دراسة: الانفتاح الإعلامي المصري لم يغير مضمون وسائل الاتصال 

محمد الحمامصي
محمود أحمد لطفي يرى أن برامج الرأي "التوك شو" المقدمة بالقنوات الفضائية التلفزيونية المصرية برز دورها في ظل ازدياد الحراك السياسي والاجتماعي في المجتمع المصري.
ارتفاع سقف الحرية المتاح لمناقشة الكثير من الموضوعات الشائكة
برامج "التوك شو" استطاعت منافسة نشرات الأخبار بشكلها التقليدي في تقديم عرض لأهم الأحداث اليومية المتعلقة بالشأن المصري
لا توجد فروق بين برامج الرأي "التوك شو" في الفضائيات المصرية – حكومية، وخاصة - في أطر معالجتها للأزمات الداخلية

يرى الباحث المتخصص في الإذاعة والتليفزيون د. محمود أحمد لطفي أن برامج الرأي "التوك شو" المقدمة بالقنوات الفضائية التلفزيونية المصرية برز دورها في ظل ازدياد الحراك السياسي والاجتماعي في المجتمع المصري وارتفاع سقف الحرية المتاح لمناقشة الكثير من الموضوعات الشائكة، وأثمر ذلك عن اهتمام الجمهور المصري بهذه البرامج، حيث تمكنت من فرض نفسها كبديل إعلامي جديد يستقي منه المشاهد معلوماته ويكّون آراءه واتجاهاته نحو الواقع المعيش والقضايا المثارة على الساحة السياسية ومصدراً أساسياً لمعرفة الجمهور المصري بالشئون العامة. كما استطاعت منافسة نشرات الأخبار بشكلها التقليدي في تقديم عرض لأهم الأحداث اليومية المتعلقة بالشأن المصري.
يدرس د. لطفي ويبحث في كتابه "برامج التوك شو.. وإعلام الأزمات" الصادر أخيرا عن دار العربي كيفية معالجة برامج الرأي في الفضائيات المصرية للأزمات الداخلية، ومعرفة الأطر المستخدمة، ومعرفة علاقة هذه المعالجة بتشكيل اتجاهات الجمهور المصري من خلال الوقوف على مجموعة من المتغيرات التي قد تؤثر في علاقة الإعلام بتشكيل الاتجاهات لدى الجمهور. محددا المشكلة البحثية في التعرف على الأطر التي تتبناها برامج الرأي "التوك شو" في الفضائيات المصرية أثناء معالجتها للأزمات الداخلية، ودراسة العلاقة بين هذه الأطر التي تقدمها برامج الرأي وانعكاساتها على تشكيل اتجاهات الجمهور، كما تختبر الدراسة مجموعة من المتغيرات التي قد تؤثر في علاقة الإعلام بتكوين الاتجاهات لدى الجمهور وهي: حجم التعرض، مستوى الاعتماد، مدى المناقشة، النوع، المستوى التعليمي، المستوى الاجتماعي الاقتصادي. وهي دراسة وصفية اعتمدت على منهج المسح باستخدامي أداتي تحليل الأطر والاستبيان. 

برامج الرأي تتميز باتخاذها بعداً جماهيرياً في النقاش، وقد ساهم في ذلك التطور التكنولوجي في البث التليفزيوني وإمكانية إشراك شخصيات من مواقع متعددة مع تعدد وسائل مشاركة الجمهور الفورية من خلال الاتصال التليفوني أو الفاكس أو التصويت عبر الإنترنت

ويؤكد د. لطفي أنه لا توجد فروق بين برامج الرأي "التوك شو" في الفضائيات المصرية – حكومية، وخاصة - في أطر معالجتها للأزمات الداخلية، مما تسبب في تضييق الأفق لدى المتلقي في الحصول على المعلومات من مصادر متنوعة، كذلك أغلب الأطر متشبعة برؤية النظام السياسي القائم ودعمه قلباً وقالباً، ويظهر ذلك جلياً في ضيوف البرامج حيث اعتمدت أغلب الحلقات على المتحدث الرسمي للوزارات والهيئات الحكومية. 
ويرى أن صعوبة إيجاد مكان للأصوات الناقدة في وسائل الإعلام التقليدية يزداد، فيما تستمر شبكات التواصل الاجتماعي في توفير منبر للآراء المهمّشة. حيث تعتبر أحد المنابر القليلة التي تُمكِّن النشطاء الساعين إلى التوصّل إلى حلول وسط من التعبير عن آرائهم. بهذا يكون الإعلام حراً على السطح، لكن جهات التمويل المباشر وغير المباشر تشترط سلفاً على وسيلة الإعلام والعاملين فيها خدمة مصالح وتوجهات معينة، وقد تخدم النظام السياسي بطرق مختلفة، بشكل مباشر وغير مباشر، وتساعد برامج هذه الوسائل الحكومات فـي تكوين رأي عـام حـول قضية مـن القضايا، وتسعى مـن خـلال ما تقدمه من معلومات إلى توحيد الناس خلف الحكومة.
ويشير د. لطفي إلى أن النظام الإعلامي في مصر شهد انفتاحاً نسبياً في السنوات الأخيرة، لكن هذا الانفتاح لم يغير مضمون وسائل الاتصال الأكثر جماهيرية - الراديو والتليفزيون - بحكم تبعيتها المباشرة للسلطة، التي تعتبر النظام الإعلامي نظاماً فرعياً لها، وظيفته الأساسية إنتاج مضامين الدعاية السياسية المطلوبة، ولو باستخدام نفس الأساليب الدعائية التي انتهت في أوروبا منذ ثلاثينيات القرن الماضي. 

كذلك الأداء الإعلامي يقلل المساحة المتروكة لوسائل الإعلام لتنشيط المشاركة السياسية للأفراد وقد فشلت هذه الوسائل في تصحيح صورة البيئة السياسية في مصر وتشجيع الأفراد على المشاركة، بسبب الافتقار إلى الدقة والسرعة في تناول الأحداث وتواضع مستوى المعالجات الإخبارية والإعلامية للقضايا السياسية المحلية والتزامها بالنهج الرسمي للسلطة، مما أفقدها القدرة على جذب الجمهور وأفقدها قدراً كبيراً من مصداقيتها، أيضاً حول برامج الرأي في الفضائيات المصرية ومدى اهتمامها ومعالجتها لقضايا الجماهير - المستهلك السياسي - ثبت تجاهل وغياب شبه كامل للآراء الخلافية ولقادة أحزاب المعارضة من خريطة ضيوف البرامج، إلا فيما ندر مما يحرم الجمهور من الاطلاع على العروض السياسية المختلفة في السوق.
ويقدم د. لطفي نتائج الدراسة الميدانية على عينة قوامها 400 مفردة من الجمهور العام في محافظات القاهرة باعتبارها العاصمة، الاسكندرية ممثلة لمحافظات الوجه البحري، أسيوط ممثلة لمحافظات الوجه القبلي، لمعرفة انعكاس أطر معالجة برامج الرأي للأزمات المصرية على اتجاهات الجمهور. 
ويقول إن عينة الدراسة التحليلية تحددت في تحليل أطر دورة برامجية "خلال شهور أبريل ومايو ويونيه 2015" لأطر برامج الرأي التالية: برنامج صفحة جديدة بقناة النيل لايف وبرنامج الحياة اليوم بقناة الحياة. ويكشف أنه "بالنسبة للأزمات الداخلية التي تم عرضها والتركيز عليها في برامج الرأي في الفضائيات المصرية عينة الدراسة جاءت مرتبة كالتالي:
- جاءت في المرتبة الأولى أزمة الأعمال الإرهابية والتفجيرات المتتالية بنسبة 31.5%.
- جاءت في المرتبة الثانية أزمة تفجير أبراج الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي بنسبة 21.5%.
- جاءت المرتبة الثالثة أزمة تأخر الانتخابات البرلمانية والخلافات بين الأحزاب بنسبة 18.5%.
- جاءت في المرتبة الرابعة أزمة تداعيات الأحكام القضائية ضد مرسي وقيادات الإخوان وقتل القضاة بنسبة 16%.
- جاءت في المرتبة الخامسة والأخيرة أزمة تلوث مياه الشرب والتعديات على نهر النيل بنسبة 12.5%.  

دراسة ميدانية
ارتفاع نسبة مناقشة الجمهور للأزمات المصرية الداخلية 

أما برامج الرأي في الفضائيات المصرية التي درسها د. لطفي ويشاهدها الجمهور عينة الدراسة، فجاءت كالتالي: في المرتبة الأولى: جاء برنامج الحياة اليوم على قناة الحياة، في المرتبة الثانية: جاء برنامج العاشرة مساء على قناة دريم، في المرتبة الثالثة: جاء برنامج على مسئوليتي على قناة صدى البلد، في المرتبة الرابعة: جاء برنامج 90 دقيقة على قناة المحور، في المرتبة الخامسة: جاء برنامج هنا العاصمة على قناة CBC، في المرتبة السادسة: جاء برنامج صفحة جديدة على قناة النيل لايف، في المرتبة السابعة: جاء برنامج البيت بيتك على قناة "10"، في المرتبة الثامنة: جاء برنامج جملة مفيدة على قناة MBC مصر، في المرتبة التاسعة والأخيرة: جاء برنامج من القاهرة على قناة النيل للأخبار (مصر الإخبارية).
ويضيف أن الدراسة الميدانية كشفت عن؛ أولا: ارتفاع نسبة اعتماد الجمهور المصري عينة الدراسة على برامج الرأي في الفضائيات المصرية للحصول على المعلومات أوقات الأزمات. ويمكن إرجاع أسباب ارتفاع نسبة الاعتماد على برامج الرأي في الفضائيات المصرية أوقات الأزمات إلى أن هذه البرامج تعمل أساساً على إتاحة حرية التعبير وإبراز الرأي حول قضية معينة ويتم نقل ذلك إما على الهواء مباشرة أو من خلال برنامج مسجل إلى الجماهير لتقديم المعلومات لهم عن هذه المشكلة أو القضية والتي تكون محل اهتمام عدد كبير منهم من خلال طرح آراء الضيوف المختلفة حول الموضوع محل النقاش. وأنها تشتمل على موضوعات تخص مشاكل الحياة اليومية من حوادث واضطرابات واعتصامات ومحاكمات، وقضايا سياسية مهمة ومصيرية (مثل الانتخابات والحريات والإصلاح السياسي والاقتصادي)، وموضوعات فنية وثقافية ورياضية وبعض الظواهر الاجتماعية المتنوعة، وبعض القضايا الدولية الطارئة.
ثانيا: ارتفاع نسبة ثقة الجمهور بالمعلومات حول الأزمات المصرية الداخلية التي يحصلون عليها من برامج الرأي في الفضائيات المصرية ويمكن إرجاع سبب ذلك إلى أن هذه البرامج تعمل على ازدياد وبناء ثقة المتلقي وقناعاته نظراً لإحساسه بالمشاركة وإنه يحصل على المعلومات والأخبار من مصدرها مباشرة دون وجود وسطاء لنقل الخبر، خاصة إذا كانت هناك تصريحات للمسئولين وردت على ألسنتهم أثناء المناقشة.
ثالثا: ارتفاع نسبة مناقشة الجمهور للأزمات المصرية الداخلية التي يحصلون عليها من برامج الرأي في الفضائيات المصرية ويمكن إرجاع أسباب ذلك إلى أن برامج الرأي تتميز باتخاذها بعداً جماهيرياً في النقاش، وقد ساهم في ذلك التطور التكنولوجي في البث التليفزيوني وإمكانية إشراك شخصيات من مواقع متعددة مع تعدد وسائل مشاركة الجمهور الفورية من خلال الاتصال التليفوني أو الفاكس أو التصويت عبر الإنترنت. فتسهم هذه البرامج في إثراء النقاش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني حول مختلف القضايا التي تهتم بالموضوع محل النقاش، وتشكل الحوارات مرجعاً يمكن الوثوق به في بعض القضايا التي تمس شرائح واسعة من المجتمع وتعمل بذلك على الخروج من عزلته إلى الانفتاح على المجتمع والاهتمام بقضاياه.