دراسة جديدة ترصد رحلة صعود إخوان مصر وسقوطهم

شرين فهمي تحدد العوامل التي تجعل بعض الفاعلين السياسيين ينجحون في الاستفادة من التغير الحادث في هيكل الفرص السياسية في مراحل الحراك الثوري.
الباحثة ترى أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر مثلت إحدى القوى السياسية التي وظفت هيكل الفرص السياسية المتاح لها بما وسع من نطاقه
رغم النجاحات التي حققتها جماعة الإخوان في مرحلة الحراك الثوري، ومكنتها من اعتلاء السلطة في مصر، فإن الجماعة لم تستطع الحفاظ على تلك النجاحات

يعالج هذا الكتاب "إخوان مصر.. بين الصعود والهبوط 2011 - 2017" أطروحة الدكتوراه التي تقدمت بها الباحثة د.شرين محمد فهمي إلى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ويدور موضوعها حول تحديد العوامل التي تجعل بعض الفاعلين السياسيين ينجحون في الاستفادة من التغير الحادث في هيكل الفرص السياسية في مراحل الحراك الثوري بينما لا ينجح البعض الآخر من الفاعلين في الاستفادة من هذا التغيير، وذلك بالاستعانة بمفهوم هيكل الفرص السياسية كأداة للتحليل، مع التطبيق على حالة جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي "حزب الحرية والعدالة" في مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2017. 
رأت الباحثة أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر مثلت إحدى القوى السياسية التي وظفت هيكل الفرص السياسية المتاح لها بما وسع من نطاقه، في مرحلة ما بعد انتفاضة 25 يناير 2011، في أعقاب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث حازت على أكثر المقاعد في انتخابات مجلس الشعب 2011 - 2012، ووصل مرشح حزب الحرية والعدالة "الذراع السياسية لها" د.محمد مرسي إلى مقعد رئاسة الدولة في الانتخابات الرئاسية بعد فوزه على منافسه الفريق أحمد شفيق، على نحو أدى إلى انتقال الإخوان المسلمين من جماعة معارضة إلى نخبة حاكمة، الأمر الذي يشير إلى حدوث تغيير في هيكل الفرص السياسية الذي كان قائماً في النظام القديم لنكون إزاء هيكل جديد للفرص السياسية.
وأضافت أن هذا التغير في هيكل الفرص السياسية لدى جماعة الإخوان لم يدم أكثر من عام، ظهر خلاله سوء إدارتها في شئون السلطة السياسية وضعف تحالفاتها مع القوى المدنية وعدم إدراكها تحولات مزاج الرأي العام فيما سمى في الأدبيات "ذهنية الإنكار". وقد قادت كل هذه العوامل السابقة إلى تغذية "البيئة القاعدية" المهيأة لاندلاع انتفاضة 30 يونيو 2013، التي ساندتها المؤسسة العسكرية، مما أدى إلى عزل الرئيس د.محمد مرسي وسقوط حكم الإخوان على نحو قاد إلى مواجهات عنيفة بين مؤسسات الدولة وبعض قطاعات المجتمع من ناحية، وجماعة الإخوان من ناحية أخرى، لدرجة أن مجلس الوزراء في مصر اعتبر جماعة الإخوان "جماعة إرهابية" في الداخل والخارج منذ 25 ديسمبر/كانون الأول 2013، بعد اتهامها بتدبير تفجير مديرية أمن الدقهلية، الأمر الذي يشير إلى تراجع "الفرص السياسية" لدى هذه الجماعة في الوقت الراهن.

أسئلة جديرة بإجراء المزيد من البحوث والدراسات التي تستشرف موقع جماعة الإخوان في إطار تطورات مستقبل النظام السياسي المصري، والسياقات الإقليمية المحفزة أو الضاغطة، بما يحدد مدى إمكانية التغير في هيكل الفرصة السياسية لهذا الفاعل

وأوضحت الباحثة أن نجاح الجماعة في التكيف مع المرحلة الانتقالية التي أعقبت انتفاضة 25 يناير بكل ما تحمله من سمات عدة، أكدت أن جماعة الإخوان كانت الفاعل السياسي الأكثر تنظيماً وحضوراً وتماسكاً على الساحة السياسية المصرية عند أول انتخابات تم تنظيمها. وقالت "أدركت الجماعة أن نجاح الانتفاضة سوف يكون نقطة تحول مهمة في مسار خبرتها السياسية حيث تبدأ ملامح هيكل جديد للفرص تتبلور على أنقاض هيكل الفرص السياسية القديمة بما قد يتيح فرصاً أكبر للقوى السياسية القادرة على خوض المنافسة بناء على قواعد اللعبة السياسية، وتلك القوى تسعى إلى "التموضع" بالشكل الذي يحقق لها أكبر درجة من النفوذ والتأثير في سياق المرحلة الانتقالية. ومن هنا وجدت جماعة الإخوان أن مشاركتها في الفعل الثوري قد تحقق لها الكثير من المكاسب والفرص، وفي هذا الصدد التحمت الجماعة وتضامنت بقوة مع مطالب الانتفاضة الشعبية من ناحية أولى، واستفادت كثيراً من حالة الانقسام التي اتسمت بها القوى الشبابية والأحزاب المدنية على مدار المرحلة الانتقالية حول كيفية جني ثمار الثورة من ناحية ثانية، ومن ناحية ثالثة، استفادت الجماعة من حالة الصدام بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحركات والائتلافات الشبابية إزاء بعض المواقف والقضايا المصرية، حيث استمالت كل طرف من تلك الأطراف بما يخدم مصالحها في المقام الأول.
ولاحظت الباحثة أنه رغم النجاحات التي حققتها جماعة الإخوان في مرحلة الحراك الثوري، ومكنتها من اعتلاء السلطة في مصر، فإن الجماعة لم تستطع الحفاظ على تلك النجاحات، فسرعان ما تحولت إلى فشل ذريع في ممارسات الحكم وذلك خلال فترة قصيرة تتحدد بعام واحد من يونيو/حزيران 2012 – يونيو/حزيران 2013، وذلك بسبب العديد من العوامل، والتي يأتي في مقدمتها سوء إدراك نخبة جماعة الإخوان ببدء تراجع فرص الجماعة وهي في السلطة، والذي ترجم بالتراجع المستمر في شعبيتها، وهي أمور كانت تكشف عنها توجهات الرأي العام المصري بشكل دائم، نتيجة عدم تحقيق الجماعة أي نقلة نوعية ملموسة، على صعيد جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، بل زادت حدة المشكلات التي يعاني منها المجتمع المصري مثل البطالة، والفقر والفساد، وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وتصاعد أزمة الطاقة بالبلاد وشيوع حالة من عدم الاستقرار.
وأوضحت أن الرئيس مرسي قد بالغ كثيراً في الوعود الانتخابية التي قطعها، مما رفع من سقف توقعات المواطنين، فضلاً عن أن برنامجه الانتخابي ثبت أنه برنامج عام وفضفاض وغير صالح للتطبيق، بالإضافة إلى مضي الإخوان في تنفيذ سياسات التمكين أو ما عرف اصطلاحاً بـ"الأخونة" التي انتهجها الإخوان للهيمنة على مفاصل الدولة وإحكام السيطرة عليها، ناهيك عن توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، والذي أوجد انقساماً سياسياً واجتماعياً حاداً في البلاد.
وأضافت الباحثة أن هذا الإعلان فجر خلافاً عميقاً بين الرئيس والسلطة القضائية، وذلك بسبب تضمنه مواد تحمل في طياتها استهدافاً لاستقلال القضاء، حيث حوى الإعلان تحصيناً للجمعية التأسيسية للدستور، ومجلس الشورى من الحل، بما يجرد السلطة القضائية من اختصاصها الأصيل في الرقابة القانونية من جانب، ويتغول على الفصل بين السلطات من جانب آخر كما رافق الإعلان هجوم من الرئيس مرسي على القضاء خلال خطابه للمتظاهرين أمام قصر الاتحادية، إذ وجه اتهامات مبطنة، وأخرى مباشرة للقضاء بالتربص، وتسريب الأحكام، وهو الذي ذهب إليه قيادات الإخوان الذين اتهموا القضاة وخاصة المحكمة الدستورية بإصدار الأحكام وفقاً لأهوائهم السياسية.
وأكدت أن العلاقة بين الإخوان والأجهزة الأمنية توترت بالمثل بسبب رغبة الإخوان في التدخل في مهامها ووظائفها من أجل قمع معارضي الإخوان، وهو ما اتضح من خلال تعليمات الرئيس مرسي المستمرة لوزارة الداخلية بضرورة التدخل بالقوة والحزم لوقف التظاهرات المعارضة لحكم الإخوان، يضاف إلى ذلك، صدام الإخوان مع المؤسسة العسكرية، فالجيش كان يسعى إلى دور الوساطة بين الرئيس مرسي ومعارضيه ولكن كان هناك رفض من قبل مؤسسة الرئاسة لقيام الجيش بأي دور سياسي، ولم تكن أحداث "الاتحادية" الحالة الوحيدة التي عكست علاقة التصادم والمواجهة بين الطرفين، فقد بدأت هذه العلاقة تتضح فعلياَ منذ شهر يوليو/تموز 2012 حتى بعد اندلاع أحداث 30 يونيو/حزيران 2013، وخلالها حدثت بينهما تصادمات ومواجهات عدة على عدد من القرارات والإعلانات الدستورية، ومن ثم جاءت أحداث الاتحادية لتؤكد للجيش عدم رغبة الإخوان في التوافق مع القوى المعارضة، ولكن الرغبة في التصعيد من خلال السيطرة على السلطة. ومنذ ذلك الحين انخفضت شرعية مرسي كرئيس لأنه اعتبر في نظر الكثيرين متحدثاً باسم جماعة الإخوان، بالإضافه إلى أنه ممثلٌ لها في الاستيلاء على السلطة، أكثر من كونه رئيساً لجميع المصريين، كما تزايدت الاتهامات الموجه إليه بشان دوره في "أخونة" المناصب الحكومية العليا. 

وهناك اتهامات بالتلاعب أو الإضافة إلى عدد مقاعد البرلمان المخصصة لبعض الدوائر الانتخابية من أجل محاباة الدوائر الانتخابية في الريف، حيث تحظى الجماعة بشعبية أكبر وقد أدى انعدام الثقة هذا، بالإضافة إلى تفاقم حدة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة تآكل شرعية الرئيس، الأمر الذي هيأ البيئة القاعدية لاندلاع إنتفاضة 30 يونيو بهتافات تركز على إسقاط حكم الإخوان ومنها "يسقط يسقط حكم المرشد". في إشارة لمنهج أخونة الدولة وطالبت الرئيس مرسي بالتنحي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وكشفت الباحثة أن الجماعة تصرفت وهي في الحكم كجماعة معارضة وليست كنخبة سياسية حاكمة، وتناست تماماً عدم الفصل بين أسلوب إدارة الجماعة وأسلوب إدارة الدولة، إذ لم تنجح قيادات الإخوان في التحول من قيادة الجماعة أو حزب "الحرية والعدالة" - الذراع السياسية للجماعة - إلى قيادة الدولة، ويعني هذا أنها ظلت تحكم وتدير الدولة بعقلية ومنطق الجماعة، مخالفة بذلك ما تضمنه دستور البلاد (2012) من مواد تشمل بنوداً تشترط على أي مرشح لمنصب رئيس الجمهورية وله انتماء حزبي عقب اعتلائه السلطة أن يتوقف مباشرة عن ممارسة أي نشاط حزبي ويقطع علاقته بالحزب المنتمي إليه، أي إلغاء فكرة الولاء الحزبي، لأنه أصبح ممثلاً لعموم الشعب الذي انتخبه.
وتابعت أن الأخطاء العديدة التي وقعت فيها الجماعة وهي في الحكم، مثلت في طياتها أسباب تراجع فرصها في الاستمرار في الحكم. علما بأن تلك الجماعة قد كانت الفاعل السياسي نفسه، الذي تعددت العوامل التي ساعدت على تعاظم فرصه السياسية في مرحلة الحراك الثوري، للدرجة التي مكنته من اعتلاء السلطة، وهو الهدف الذي كانت تطمح إليه جماعة الإخوان منذ سنوات طويلة، بما يعني أن الفاعل السياسي واحد وهو جماعة الإخوان المسلمين، ولكن تعددت وتنوعت عوامل صعود وهبوط الفرص السياسية للفاعل نفسه خلال مرحلتين مهمتين على مدى التاريخ السياسي للجماعة، الأولى مرحلة الحراك الثوري التي شهدت صعود نجم الإخوان على الصعيد السياسي على إثر العديد من العوامل والمحددات. أما الثانية فهي مرحلة حكم الإخوان التي شهدت أفول نجم الإخوان على الصعيد السياسي على إثر أيضاً العديد من العوامل والمحددات، الأمر الذي أكد حقيقتين رئيسيتين وراء فشل الإخوان في الحكم، تتمثل الأولى في عدم حرص الإخوان على الحفاظ على الفرصة الثورية التي أتيحت لهم بعد 25 يناير والتي أهلتهم للوصول إلى السلطة، بينما تمثلت الحقيقة الثانية في عدم إدراكهم الجيد لبدء تراجع فرصهم السياسية وهم في الحكم، على النحو الذي عكسته بوضوح توجهات الرأي العام المصري، فضلاً عن تصادم الجماعة مع القضاء والإعلام والمؤسسة العسكرية، وأيضاً صراع الجماعة مع مختلف القوى السياسية المدنية والثورية والإسلامية.
وختمت الباحثة بطرح عدة تساؤلات بشأن استشراف مستقبل الجماعة في التفاعلات السياسية في مصر، تمثلت في: هل ستبقى جماعة الإخوان في شكل رمزي سواء سريا أو علنيا، بحيث لن تحوز مرة ثانية القوة والتأثير في تطورات النظام السياسي المصري؟ أم ستنقسم وستتفتت بحيث ينهار الشكل التقليدي لجماعة الإخوان لتظهر جماعات عدة أو تنظيمات صغيرة إما تلتزم المنهج التقليدي للإخوان في الدمج والخلط بين الدعوة والسياسة أم تلتزم الدعوة وتجمع بين التصورات التنظيمية للإخوان وبين الأفكار السلفية، أم التحاق بعض مجموعات وأفراد الإخوان بتنظيمات تكفيرية إرهابية؟ ثم ما العوامل التي يتوقع أن تؤثر على كل واحد من هذه الاحتمالات؟ هل تكون الأولوية لاعتبارات التغيرات داخل جماعة الإخوان نفسها؟ أم تكون للتطورات الخاصة بسياسات الدول الداعمة لها في الخارج "تركيا وقطر"؟ أم تكون للتطورات الحادثة في هيكل النظام السياسي المصري؟ 
إن هذه الأسئلة جديرة بإجراء المزيد من البحوث والدراسات التي تستشرف موقع جماعة الإخوان في إطار تطورات مستقبل النظام السياسي المصري، والسياقات الإقليمية المحفزة أو الضاغطة، بما يحدد مدى إمكانية التغير في هيكل الفرصة السياسية لهذا الفاعل.