خالد حجار يذهب إلى مراكز الفعل لتفعيلها

اللون هو الحياة، قالها ابن السويداء مرة، لا كضرب من التقليد به يكتشف اهتمامه بما يمكن أن يكون عليه العالم ولو لم تكن هناك لغة، ولا كتحيز لتشكيل فهمه للعالم، ولا كلغة بوصفها ذلك الشيء الذي تقوم عليه الكينونة، بل كل ذلك معاً كمنظومة مفتوحة مفروضة عليه وعلينا، فطبيعته.

الوقوف في حرم التشكيلي خالد حجار (صلخد، السويداء 1973) ليس سهلاً، ولا بسيطاً، بل يحتاج إلى أحداق بوسع السماء، إلى أحداق مفتوحة إلى آخر مداها، يحتاج إلى قلب ينبض بكل قوته، فالصدمات قد تأتي على نحو مفاجىء وبدرجات عالية غير متوقعة، فكل ما في هذا الحرم يدعوك إلى أخذ الحيطة والحذر، من قساوة الشكل فيه، إلى حيونة الإنسان وتشوهه، فلا معيار هنا للكياسة والتهذيب، بل المعيار لكل ما هو فظ معززاً لعالمنا ولعوالم الحياة فينا وهي تنهش بأيدينا، وأشكال السجال تستكشف صلواتنا لآلهة تتعالى تشاؤماً وتدفع التاريخ قُدُماً بإتجاه أي مكان فيها اللحظات لا تنقضي، قد تمر لتلفح الوقائع ورصيدها، وقد توضع في سياق من المعنى أوسع، لكنها حتماً تميز خصائصها الفريدة التي تترتب عليها جانب من الممارسة التي تم تصورها على نحو أداتي، وهو حكم على كل شكل من أشكالها الواعية واللاواعية، بوصفها قائمة تستعيد الصوت المفقود، الصوت الحقيقي الأصيل، ولا شك أن الوقوف في هذا الحرم، أقصد حرم حجار ومدينته هو بحد ذاته جرأة ومحاربة القلق والخوف بكل أوزانه وموازينه، ومن الإنصاف القول بأنه حرم يدفعك إلى أقصى حالات التهيب والإستعداد وكأنك داخل إلى مدينة تم مسخ سكانها بكل مواصفتها وينبغي عليك أن أن تتسلح بكل عتادك وعنادك حتى تصل إلى ما تبغي الوصول إليه، فالتجربة بحد ذاتها هو فهم للدرك الذي بتنا فيه، وماذا علينا فعله كي نخرج منه، هذه هي المشكلة بدرجة ما وستبقى تقارع ذاتها زمناً ما حتى تتنبه الآلهة لصراخاتنا التي تموت في حلوقنا، التي من المنطق أن تهز العروش، لكن لا منطق في هذا الزمن الذي تجري به كل عمليات الإخفاء والحجب، الزمن المتهالك بكل عقاربه وبوصلاته، وكأنه يتمثل في تبيان الكيفية التي تنزع نحو إعادة التدوير، أو إعادة إنتاج كل هذا الخفاء من الأشكال.

يعي خالد حجار عالم الحياة النوعية، وتوتراته، وإغتراباته، لا من وجهة نظر المراقب، بل من وجهة نظر الفاعل الذي يقوم على استنهاض الإمكانية المتأصلة في عالم الواقع وتفعيله، الذي ينبغي عليه أن يحرك المقومات والخصائص المشتملة على التمايز المتزايد بطريقة غدت بها أشد تعقيداً، فهو ومنذ سنوات طويلة مضت وما يزال يذهب إلى مراكز الفعل لتفعيلها، إلى تلك المراكز غير المنفصلة وغير المستقلة والتي تندرج في إستلهام الحقائق عن طريق الإحتفاء بالحياة، فيجد نفسه متعلقاً بها من قمة البياض الذي يتنبأ بزخات من الألوان كمطر قادم من سحاب عابر، إلى ذلك النزيف الذي يرافق المكان وهو يخرج وليده وكأنه يطلق صوتاً فيه غمغمة، أو كان مكتوماً وحان وقت ولادته حتى تتحقق البشارة ويهطل المطر، وكسارد لبنية حاملة لدلالات عميقة وكأنه يقول بأن الحياة ستمضي ولا شيء يعكر صفوها مهما تلوث الإنسان ومهما حاول أن يرمي لوثته عليها، وبأن كل ما يحدث هو عابر، ولا يمكنه أن يحبط الإنسان في البحث الدائم عن سعادته وسعادة هذه الأرض، وهذه قد تكون إحالة مرجعية مستنبطة من السجل الطويل للخراب والتشويه الذي يتم والذي قد يمهد بجداريات حزينة في العمق الإنساني، لكن يبقى وضع اليد على الجرح بداية للتفكير في السير نحو الدواء، ولهذا مهما تقاطعت الأحداث داخل وقائع حجار فهي تؤسس حكايته التي يشتغل عليها بعشق مهما مضت نحو التعقيد، فهو ينسج فصولها بأحوالها وأهوالها، بانفعالاتها وردود أفعالها، وآلامه وآماله هو، بصوته الخاص بوصفه كائن قادر أن يسرد اعترافاته وأسراره، آرائه ورؤياه، صمته وصبره، حكمته وسكونه، صرخته ووجعه حتى تمضي الحكاية كقافلة حاملة لكل ما ذكرنا، نحو خزائن يحمل حجار مفاتيحها منذ عقود وقد حان لفتحها والتقاط كنوزها ونثرها لنا وعلينا.

اللون هو الحياة، قالها خالد حجار مرة، لا كضرب من التقليد به يكتشف اهتمامه بما يمكن أن يكون عليه العالم ولو لم تكن هناك لغة، ولا كتحيز لتشكيل فهمه للعالم، ولا كلغة بوصفها ذلك الشيء الذي تقوم عليه الكينونة، بل كل ذلك معاً كمنظومة مفتوحة مفروضة عليه وعلينا، فطبيعته / ها وأقصد اللون والحياة معاً تكمن في طابعها الحواري وفي ذلك القدر الرفيع من الأفكار التي يبلغها ليطرحها لاحقاً كحاجات ضرورية لمزيد من ضروب تناولاته المفصلة التي تمارس عليها تأثيرات مختلفة، وهذا ما يمكنه من استخدام اللون كحياة شديدة الإيحاء، متعلقة بمحتواها المتغير والتي تعبر عن حاجات غير واعية يمكن من خلالها فهم التغيرات الحاصلة على مستوى الحياة العامة وعلى مستوى الحياة الثقافية الأوسع حيث النظر إلى الأشياء لا تكون في فوريتها وآنيتها، بل بما تطرحه في طبيعة ذاتها، وهذه قد تكون لازمة الإنتاج لدى حجار مع لفت الإنتباه إلى ضرب من الحنين إلى أطروحات وأفكار تستمد أهميتها في إشاراتها وما تثيره تلك الإشارات من إفتراضات ترى بدورها أن سيرورة التغير هي التي ستحرر الفنان من قيود وضروب الروتين التفاعلية التي قد تحمل من الإيديولوجية الكثير، الأمر الذي يجعله يتعقب اللحظات كي يحررها بدوره من ألوانها كي تكون، فالإحساس هنا باللون يخرجه من مآزقه التي تقع فيه عادة، وهذا ما يدفع حجار لفهم العلاقات بين تدرجاته وبأنها مصدراً خصيباً للإنتاج دون أن يضطر حجار باللجوء إلى الإستخدامات المجانية للون، فهو يدرك تماماً بأن ذلك وأقصد الإستخدام المجاني للون يذهب باللوحة وبالفنان أيضاً، لهذا الدقة والتركيز والمسؤولية في استخداماته هي مشروعه في تجاوز ما أبداه أسلافه، ويبقى اللون هو الحياة، فإذا كانت الحياة فقاعة علينا أن نصورها قبل أن تنفجر، العبارة التي كتبت على إحدى استوديوهات التصوير في النجف في العراق حسب ما قاله الفنان العراقي سعدي الكعبي في إحدى لقاءاته، كذلك اللون علينا أن نحترسه من افتراضات زمنية ونعمد إلى إستكشافه في العمل الفني بمزيد من التفصيل، بمزيد من الشغف والحب، بمزيد من الرغبة في التوسع في فهمه.

هل نسمح لأنفسنا بغزوها بكل هذا الهم والحزن والتعب ونحن نبحر في عوالم حجار وأعماله، أهو الهم والحزن والتعب باتت علينا أمراً سهلاً، أم أن عوالم حجار المؤلمة هي التي تزيد في عدم مقدرتنا على ضبط مشاعرنا حتى نغدو عاجزين تماماً على تحمل تلك الآلام التي هي آلامنا في النتيجة، فليس غريباً أن يزداد نفوذ العاطفة فينا وفي مسالكنا كإنسان، وما يحاوله حجار هنا، عبر أعماله أن يفعله ليست لإعتبارات ضيقة معينة، بل لإبراز خصائص المأساة التي نعيشها جميعاً والتي تثير بحراً هادراً من المشاعر القاتمة التي قد تكون في حد ذاتها خطرة وضارة علينا، لكن لا مفر أمامنا، فالشعور بالرأفة والخوف والقلق له أهمية كبرى وعلى نحو أخص حين تكون ما قد تتضمنه تلك المأساة من عواطف، فلا شك أن التسليم لإفراط المشاعر أمام هكذا عوالم وأقصد عوالم حجار هو إفراط في كل شيء بما في ذلك إثارتها لذاتها، وفي هذه الحالة ليس من السهل أن نتهرب منها، أقصد أن نتطهر منها، بل من المستحيل أن نفعل ذلك، ففينا من المعاني ما يرمي إليه حجار، بل باتت وكأنها ضرب من طقوسنا اليومية، ولهذا من المؤكد أن ما يثيره من عواطف بطريقته الخاصة هو رد أو لنقل إنسجام مع تلك الطقوس، فلا يجوز إستبعاد أي بعد منها، فهو يعطي وأقصد حجار مادة ليست غريبة عنا، فيها من التشابه والتقاطع مع السائد فينا مقادير كبيرة وخاصة وكأنها طريقة لتطعيمنا كمتلقين عاطفة مماثلة كالتي في نفوسنا، رغم نزوعه إلى التجاوز الذاتي وخرق الدائرة التي يرسمها حتى لا يجد نفسه فجأة أسير تجربة بدأت تظهر ملامحها في تناقضاتها الداخلية، حتى يتجاوز المستمر بجمالية التجريب بوصفها مشروعية فنية، نحو الوجهة الإبداعية غير النمطية التي يصبو إليها، فكل حركة فيها هي محاولة للخروج عليها وتكريس جمالية بعينها، وهو يسعى إلى أن يوظف كل أشكاله وإن أثقلها حيناً بأشكال جديدة مغايرة تماماً بمقولاته التي ستكسو أعماله ضرباً من الألق الذي لم نعد نلقاه إلا نادراً.

زوم صغير:

من مواليد السويداء 1973

خريج كلية الفنون الجميلة، قسم الإتصالات البصرية - جامعة دمشق -عام 1995 .

شارك في عدد من المعارض المشتركة إضافة إلى سورية في كثير من الدول كفرنسا والمانيا وفنزويلا.

اول معرض فردي له كان بعنوان ( مع الروح ) عام 2019 .

يعمل كمصمم غرافيك حقق الكثير من الإنجازات في هذا المجال كتصاميمه المعتمدة في سورية للطوابع البريدية.