خلفيات زيارة اردوغان إلى موسكو

الوقائع قد تذهب بتركيا إلى خريف سياسي وميداني آت في الأزمة السورية.

تشكل زيارة الرئيس التركي إلى موسكو في الثاني والعشرين من اكتوبر/تشرين الأول، إعادة للتموضع السياسي والميداني بعد العدوان على شمالي سوريا، بخاصة وان تداعيات العملية كان لها الأثر غير المتوقع تركياً لجهة الحجم والنوع إقليميا ودوليا. فهل ستتمكن موسكو عمليا من لعب دور ما في الاتجاه التركي؟ وما هي قدرات التوفيق بين مصالح اللاعبين الآخرين؟.

في المبدأ، تلقفت موسكو الانسحاب الأميركي من سوريا باعتباره ورقة تعيد خلط الأوراق والتوازنات اقله في الأزمة السورية ناهيك عن تداعياته الإقليمية في غير ملف. ورغم أن هذا الانسحاب شكّل صفارة الانطلاق التركي تجاه الداخل السوري، إلا انه شكل أيضا مناسبة قوية للعب سياسة ملء الفراغ الذي تنتظره كل من دمشق وأنقرة وبمراقبة روسية لرسم حدود وقواعد الاشتباك والاستثمار السياسي والميداني اللاحق، إذ بدت موسكو حتى الآن هي الرابح الأكبر باعتبارها الممسك في العديد من أوراق الأزمة السورية وقدرتها على التأثير في اللاعبين الأساسيين والثانويين فيها. وعلى هذا الأساس تأتي زيارة الرئيس التركي في محاولة لامتصاص الضغوط الدولية وتداعياتها، لاسيما وأن الموقف الأميركي كان حادا جدا، وتوّجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب برسالة غير دبلوماسية فيها الكثير من العبارات غير اللائقة في التعامل الدولي، علاوة على الغضب الأميركي من إسقاط مشروع إدانة تركيا ودعوتها للانسحاب من شمالي سوريا في مجلس الأمن، ذلك بموقف ثنائي مشترك روسي صيني في مجلس الأمن.

وفي الواقع لا تعتبر المحاولة التركية سابقة في هذا المجال، فقد أدى التوتر بين أنقرة وواشنطن بعد محاولة الانقلاب العام الماضي مناسبة قوية للبعاد والفراق بين البلدين والذي استكمله كل منهما بسياسات وإجراءات قاسية من بينها العقوبات الأميركية على أنقرة وأثرها في تدهور العملة التركية علاوة على إلغاء العديد من صفقات الأسلحة التي ردت عليها أنقرة بشراء منظومة أس 400، علاوة على الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية والتجارية مع موسكو.

لكن على الرغم من كل ذلك التقارب الروسي التركي غير المسبوق، إلا أن حدود المساعدة الروسية من الصعب أن تكون متكاملة وفقا للرغبة التركية رغم قدرتها الفعلية على ذلك، فهي تمسك العصا من النصف وتحاول موازنة المصالح التكتية وبعض الاستراتيجية لدى الأطراف الآخرين، لاسيما وأن مطالب أنقرة في هذه الزيارة ذات الدلالات،سيتعدى تداعيات عدوانه في شرق الفرات ليشمل غربه وبالتحديد على سبيل المثال ملف إدلب التي تمسك في الكثير من مفاصله عمليا.

ثمة من يقول أن هناك الكثير من الوقائع قد تذهب بتركيا إلى خريف سياسي وميداني آت في الأزمة السورية، وبخاصة بعد مجريات العملية العسكرية الأخيرة ووصول الجيش السوري إلى الحدود الدولية مع تركيا في بعض المناطق، علاوة على إعادة تموضع قوات سوريا الديموقراطية بضغط روسي في الحضن السوري، ما يشعر أنقرة بحرج عملي لجهة عدم قدرتها على قراءة الصورة بشكل دقيق وطبيعة نهاياتها المفترضة تركيا. ولذا إن المطالب التركية المرتفعة السقف في موسكو ستتعامل معها هذه الأخيرة بنوع من الحذر الشديد لاسيما وان مجمل الدور الروسي يتكئ على جملة قواعد والتي لا تتقاطع مع القراءة التركية كمنصة جنيف وآستانة ومؤخرا اللجنة الدستورية وغيرها من البيئات السياسية والدبلوماسية المطروحة.

ثمة معادلة تركية ليست بالضرورة مرغوبة أو معلنة، مفادها أن كل ابتعاد عن واشنطن سيقابله تقرّب إلى موسكو، وهو أمر ليس بالضرورة رغبة تركية بقدر ما هو تمنٍ روسي، ورغم ذلك فموسكو قادرة على رسم محددتها السياسية وحجم تقديماتها للرئيس التركي في ظروف إقليمية ودولية محرجة جدا بالنسبة إليه. في المحصلة إن علاقة البلدين وطبيعة الزيارات الرئاسية المنقذة محكومة بعوامل وضوابط مؤثرة في حجم التجاوب الروسي للمطالب التركية وبخاصة بعد العدوان الأخير الذي يصعب تغطيته روسيا ودوليا بأكلاف عادية.