دارا ئستري يمضي في رحلته الأخيرة محملا بالحزن والأحلام

الفنان الكاريكاتوري محمد شيخ حمو يرحل باكراً حاملاً معه احلامه الصغيرة منها والكبيرة، دون أن يلامس إحداها.

من يحمل معنا كل هذا الحزن، أية أرض قادرة أن تحمل أحزاننا بمخزونها الكبير جداً حيث المواجع التي لا تنتهي حتى أغرقتنا تماماً،  أحزاننا التي تتدحرج معنا في هذه الحياة اللعينة، وتكبر معنا، وأية أرض تلك التي تكون قادرة أن تدفن في قلبها أحلامنا، أحلامنا التي لا تتجاوز حلم عصفور بامتلاك حرية الطيران، وحرية العودة إلى عشه آمناً، لا ينتظره قناص ما في زاوية معتمة، أحلامنا التي تستنطق بنا وبقدرنا، فقدرنا أن يكون الحزن مدينتنا السائدة، ننخرط فيها، وتنخرط بنا إلى حدود القطيعة، غير رؤوفة بنا، وغير رحيمة علينا، فأحلامنا تتسكع على أرصفتها دون أن يلتفت إليها أحد، ورغم ذلك بها نتنفس، بها نتعلق، بثمراتها المتناثرة على خارطة تأنس بنا، دون أن نحاول أن تجذبنا إليها وإن كانت من أطرافنا، نحن الغارقين حباً بها، حتى ولاداتنا تكون موجعة جداً، وقد تكون بعملية قيصرية، لا نلد إلا بمبضع جراح، والوليد لا يأتي طبيعياً، أخفها أن يكون بعين واحدة، فأفراحنا لا تكتمل، بل تأتي حزينة وعلى شكل فاجعة على أقل تقدير، وهذه الصورة الموحية إلى اللاحدود تذكرني بالمجموعة الأولى لشاعرنا الجميل الصديق لقمان محمود والتي عنونها أفراح حزينة، وأصدرها عام 1990 وكأنه كان يتنبأ بما مضينا إليه، هل كان يدرك من حينها أن قدرنا هو الحزن وحده، اللون الوحيد الذي سيلون قلوبنا وروحنا ووجوهنا وخطواتنا كلها، سيلون سنواتنا بذاته، وسمواتنا وكأن الشمس أغتيلت تماماً، والقمر تلبد به حتى نسي أغانيه، حقاً تدعونا الحكاية إلى الإنصات إليها جيداً بكل شحوبها وآثارها، وبكل محطاتها وخساراتها، بكل آلامها وآهاتها، أسوق هذا الكلام وأنا أقرأ نبأ رحيل الفنان الكاريكاتوري محمد شيخ حمو أو دارا ئستري الاسم الذي كان  يحب أن يعرف به في الوسط الثقافي والاجتماعي، وهو باللغة الكردية وتعني شجرة الشوك، أو العوسج بالمختصر، كان ذلك في 20-01-2025، يوم الاثنين، في احدى مستشفيات اسطنبول بتركيا، على أثر أزمة قلبية، عن عمر ناهز سبعاً وخمسين عاماً، كان حلمه لا أن يجمل الحياة والانسان فحسب، بل أن يعود إلى بلاده، إلى عفرين وكوباني وحلب ليسرد لكل مكان منها شوقه وغربته وحلمه، لكن القدر كان أسرع من الضوء ليخطفه وحلمه ويعود إلى أمكنته التي كانت تشكل دمه بكرياته الحمراء والبيضاء معاً في تابوت.

باكراً رحل دارا ئستري، حاملاً معه احلامه الصغيرة منها والكبيرة، دون أن يلامس إحداها، فكل تلك الأحلام بدءاً من إقامة معرض فردي لأعماله الكثيرة التي تناثرت هنا وهناك، في جعبة الأصدقاء، أو على صفحات التواصل الكثيرة، إلى رؤية برنامج تلفزيوني كان قد كتب نصوصها بلغته الكردية أولاً، وحين لم يجد من يتبناها، ترجمها إلى العربية علها تلاقي طريقها، لكنها أيضاً بقيت نائمة في الأدراج الحزينة، إلى حلمه في إسقاط النظام وتحرير البلاد من براثنه والعودة الآمنة إليها وعلى نحو أخص إلى مدينة كوباني التي ولد وعاش فيها والده، والتي هاجر جده من ريفها، من قرية طاشلوك إلى قرى منطقة الباب، إلى قرية البرج ومنها إلى حلب، حيث قضى طفولته فيها، في حي الصاغور الشعبي، واعتبرها بمثابة أمه، وإلى عفرين التي تعتبر بمثابة حبيبته، نعم كل تلك الأحلام حملها معه إلى قلب الأرض، القلب الأكثر دفئاً، والأكثر حناناً، والأكثر أماناً، والأكثر طيبة من قلوب البشر كله .

لم يكن ئستري على الحياد، ولم يكن مكتوف اليدين، بل كان فاعلاً في الحراك الثوري الشبابي ضد النظام السوري وأعماله منذ الخطوات الأولى له، كان من أوائل الذين خرجوا في المظاهرات السلمية في كل من مدينتي حلب وعفرين منادياً من أجل الحرية والكرامة، تحدث عن ذلك لأحد أصدقائه الذي قام بنشر مقتطفات منها في أحد المواقع الألكترونية ولنقرأ ما يقول : 

" عندما بدأت التظاهرات في تونس ومصر كنت متأثراً بها بشكل جيد وقتها بدأت معي مرحلة جديدة من خلال نتاجاتي وعندما بدأت التظاهرات السلمية في سورية إنخرطت بشكل مباشر معها وخاصة عملت الكثير من اللافتات والشعارات لأجل تظاهراتنا ورغم إنشغالي بالعمل الإجرائي إلا أن رسوماتي وأفكاري أترجمها مباشرة على ورقة بيضاء أو على قطعة كرتون وأضعها جانباً لحين إختمار الفكرة المراد منها لأعيد صياغتها فيما بعد بشكل جيد . ومنذ خروجي من سورية منذ 2013 إلى تركيا هرباً من الملاحقات الأمنية وأنا لم أتوقف عن الرسم مع العلم لم أستطع أن أقيم معرضاً فنياً فردياً أو جماعياً بسبب الظروف المعيشية بعد إستقراري بتركيا وبسبب التأثير السلبي على الحالة النفسية لي بسبب إنحراف  الثورة إلى العسكرة وفقدان أهدافها “

فئستري قال كلمته ومضى، قالها بالفم المليان كما يقال، إن كان على الأرض في مشاركاته في تلك المظاهرات السلمية، أو في ريشته الساخرة التي كانت جزءاً من روحه، ريشته التي كانت تشكل سلاحه الأقوى في التعبير عما يختلج في صدره من مواقف تجري على الأرض، وفي هذا الصدد لم يتأخر بالتوجه إلى إدانة تلك العسكرة، وإلى تعرية تلك الفصائل والأحزاب والشخصيات التي كانت تلعب وتتاجر بمصير الشعب السوري وبمصير ثورته، فكانت ريشته أقوى من طلقاتهم ومن مصالحهم، ومن سرقاتهم، لم يتهاون معهم ولم يضعف أمام دولاراتهم، فكانت ريشته حرة مثله تقول عنه وتكون لسان حاله في ميدان الحياة، وهو من الفنانين الكورد السوريين القلائل الذين يخضون هذا المجال الفني، أقصد الفن الكاريكاتوري، نذكر منهم ياسر أحمد، محمد سيدا، سعد حاجو، ديكو عنايت (الغائب الحاضر الذي يملك ما يؤهله أن يكون في الصف الأول في هذا المجال، ما عليه إلا أن يثق بريشته على نحو أكثر، وبأنها أكثر فعلاً وأثراً وخلوداً من الكلام السياسي العابر في الريح)، يحي سلو .... إلخ، فهذا الفن من الفنون السهلة الممتنعة كما يقال، يحتاج إلى روح مرحة وساخرة، ومتمردة، ناقدة في الآن نفسه، وكذلك يحتاج إلى الامتلاك الفكري الكبير وعمقه، ففن الكاريكاتور لا يعني التضخيم والتحريف في بعض الملامح والمعالم في الشخصية المرسومة، والاستهزاء بها إن كانت هذه الشخصية سياسية أو فنية أو اجتماعية، فحسب، بل أن يجمع بين الواقع والخيال إلى حد كبير، وبين السخرية والعمق الفكري والثقافي لكل ما يجري حوله وفي دائرته من أحداث سياسية مقرفة، وانسانية مؤلمة وموجعة، ملتقطاً أكثر لحظاتها دقة، غائراً بذلك في عمق المشاعر الانسانية، وئستري كان يملك كل ذلك مع إمتلاكه لخفة الدم، وسرعة البداهة، واللطافة الزائدة، وروح النقد والسخرية والاستهزاء، ولهذا جاءت أعماله مرايا لكل ما يجري في الواقع المعاش، عبر رموز ليست غامضة تماماً، وتصل إلى متلقيه على نحو سريع وبسيط، وهو الذي ابدع وابتكر شخصية المواطن الكردي "العم أوس" الكاريكاتورية .

دارا ئستري من مواليد حي الصاخور الشعبي بحلب عام 1968، درس الفن دراسة خاصة، ونشرت رسوماته في العديد من الصحف والمجلات العربية والكردية، وفيما بعد على الوسائل الاجتماعية المختلفة، شارك في الكثير من المعارض الجماعية لفن الكاريكاتير، منها المعرض الذي تم تقديمه بعنوان ( تعا ولا تجي ) في كل من مدينتي حلب وطبقة عام 1999، وساهم في تأسيس رابطة جرا الثقافية مع المرحوم عبدالرحمن عمر - بافي صلاح ( 1952-2016 ) الذي قال عنه الكاتب الكردي جليلي جليل حين زاره مرة " أنت كنز كبير، وكل الملاحم التي تغنيها أصيلة وبعيدة عن التشويه . " بحلب عام 2012، وأحياها لاحقاً في استانبول مع ثلة من أصدقائه وتحديداً في عام 2017، مارس العزف والموسيقا، وأسس فرقة موسيقية جوالة في استانبول، وكذلك كتب أكثر من سيناريو فلم، أنجز أحدها في استانبول ( كوندي حميكه ) مع مجموعة من أصدقائه بامكانيات متواضعة، لم يستكن ئستري، ولم تهزه الظروف الصعبة التي عاشها، فريشته اللاذعة، الساخرة، الحادة، وإيمانه الكبير بما يملكه من أحلام وإمكانيات وطموحات كانت تسبقه في اختصار كل ما كان يود في قوله، ولعل الإمعان في أحد أقواله والتي كتبها بالكردية أولاً، ثم ترجمها هو ذاته إلى العربية تلخص نظرته إلى الحياة والحب والجمال والانسان،

يقول: " الشفاه التي تسكب عسلاً

من الحرام ألا تمتصها 

و لو كنت بوضوء وصلاة " .

بعض الشهادات التي قيلت في رحيله : 

علي مراد (شاعر وفنان تشكيلي):

علي مراد
'انهضْ لنركلَ حرسَ الحدودِ ونزحفَ إلى حلب'

دارا كيفَ سترحلُ ونارُنا ما زالتْ مشتعلة ؟

انهضْ لنركلَ حرسَ الحدودِ

 ونزحفَ إلى/ حلب /، 

انهضْ لنحوّلَ الألمَ إلى لوحةٍ 

والواقعَ إلى صرخةٍ نبيلة. 

أبا علاء انهضْ، 

أقسمُ أنْ لنْ أقولَ بعدَ الآنْ أنّ الكاريكاتير

 هو الابنُ غير الشّرعي للفنّ التّشكيلي.

فقط انهضْ واقتربْ مسافةَ وطنْ..

انهضْ يا صديقَ القلمِ الحرّ،

ألم تقلْ أنّكَ ترى ما لا نراهُ،

دارا هل حقّاً سئمتَ البقاءْ ؟ 

وهلْ حقّاً صمتَتْ خطوطُكَ التي كانتْ تصرخُ في وجهِ البياضْ ؟

حيّ أنتَ فينا يا دارا 

كلُّ زاويةٍ رسمْتَ فيها تهتفُ لكَ الآن .

جان بابير (كاتب وروائي):

جان
'كنت الصوت المميز الذي عبر عن هموم وتطلعات المجتمع الكردي والسوري

دارا ئستري يغادر الحياة بهدوء 

رحلت باكراً أيها العزيز، وكانت لك أحلام كثيرة لم تكتمل. غادرتنا، لكن أعمالك الكاريكاتيرية ستظل تتحدث عن قضايانا الاجتماعية والسياسية بجرأة وسخرية. كنت الصوت المميز الذي عبر عن هموم وتطلعات المجتمع الكردي والسوري.

لم تقتصر إبداعاتك على فن الكاريكاتير فحسب، بل امتدت إلى مجال الكتابة، حيث أثريت الساحة الثقافية بأعمالك. كانت مسيرتك الفنية مثالاً للالتزام بقضايا المجتمع وهمومه، وها نحن اليوم نشعر بفراغ كبير برحيلك، فقد فقدنا فناناً حقيقياً، وصديقاً لا يعوض.

صلاح حميد (فنان تشكيلي):

 

صلاح حميد
'هناك في حضرة الله لا تخبره إن الطواغيت يرحلون واننا بكينا بفرح لذلك'

شو ياعيوني  على أساس نرجع على سوريا، ونموت هناك،  بعد ما نتختير جيداً، ونحكي لأحفادنا قصصنا التي لن يصدقوها .

الواحد مابيسلم عالتاني قبل مايروح هيك يادارا .

يا دارا

قبل أن تدخل هضاب عفرين وسهوبها

هز ذاك النعش بكتفيك وقل لحامليها انك تريد الترجل لأخذ آخر لفافة تبغ مع ذاك المنظر المهيب لعفرين .

أدر علبة التبغ للجميع ليسحبوها نفساً واحداً وشهقة واحدة .

قل لهم إن روحي تريد المشي معكم لأرى جسدي في راحته التامة بين أذرع أصدقائي وخلاني .

ضع بعض تراب عفرين في يدي جسدك لأنهم سيغلقون عليه بالإسمنت .

هناك في حضرة الله لا تخبره إن الطواغيت يرحلون واننا بكينا بفرح لذلك .. لاتخبره فهو يعرف ذلك كن معه مؤدباً كما أنت .. فقط اهمس للملائكة وقل إن المظلومين مازالوا بحاجته يريدون الرحمة منه.

قل لهم إنني وأصدقائي شهداء على كل شيء.

كان يشبهنا، بالرغم انه لم يتوصل لحل في إستجلاب دعم له من قبل بعض المؤسسات،كانت طاقته تدهشنا في السعي وراء نفسه ووراء همومه القومية بإنشاء مؤسسات تهتم بالفن على الأقل من خلال المحيط الصغير له، تارة يهتم بالموسيقى مع أصدقائه وتارة يهتم بالإخراج والكتابة وتارة بالرسم وكل هذا بعد أن كان ناسيا أنه رسام كاريكاتور يركض من أجل المحيط به وينسى نفسه وغالبا ماكان المحيط يخذله في الإعانة والدعم، ذهب إلى ثراه ولم يكمل مشروعه الأخير وهو إقامة معرض كاريكاتور. ذهب ولم يودع وكأنه يقول أنتم لاتستحقون وداعي.

 كان يقول لي ولسناء "كل منا يجد لنفسه مكاناً آمناً ..يلجأ إليه في الحياة، أنتما المكان الأمن خاصتي"

وكأننا حراساً لأحلامه، ولطفولته التي كان يحميها من ثقل النضج 

..هذا الإنسجام في علاقة الصداقة بيننا كان له بعد إنساني عميق صادق .محبة غير مشروطة مضيئة، ذو ملامح نقية ومعرفة عميقة ..كان قلب دارا مرهقاً في الأيام الأخيرة وأحتاج أن يهرب من صخب أفكاره لينتهز عزلته للعودة إلى رسم الكاريكاتير، ولكن الموت غدر بصديقي وأخذه بعيداً عنا ..كان مسرعاً أكثر منا ..ذهب إلى الرحمن الرحيم لأن الحياة لم تكن رحيمة معه، روح مضيئة وإنطفئت.

حسين جمو (صحفي):

رحل الصديق والفنان دارا ئستري.. العزاء لعائلته وأصدقائه، كنت في بدايات تحولي إلى مشروع كاتب وصحفي حين تعرفت في عام 2004 على مجموعة من الفنانين والمثقفين الكرد غريبي الاتجاهات (لا الأطوار)! في مرسم بحي الجابرية في حلب، قادني عمل صحفي إلى مجموعة شكلت تماسي الوحيد مع عالم التشكيل والكاريكاتير، وكيف استثمر هؤلاء الأشخاص المبدعون هواياتهم لتصبح معيشتهم وعيشهم من خلال العمل على تصاميم رسومات الملابس التي ينتجها الحلبيون. 

كونت صداقات عميقة مع هذه المجموعة،  أولهم الفنان والشاعر علي مراد. كان يتردد على المرسم (المشغل) شخص متحفظ تجاهي بعض الشيء، فنان الكاريكاتير محمد حمو أبو علاء المعروف بالاسم الفني (دارا ئستري - أي شجر الشوك). محادثات قصيرة كانت كفيلة بكسر "التحفظ السياسي" بيننا، فأصبحنا نتقاطع أنا وأبو علاء كصديقين لعلي مراد ورفاقه. 

في بدايات الاحتجاجات في سوريا عام 2011 شاهدت صورة مدهشة لأبي علاء في حالة دفاعية مسلحة في قريته الكردية بمنطقة الباب، قب الشيح، وهي من قرى عشيرة ديدان. أدركت أن المشترك بيننا كان أكبر بكثير لكننا لم ننفتح على بعضنا أيام الجابرية. ثم مضت سنوات ربما قاطع أحدنا الآخر. 

لاحقاً استقر دارا في تركيا، ولا أعلم لماذا لم يهاجر مثل معظم رفاقه ومحيطه. عمل خلال أيام اسطنبول في أعمال فنية. حاول تقديم "دراما كردية" شجعته عليها رغم أن ما أرسله لي مرة وجدته متواضعاً، لكن لم يكن سيئاً لتأسيس شيء غير موجود. كان مسكوناً بهاجس "المحلية الكردية السورية" ثقافياً وسياسياً، وتعريف هذه المحلّية كان جذر خلافنا وقطيعة أحدنا الآخر لسنوات بشكل متقطع. 

كان هذا الهاجس في المسلسل الذي أنتجه وصوّره ولم تعرضه أي جهة كردية. جرّب كادراً تمثيلياً من الأشخاص المحيطين به، بثقافة ولهجة محلية .

سألته قبل شهر عن حكاية الأب الكردي الذي نشره هو حين قرر الأب لحظة استلام ولده المحرر من سجن صيدنايا التخلي عنه والقول إن هذا الشاب المنكوب بالتعذيب ليس ابنه! وعدني بالبحث عن إجابة وتفسير لموقف الأب وإبلاغي إذا تمكن من ذلك.

عبدو خليل (من أصدقاء الراحل):

وين تركتنا يا دارا ئستري.. وين يا صديقي.. من اسبوع حكينا واتفقنا نرجع بأول الصيف لحلب.. نتسكع بالشوارع لآخر الليل.. نغني ونركض على حجارة الأزقة القديمة.. ونسب ونشتم بأقذع الألفاظ للديكتاور المقبور وابنه وكل حاشيته.. قلتلي راح نتفنن بالشتم.. ونمرق من جنب فرع الأمن السياسي بدون خوف.. نرفع أصبعنا الوسطى ونبصق على المبنى الكئيب  ونقلن رجعنا نشاغب... تتذكر لما رسمت كاريكاتير  لإبن الزنوة حافظ الأسد بنص الليل.. كنت مصر أعلقه بغرفتي.. خفت علي ومزقته.. قلتلي انت مجنون يا رجل..

وين رحت يا صديقي مو على اساس نرجع على عفرين ونتعلم صيد السمك.. وما نترك قرنة إلا نرجع نزورها ونتذكر ونتذكر قصص وحكايا.. قلتلي عندك حكي كتير.. كتير.. كتير بكرت يا صديقي...

علي شيخ حمو (من أصدقاء الراحل) : 

الأستاذ الكبير ورسام الكاريكاتير والسيناريست الكُردي وابن عمنا العطوف، محمد شيخ حمو (دارا ئستري ) 

هذه المرة لم أكترث كثيراً لوجودك في المشفى كنت أعلم بأنك الأقوى ككل مرة اجتزت فيها كل أزماتك القلبية، لأنك كنت تملك قلباً طيباً وقوياً .

لا الصور تكفي ولا الذكريات، كنت وستبقى منارة .

لا كلمات للرثاء يا دارا ئستري 

لا كلمات للرثاء يا شجرة الشوك العظيمة .البقاء لله، نسأل الله لك الرحمة ولأبنائك الصبر والسلوان .

جودي شيخو (يعمل في السينما):

كان يقول دائما بطريقة ظريفة ومضحكة:  بأنني سأموت (جتل) أي يعني قتل، هذا ما قالت له بأحد الأيام إحدى البصارات في سوريا، وكان يُكرر ذلك إلى درجة أنه كان قد صدقَ ما قالته البصارة نسبياً ويحاول أن يُقنعنا به...

كيف لي أن أنسى دارا الذي كان شاباً مع الشباب، طفلاً مع الأطفال وعجوزاً مع العجائز وإمرأة مع النساء، كان يتقن كل صفات الإنسان بجذورها الخَيِرة، كان بمثابة أب وعم لنا نحن الشباب الذين كنا نلتفُ دائماً حوله لمناقشة الأدب، السياسة والفن والحياة الاجتماعية و..

كنت أشعر بالأمان بجانبه، لم يكن ذاك الشخص الذي يطلب مِنك الاحترام إنما كُنت كإنسان تشعر بأنك مُجبرٌ على أحترامه لأن عدم أحترام دارا يعني أنك ستفقده وستفقد روحه الشبابية ولطافته وإنسانيته وعدا عن كل شيء بساطته وتواضعه كإنسان وفنان.

كنت أعمل معه على أحد مشاريعه الكتابية وأحاول البحث عن التمويل هنا في أوروبا، لقد كان سعيداً جدا عندما طرحت عليه الفكرة لأنه كان وقد دق باب الصغير والكبير، المنحط والشريف ولم يقبل أحداً أن يُمول عمله السينمائي، كُنتُ سعيداً جدا لأنهُ كان يشعر بالسعادة، لأنني أردت تقديم كل ما أملكه من جهد لِكي أن يتحقق أحد أحلامه بوضع الفن والسينما الكُردية في واجهة العالم.

و هنا في هذا المقطع ونحن نعزف معاً ez şahim delala min  كُنتُ أتعلم العزفَ من جديد.

و كيف لي أنسى عندما كُنا نغني في شوارع التقسيم وهو يعزف عفرين هاتو، وها هو الذي ذهب إلى عفرين وليس عفرين من جاء إليه، كم هو مؤلم يا أصدقائي فقدان دارا.

خورشيد خورشيد (من أصدقاء الراحل):

الصديق والقريب ورفيق الصبا 

تغمدك الله بواسع رحمته