ما لا يكفي من الرعب في فيلم نهاية العالم 'اليقظة'

انقراض البشر في فيلم المخرج مارك راسو يأتي بعد ظاهرة كونية تتسبب في حرمان الناس القدرة على النوم.
غرينبلات أصغر ممثلة في الفيلم أعطت اللحظات الصعبة جزءا من عاطفتها الطفولية الخاصة
فكرة الفيلم غير التقليدية لم تثر من مشاعر الخوف ما يكفي لتعزيز غرابتها وتميزها
الفيلم يستند إلى حقيقة لها أساس علمي نقلها بأمانة
حبكة القصة بشكل عام تلتقي مع فكرة فيلم "بيرد بوكس" للنجمة ساندرا بولوك
التشويق جاء ضعيفا ومملا في مشاهد بدت مجتزأة من أفلام أخرى

في فيلم "اليقظة" الذي يتصدر حاليا قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة على منصة نتفليكس، لا تأتي نهاية العالم من انفجار نووي أو وباء أو كارثة طبيعية أو غزو فضائي، كما اعتدنا على متابعته في هذه النوعية الرائجة من الأعمال السينمائية، إنما يتعرض البشر للإبادة بسبب الحرمان من النوم.
يدور "اليقظة" للمخرج الكندي مارك راسو في إطار الإثارة والخيال العلمي، فعندما تحدث فجأة ظاهرة كونية تشبه عاصفة شمسية تقضي على معظم الأجهزة الإلكترونية والتقنيات الحديثة، وتحرم البشرية كلها تقريبا من النوم، تنزلق شخصيات الفيلم ببطء نحو الجنون والهستيريا الناتجين عن التعب، وترتبك حالتهم الذهنية لعدم المقدرة على النوم.
وتلعب الممثلة الأميركية جينا رودريغيز دور جندية سابقة ومدمنة متعافية تدعى جيل آدامز، وهي أرملة تحاول تدبير أمورها وتلبية احتياجات أطفالها الذين يعيشون مع حماتها.
وعندما يقع الحدث ويترنح الجميع في دوامة الغضب والإرهاق والفوضى عندما يدركون أنهم لا يستطيعون النوم، البعض يموت والآخرون في طريقهم للهلاك، تجد جيل نفسها في رحلة مروعة مع ابنها المراهق نوح (لوسيوس هويوس) وابنتها الصغيرة الذكية ماتيلدا (أريانا غرينبلات)، ساعية لحماية عائلتها والجنس البشري أيضا من الفناء.

الممثلة أريانا غرينبلات
غرينبلات طاقة الفيلم

وبينما يتسابق العلماء لإيجاد علاج، تكتشف جيل أن ابنتها الصغيرة ماتيلدا قد تمتلك الوسائل لإنقاذ البشرية، فهي من الأشخاص النادرين الذين يمتلكون القدرة على النوم، فأثناء قيادة الأم لسيارتها وحدوث الظاهرة الغريبة تصطدم بسيارة أخرى بجانب بحيرة وتغرق ماتيلدا وتفقد الحياة لمدة دقيقة، ولكن يتم إنقاذها من قبل ضابط شرطة، ويصبح الناس إما مستيقظ أو ميت.
تقرر الأم أن تذهب بابنتها إلى مركز للأبحاث لمعرفة سبب تميزها عن الجميع، لعلها تجد العلاج، وفي طريقها تصادف سجناء هاربين عنيفين وتتعرض لتهديد منهم، كما تلتقي بأناس يشبهون الموتى الأحياء "الزمبيز" في أفلام نهاية العالم الأخرى، وأناس عراة تماما، فالعنف والهستيريا والهذيان وعدم الاتزان تعم الشوارع والناس ينهبون الأدوية المنومة من الصيدليات لكن لا فائدة من كل هذا.
تصل جيل إلى المركز وتجد امرأة أخرى يمكنها النوم، وتصاب بالهلوسة وتفقد تركيزها كما يضرب الجنون فريق المختبر والحراس فيبدأون في إطلاق النار على الجميع. 
يهلوس نوح ويقطع سلكا ويصعق نفسه بالكهرباء، تحاول جيل وماتيلدا إنعاشه باستخدام جهاز الصدمات، وعندما يستيقظ يقول إنه يستطيع النوم وتدرك ماتيلدا أن سبب تمكنها من النوم هي وأخيها أنهما ماتا مؤقتا، فالموت لثوان يعيد ضبط الموجات الكهرومغناطيسية في الدماغ، وحينها يغرقان جيل في بحيرة ويعيدان إنعاشها وهي تستيقظ وينتهي الفيلم.
رعب أقل
خلال طرح الفيلم لفرضية كارثية: ماذا سيحدث إذا فقد البشر القدرة على النوم تماما؟ جاء التشويق ضعيفا ومملا في مشاهد كأنها مجتزأة من أفلام أخرى، فقد ظهر أناس يشبهون الزومبي يحاولون انتشال عائلة جيل من السيارة، وخرج مجرمون هاربون يمارسون العنف في سلوك يشبه شخصيات من فيلم "كتاب إيلاي" لدينزل واشنطن.

تثبت مبيعات التذاكر العالية لهذه الأفلام أن البشر يحبون مشاهدة خراب العالم 

كما أن حبكة القصة بشكل عام تلتقي مع فكرة فيلم "بيرد بوكس" للنجمة ساندرا بولوك الذي حقق نجاحا تجاريا وجماهيريا عاليا لنتفليكس، فالجوهر واحد في نهج الأم اليائسة التي تنقذ أطفالها من الشرور التي لا توصف.
حاول المخرج أن يمنح الفيلم نوعا من الأمل والإشراق من خلال إنقاذ الشخصيات من الغرق في الظلام حتى النهاية القاتمة، وإعطاء لمحة عن تجربة جيل الصادمة في زمن الحرب وعودتها المضطربة إلى الحياة المدنية، وإضاءة الغريزة الإنسانية تجاه العنف في أوقات الأزمات، وتعليق بجيل الشباب للذهاب إلى المستقبل، لكن هذه الأفكار كلها جاءت بشكل غير كاف لتكوين جوهر مميز أو مختلف على أقل تقدير عن أفلام نهاية العالم.
وعلى الرغم من صدق أداء رودريغيز، إلا أن أصغر ممثلة في الفيلم، غرينبلات البالغة من العمر عشر سنوات، دفعت بطاقة الفيلم إلى الأمام وأعطت اللحظات الصعبة جزءا من عاطفتها الطفولية الخاصة.
ومع أن فكرة الفيلم غير التقليدية التي تنهي حياة البشر على الأرض تمتلك ما يكفي من الغرابة، ولم يتم طرحها في عمل سابق، لكنها لم تقدم من الرعب والرهبة ما يجعلها ممتعة ومميزة وكافية لسلب النوم حقا من عيون المشاهدين.
ويستند الفيلم إلى فكرة لها أساس علمي حقيقي نقلها بأمانة، وهي أن الحرمان من النوم يجعل الناس سريعي الانفعال، كما أنه وفقا للدراسات يسبب تباطؤا معرفيا، ووقتا أطول لاتخاذ القرارات، وفقدان الدافع والبارانويا والذاكرة والتوازن وتغيرات الحالة المزاجية ومشاكل بصرية، بينما يعاني بعض الأشخاص من الهلوسة وحتى صعوبات في الكلام.

التمرن على القلق من مسافة آمنة
يقع الفيلم في قائمة الأعمال السينمائية الكثيرة التي تؤجج المخاوف الدفينة عند البشر من نهاية العالم، إذ استقطبت مواضيع كثيرة كالأوبئة والكوارث المناخية وارتطام النيازك بالأرض وظهور المخلوقات الغريبة والكائنات الفضائية اهتمام صناع الفن السابع، وخرجت عشرات القصص التي جذبت محبي هذه النوعية من الأفلام إلى الصالات المظلمة.
ولا يزال صناع سينما الرعب يعولون على القصص المتصلة بنهاية العالم لنجاح أفلامهم، مراهنين على انجذاب المشاهدين إلى فكرة زوال البشر جميعا في لحظة معينة تسمح لهم بالشعور بالخوف رغم أنهم في أمان.
وتتناول هذه الافلام بعمومها الإبادة شبه الكاملة للبشر، وتروج لفكرة أن نهاية العالم ستكون وشيكة بسبب انتشار وباء خطير يقضي على البشر وحضارتهم أو حرب عالمية تدمر الأرض عن بكرة أبيها، أو لعنة إلهية تصيب الناس لخطيئة ارتكبوها أو لأنهم لم يقدروا قيمة ما يملكون على الارض من نعم وخيرات.
ورغم قتامة هذه الحكايات إلا أن لها قاعدة جماهيرية، لكن ما الذي يجعل هذه الأفلام مغرية للمشاهدة؟
يفتتن المشاهدون بقاعدة لا تتغير في جميع هذه الأفلام: النهاية لا تأتي أبدا، فالعالم لا ينتهي حتى في القصص، صحيح أن ملايين البشر يموتون لكن هناك من يعيش والحياة تستمر على الأرض، فجميع القصص تبعث برسالة مفادها أننا "لم ننته بعد فهناك المزيد لنفعله".
الفكرة الجذابة أن البشرية لم ولن تهلك بالكامل، وهناك ولادة جديدة تأتي بعد كل كارثة تحل بالبشر، وهذا هو الأمل الذي يطرد رعب المشاهد المميتة في فانتازيات أفلام إبادة البشرية، حيث تسمح لنا هذه الأفلام بتخيل حياة جديدة والبحث عن طريق في أكثر الظروف كارثية، وإعادة البناء بشكل أفضل.
وتثبت مبيعات التذاكر العالية لهذه الأفلام أن البشر يحبون مشاهدة خراب العالم، ليعرفوا أو ليروا ما إذا كان بإمكانهم النجاة أم لا، فهي تجربة ممتعة للتدرب على القلق لكن على بعد مسافة آمنة، أو بعبارة أخرى تستكشف هذه الأعمال أسوأ مخاوفنا في مكان بعيد عن الخطر على الأريكة.