خلفيات التهديد بمفاعل آراك

يُقرأ بين سطور الموقفين الروسي والصيني عدم تشجيع طهران على التنصل من الالتزامات والتعهدات المفروضة عليها في اتفاق 2015.

انتظرت طهران انعقاد اجتماع فيينا (4+1)، لتعلن نيتها البدء في إعادة تشغيل مفاعل آراك النووي، وهو إعلان سبق وهددت به أوائل يوليو/تموز وأعطت أطراف الاتفاق الأربعة دون الولايات المتحدة وبالتحديد الطرف الأوروبي مهلة ستين يوما للتراجع عن الالتزام بالعقوبات الأميركية ضدها. وفيما خلص اجتماع فيينا إلى محاولة قراءة موضوعية لظروف الاتفاق النووي الإيراني عبر وصفه بالبناء، تميّز الموقفان الروسي والصيني باعتبار أن العقوبات الأميركية على طهران غير عادلة،وهو تصرف اعتادت واشنطن على اختباره في العديد من القضايا الدولية، ورغم ذلك يُقرأ بين سطور الموقفين الروسي والصيني، عدم تشجيع طهران على التنصل من الالتزامات والتعهدات المفروضة عليها في اتفاق 2015، وهي دلالة إضافية على إبقاء بيئة الاجتماعات قائمة عبر الاتفاق على اجتماع آخر على مستوى وزراء الخارجية بهدف التوصل إلى خرق ما، بعدما لم يتمكن المجتمعون في اجتماع فيينا وقبله جنيف من التوصل إلى آليات تنفيذية للتخفيف من الاحتقان على خلفية العقوبات.فهل التهديد بتشغيل مفاعل آراك سيغير المواقف لاحقا أم انه وسيلة ضغط إيرانية جديدة لإعادة تموضع أخر في مفاوضات لاحقة؟

في الجانب التقني للموضوع، بموجب اتفاق 2015، ينبغي على طهران عدم تجاوز تخصيب اليورانيوم عن مستوى 3،67 في المئة، الأمر الكافي لتوليد الطاقة، لكنه يقل كثيرا عن مستوى 90% المطلوب لإنتاج رأس نووي. على إن انتهاك مستوى 3.67%، يسهِّل عمليات التخصيب لمستويات أعلى، باعتبار أن بداية العملية هي التي تستغرق معظم الجهود. إذا إن التخصيب إلى مستوى 3.5%، يؤمن نصف العمل الذي يتطلبه إكمال العملية، وفي حال وصوله إلى مستوى 20% يكون قد تم الانتهاء من 80% من العمل عمليا وواقعيا.

أم بخصوص استئناف العمل في مفاعل آراك، فله آليات تقنية مختلفة إذ يعمل بواسطة الماء الثقيل، وهو المشروع الذي تمَّ وقفه بموجب الاتفاق النووي. نظرياً، فور تشغيل المفاعل سيكون قادرا في النهاية على إنتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه بديلا لليورانيوم في إنتاج سلاح نووي، وعمليا تعتبر هذه التقنيات والآليات أسرع من تخصيب اليورانيوم، إلا أن الأمر الأبرز هو الانتباه إلى زيادة تركيب أجهزة الطرد المركزي، بخاصة الطراز الأكثر تطورا مثل أي آر-2م. فقبل الاتفاق، كان لدى طهران حوالي 20 ألف جهاز طرد مركزي من مختلف الأنواع، وتمكنت من دمع نحو ثمانية آلاف كيلوغرام من اليورانيوم ضعيف التخصيب. وفي حال استخدام المياه الثقيلة في مفاعل آراك بعد تأهيله لذلك، وهو ما سيأخذ وقتا إضافيا، يمكن أن يقلص العملية إلى السبعة أشهر، وبالتالي إن كلتا الحالتين هي واحدة، إنما تختلفان لجهة حجم الوقت المستهلك للوصول إلى كميات محددة للتشغيل.

صحيح أن ثمة تصعيدا لافتا في ارتفاع منسوب التوتر خلال الشهرين الماضيين، بدءا من إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة، وصولا إلى حرب ناقلات النفط حاليا، إلا أن إبقاء الأبواب مواربة للوساطات ومن بينها الألمانية والفرنسية لاحقا، والعُمانية مؤخرا، تظهر حرص الإطراف على إتباع سياسات الاحتواء ودبلوماسية حافة الهاوية، بهدف عدم الانزلاق إلى مواجهات مباشرة وواسعة، وهي سياسات يجيدها معظم أطراف التصعيد في المنطقة.

وبصرف النظر عن حجم ومنسوب التصعيد القائم حاليا، يبدو أن إعلان طهران عن نواياها بخصوص تفعيل العمل بمفاعل آراك، لا يعدو كونه ورقة ضغط إضافية تلعبها في سياق التلميح للتملص من موجبات اتفاق 2015، ففي مجمل الأحوال إن فرصة الستين يوما التي أعلنتها طهران لا تتجاوز المطلوب عمليا لتفعيل مفاعل آراك الذي يستلزم وقتا إضافيا أكثر، وبالتالي إن هدف طهران الأساسي حاليا هو إجبار الجانب الأوروبي للالتفاف على العقوبات الأميركية، بخاصة أن الأطراف الأخرى لا زالت متمسكة بالاتفاق رغم الخروج الأميركي، إضافة إلى معرفتها الدقيقة، أن حفلات التصعيد القائمة هدفها جر طهران للتفاوض على برنامجها الصاروخي الباليستي، في وقت أعلنت إسرائيل عن نجاح تجربتها على صواريخ آرو 3 بمشاركة الولايات المتحدة في ألاسكا مؤخرا، وهي رسالة واضحة لطهران.