاوفهم بسبب هذا النقص قبل عشر سنوات من الآن، ولكن حلول الوباء أدى إلى تفاقم المشكلة بشكل غير مسبوق، ولا يوجد حل قريب يلوح في الأفق.

المؤسسات التي تفشل في المنافسة ستعاني من استنزاف شديد لأدمغتها وقواها العاملة

وحسب تقرير منظمة "كومبتيا" للقوى العاملة واتجاهات التعلم لعام 2021 فإن 40% من الشركات وظفت تقنيين جددا خلال الجائحة، و66% من هذه الشركات لديها خطط لتوظيف المزيد منهم في العام الجاري 2021 على الرغم من انخفاض معدلات الاصابة بالوباء، ولكن الحاجة الى المزيد من التقنيين لم تنخفض بل زاد الطلب، فلا توجد رجعة عن التحول الرقمي، وهو ما يعني مواصلة الاستثمار في التكنولوجيا وطرق العمل الجديدة، فقد تعلم العالم ان يعيش في عالم من التطبيقات وأن يحيا ويعمل بطريقة رقمية لا رجعة فيها.
وفي ذات الوقت فإن هناك ملامح لهجرة جماعية كبيرة تلوح في الأفق للمواهب والخبرات، فقد وجدت دراسة أجرتها شركة مايكروسوفت حول مؤشر اتجاهات العمل لعام 2021 أن أكثر من 40% من الموظفين يفكرون في تغيير أماكن عملهم، وذلك بسبب العروض المغرية التي تنهال عليهم من قبل الشركات المنافسة، حيث تشهد الأجور ورواتب العاملين في قطاع التكنولوجيا تضخما غير مسبوق.
وهناك بعض الوظائف التي زادت رواتبها بنسبة تترواح بين 20-30% وهذا يعني أن هذه المواهب والكفاءات ستكون انتقائية الشركات التي سيعملون فيها، والمؤسسات التي تفشل في المنافسة ستعاني من استنزاف شديد لأدمغتها وقواها العاملة.
حلول إبداعية
كشفت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة "كورن فيلي" للاستشارات الإدارية ومقرها لوس أنجليس أنه ما لم نحصل على المزيد من العاملين في القطاع التكنولوجي بحلول عام 2030 فإن الولايات المتحدة مثلا ستخسر أكثر من 160 مليار دولار من ايراداتها السنوية.
لهذا السبب تعمل الشركات الكبرى وفقا لـ"فوربس" على ايجاد حلول استباقية إبداعية للمشكلة، تشمل تحسين مهارات الموظفين، وفي هذا السياق أعلنت شركة أمازون عام 2019 عن مبادرة كبرى لإعادة تأهيل 10 آلاف موظف أميركي تستمر حتى عام 2025، مع التركيز على التدريب والتأهيل في مجال هندسة البرمجيات والحوسبة السحابية والتعلم الآلي للعاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات.
ومن ضمن هذه الحلول إعادة تدريب المواهب التقنية والأشخاص الذين ليس لديهم شهادات جامعية على وظائف تقنية وربطهم بفرص العمل، إضافة إلى التركيز على مراكز التدريب التقني، فغالبية المختصين في إدارة الموارد البشرية يؤيدون الغاء شرط الدراسة لمدة أربع سنوات للحصول على شهادة جامعية متخصصة للوظيفة، وهم يرون ان التدريس التقني قد يكون بديلا مناسبا.
ولأن عدد الكفاءات في مجال التقنيات محدود، فإن الشركات العالمية باتت تبحث بعيدا عن مواطنها عن المواهب، أو تتجه إلى الاقتصاد العالمي المستقل أو تبحث عن عمال بدوام كامل في الخارج. 
لكن، معظم هذه الحلول تستغرق وقتا في التنفيذ والبدء في جني ثمارها، ما يضغط على الشركات للعمل سريعا على وضع إستراتيجية عملية لجذب المواهب التقنية والحفاظ عليها.
وتتمثل إحدى هذه الحلول الفورية في اعتماد مرونة العمل عن بُعد، حيث يحتل قطاع التكنولوجيا مكانة رائدة في هذا الشكل الوظائف، فالشركات التي تفشل في معرفة كيفية تقديم هذه المرونة لن تتمكن ببساطة من جذب المواهب التي تحتاجها.