دراسة المستعرب مايكل كارتر لسيبويه في رسالة علمية
ناقشت كلية دار العلوم جامعة القاهرة رسالة ماجستير بعنوان "دراسة المستعرب مايكل كارتر لسيبويه- ترجمة ودراسة"، مقدمة من الباحث أحمد مجدي قطب وقد حصل الباحث من خلالها على درجة الماجستير بتقدير ممتاز.
في بداية الدراسة أكد الباحث أنه لا يخفى ما تحفل به الحضارة الإسلامية من ميراث زاخر أبدعته عقول علمائها على تعاقب القرون ومر الأحقاب، ولا جرم كانت علوم العربية أوفرها نتاجا، وأنورها سراجا؛ إذ كان لها السبق إلى النضج والاكتمال، والقدح المعلى من الدرس والاشتغال، فما من صاحب علم ديني إلا وقد ضرب بسهم فيها، وشارك في تحقيقها أهليها، إلى ما رقمه الناذرون أنفسهم لهذه العلوم - درسا، واستنباطا، وتحريرا، وتصنيفا، وجمعا، وشرحا، واختصارا - من أسفار يذهب بعادها الكلال والاستحسار، وتفنى دون إحصائها الأعمار.
وقد أقبلت طوائف من مستشرقي الغرب على دراسة الحضارة العربية: لغتها، وأدبها، وثقافتها، وتاريخها؛ لدوافع شتى وأغراض متباينة، وتصدوا لجمع مخطوطات التراث العربي وفهرستها، ثم تحقيقها ونشرها، حتى بعثت مؤلفات القرون الأولى من مراقدها، وصارت بأيدي العرب، ينهلون منها، ويصدرون عنها. وكان من المستشرقين لغويون كثيرون توفروا على درس العربية: تاريخها، وأصولها، ومسالك علمائها، ومنهم من أجاد الكشف عن مواطن خفية في العبقرية العربية، بصحة نظره وحسن توظيفه أدوات البحث اللغوي ومناهجه ونظرياته الحديثة.
كارتر تناول في بحوثه طائفة من الأسئلة والفروض المتعلقة بتاريخ النحو العربي ومنهج "الكتاب" وخصائصه
ومايكل كارتر أحد هؤلاء اللغويين الذين كرسوا جهدهم للتنقيب في التراث النحوي العربي واجتلاء خباياه، ولا سيما كتاب إمام النحاة، أبي بشر عمرو بن عثمان، المشهور بلقبه الفارسي: سيبويه، المتوفى عام 180 من الهجرة الشريفة، على أرجح الأقوال.
ولد مايكل جورج كارتر بإنكلترا في السابع من يناير/كانون الثاني عام 1939، ودرس الألمانية والفرنسية والعربية والفارسية في جامعة أكسفورد التي منح منها الدكتورية في النحو العربي عام 1968، عن أطروحته المسماة: (Sībawayhi's Principles of Grammatical Analysis)، أي: "مبادئ سيبويه في التحليل النحوي"، أو "أسس التحليل النحوي عند سيبويه"، بإشراف ألفرد بيستون، تلميذ مرجليوث المستشرق الشهير.
درس كارتر في جامعات سدني بأستراليا، ونيويورك بالولايات المتحدة، وأوسلو بالنرويج، وشارك كثير من المشروعات البحثية والمؤتمرات العلمية الدولية، ونشر عددا وافرا من البحوث والمقالات ومراجعات الكتب، وتولى تحرير إصدارات متخصصة في اللسانيات العربية وتاريخها. وقد انصب اهتمامه البحثي على تاريخ العربية وصلتها بالعقيدة الإسلامية، والفلسفة، والنظرية الفقهية، وكان له بسيبويه وكتابه عناية بالغة وشغف عظيم، حتى غدا ذكره في الغرب مقرونا بذكر سيبويه.
وقد تناول كارتر في بحوثه طائفة من الأسئلة والفروض المتعلقة بتاريخ النحو العربي ومنهج "الكتاب" وخصائصه، كالشخصية النحوية الأولى التي ينسب إليها ابتداع هذا العلم، وصحة المصنفات المنسوبة إلى من تقدموا سيبويه، والأخبار المروية في نشأة النحو، والباعث على تأليف "الكتاب"، وأهميته في سياق الثقافة العربية، وصلته بالعلوم الإسلامية ولا سيما الفقه والأخلاق، وقضية عروبة النحو والتأثير الأجنبي، وموقف المستشرقين منه، وتاريخ مصطلح "النحو" ودلالة وصف "النحويين" في "الكتاب"، وطبيعة إسهام الخليل ويونس فيه، وأصول مصطلحاته الفنية، ومعاييره التحليلية، واطراد منهجه، وتماسك حججه، ودور المخاطب والمقام في تشكيل الكلام، وأثر "الكتاب" في الخالفين، وسبق سيبويه بأساليبه التحليلية بعض علماء اللسانيات الحديثة.
وقد حاول كارتر أن يجيب عن الأسئلة التي تتناولها هذه القضايا بأجوبة مجانبة للتعسف والارتجال، معتمدا في سبيل الوصول إليها الموضوعية والدليل؛ فاستحق أن يكون من الفريق الذي نعته الدكتور صلاح الدين المنجد بأنه «أوتي الكثير من سعة العلم، والتمكن من العربية، والإخلاص للبحث، والتحرر والإنصاف، فكانت دراساتهم مثمرة، وأعمالهم مباركة، وكانوا جديرين بكل إجلال».
وقد توجت مسيرة كارتر هذا العام (2020) بمنحه جائزة الملك فيصل، في دورتها الثانية والأربعين، لفرع "اللغة العربية والأدب"، وموضوعها: "الدراسات اللغوية العربية باللغات الأخرى"؛ تقديرا لجهوده العلمية الممتازة على مدى خمسين عاما في دراسة الفكر اللغوي العربي والنظرية النحوية التراثية وكتاب سيبويه.
وهذا بحث بعنوان: "دراسة المستعرب مايكل كارتر لسيبويه - ترجمة ودراسة"، يتوفر على أطروحة كارتر المركزية المؤسسة، التي انبثقت عنها بحوثه اللاحقة عن سيبويه وكتابه، ترجمة ودراسة وتقويما.
وجاء البحث في مقدمة، وقسمين، وخاتمة، وفهرس للمصادر والمراجع.
أما المقدمة فتشتمل على بيان: طبيعة البحث وحدوده، وأهمية الموضوع وأسباب دراسته، والدراسات السابقة، وصعوبات البحث، ومنهج الترجمة والدراسة.
وأما القسم الأول فدراسة موطئة للترجمة كاشفة عنها، وهي تضم مبحثين: الأول: سيرة مايكل كارتر وبحوثه، وفيه مطلبان. والثاني: أطروحة كارتر، وهو ينشعب إلى خمسة مطالب: الأول: عنوانها وبنيتها. والثاني: فروضها وقضاياها. والثالث: ملحوظات عامة عليها. والرابع: مصادرها ومراجعها. والخامس: قيمتها عند الباحثين.
وأما القسم الثاني، وهو الأكبر، فيحوي الترجمة والتعليق، ويشتمل على سبعة فصول: الأول: سياق تأليف (الكتاب). والثاني: حال النقد الموجه إلى (الكتاب). والثالث: علم النحو والفقه. والرابع: (النحو) وعلم النحو. والخامس: مبادئ (الكتاب) ومعاييره. والسادس: «عشرون درهما». والسابع: خاتمة.
وتغيت التعليقات مضاعفة قيمة الترجمة، فعنيت بمناقشة مسائلها، ومد مباحثها، وتحقيق نقولها، وتوثيق مهملها، وإيضاح مبهمها، والتنبيه على أوهامها. وأما الخاتمة ففيها جملة من التوصيات العلمية، والمقترحات البحثية.