رؤية جديدة للشعر العباسي

الباحث علاء نجدي أبوالمجد نجدي قدَّم دراسة بعنوان "سلطة النسق في الشعر العباسي – دراسة ثقافية"؛ بهدف تقديم رؤية جديدة للشعر العباسي.
رؤية الباحث تأتي من خلال آليات منهج نقدي حداثي هو النقد الثقافي
المنهج النقدي يهتم بربط الأدب بسياقه الثقافي

أكد الباحث علاء نجدي أبوالمجد نجدي أن الحقائق الأدبية الثابتة، وأن الأدب في أي عصر ومجتمع، يأتي صدًى لما يدور فيه من الثقافة والفكر والحضارة، وما يحدث في هذا المجتمع من دعوات إصلاحية، وثورات فكرية، ويترجم ما يعتمل في صدور جماعاته وأفراده من أفكار وأحاسيس، ومرآة تعكس ما يصيب قيمه ومثله، من تحول أو تطور، ومن المؤكد أيضًا أن البيئة العربية في العصر العباسي قد شهدت الكثير من مظاهر التغير الفكري والتطور الحضاري، وقد بلغ هذا التطور مبلغًا لفت الأنظار وغطى على كثير من مظاهر البداوة والجاهلية التي ميزت حياة العرب قبل الإسلام، والذي لا شك فيه أن هذا التغير الثقافي والفكري والحضاري قد انعكس على الشعر في العصر العباسي، فتأثر به وتمثله.
ومن هذا المنطلق قدَّم الباحث دراسة بعنوان "سلطة النسق في الشعر العباسي – دراسة ثقافية"؛ بهدف تقديم رؤية جديدة للشعر العباسي، من خلال آليات منهج نقدي حداثي هو النقد الثقافي الذي يعد واحدًا من أحدث الاتجاهات النقدية التي صاحبت تيار ما بعد الحداثة في عالم الأدب، وهذا المنهج النقدي يهتم بربط الأدب بسياقه الثقافي؛ ويهدف إلى تفسير المنتج الأدبي وفق الثقافة التي أنتجته، من خلال عملية التفاعل بين النص ومرجعياته الثقافية.
وقد زاد من قيمة تطبيق تلك الدراسة وفق آليات النقد الثقافي أن العصر العباسي كان فترةً تاريخيةً شهدت حراكًا سياسيًا واجتماعيًا وحضاريًا كبيرًا، إلى جانب حالة التلاقي الحضاري والمثاقفة مع الحضارات المعاصرة لتلك الحِقْبة، فضلًا عن التلاقي والاحتكاك بأبناء الثقافات الأخرى، مما يجعل تطبيق النقد الثقافي أداة مهمة وحيوية لكشف مظاهر النمو والتطور الثقافي والحضاري، وتجلية تلك المظاهر من خلال الأنساق المضمرة في بنية النص الشعري العباسي.
تتكون الدراسة من مقدمة وتمهيد وأربعة فصول، وخاتمة، وثبت بأهم المصادر والمراجع.  

Research
آليات النقد الثقافي 

التمهيد: تناول – بإيجاز – النقد الثقافي؛ تعريفه ونشأته، وأهم ملامحه.
الفصل الأول عنوانه: "الهوية والاختلاف"، وهو يتكون من أربعة مباحث، أولهم يتناول (الهوية)، وفيه الحديث عن ملامح الهوية العربية، وقد كان النسب أول هذه الملامح، ثم اللغة وملامح الوجه ولون البشرة باعتبارهم ملامح تسهم في تشكيل الهوية العربية.
أما المبحث الثاني: (تمثيل الآخر)، فيتناول ملامح تمثيل الآخر/غير العربي (الفرس، الروم، النبط، والترك والديلم)، ثم الحديث عن التمثيل المضاد، حيث حديث الآخر/غير العربي عن نفسه، وفي المبحث الرابع الحديث عن تمثيل المرأة باعتبارها: (المرأة/الجسد/المتعة، المرأة/الغواية، المرأة/الشر، المرأة/القينة، المرأة/ التابع).
وجاء الفصل الثاني: "المثقف والسلطة"، يتكون من مهاد نظري وأربعة مباحث، تناول المبحث الأول (قدسية الحاكم)، حيث إضفاء الشرعية والقدسية على الحاكم باعتباره (ظل الله).
أما المبحث الثاني (نسق المهادنة) فقد كشف الأنساق المضمرة التي تشير إلى تبعية الشاعر للحاكم، وإعلان ولائه ومبايعته، والسير في ركابه، وتأييده تأييدًا مطلقًا مما أسهم في صناعة الحاكم الطاغية، وهو موضوع المبحث الثالث (صناعة النموذج)، المبحث الرابع (السلطة والهامش)، تناول البحث في الأنساق الثقافية المضمرة التي تكشف طبيعة العلاقة بين السلطة والهامش.
والفصل الثالث: "النسق الاجتماعي" يتكون من ثلاثة مباحث، المبحث الأول: يتناول (خطاب التملق)، حيث تملق الشعراء للممدوحين بهدف نوال عطاياهم وجوائزهم، وقد تمثلت ملامح التملق في (المبالغة في المدح، تقلب الشعراء وتبدل مواقفهم وآرائهم، الصفقة الثقافية، وانقلاب الشعراء على ممدوحيهم).
أما المبحث الثاني: فيدرس (خطاب الهيمنة) من جانب الشعراء بهدف السيطرة على الآخر من أجل ابتزازه ونيل أمواله. والمبحث الثالث يدور حول (خطاب التسول)، حيث دخول الشعراء على الأثرياء في صورة متسولين بأشعارهم وسائلين العطاء والأموال من سراة القوم. وفي المبحث الرابع (خطاب التعالي) دراسة للأنساق المضمرة التي تبرر التعالي على الآخر، وإثارة العصبيات القبلية والقومية في المجتمع.
والفصل الرابع: "سلطة النسق"، ويتكون من مهاد نظري ومبحثين، المبحث الأول بعنوان (فاعلية النسق الفني)؛ حيث دراسة مجموعة من التقاليد الفنية التي سار عليها الشعراء في بنية القصيدة العربية، وقد كان كل من (عمود الشعر العربي، والتزام اللغة الفصيحة الجزلة، والوقفة الطللية) من أهم ملامح هذا النسق، باعتبار هذه التقاليد نسقًا ثقافيًا يرمز إلى الموروث الثقافي والحضاري العربي الذي التزمه الشعراء في الشعر الرسمي (المديح والرثاء).
وفي المبحث الثاني دراسة ملامح (تفكيك النسق) حيث شهد المجتمع العباسي تطورًا حضاريًا وثقافيًا، وقد كان الشعر مرآة عاكسة لهذا التطور، فشهد الشعر العباسي ملامح الخروج على التقاليد الفنية الموروثة، وتطوير القصيدة من حيث (الخروج على التقاليد المتبعة في بنية القصيدة ومقدمات القصائد، واللغة التي اقتربت من لغة المحدثين في العصر العباسي) وقد تمثَّل ذلك التجديد في الشعر ذي الطابع الشخصي (شعر الخمر والفخر والهجاء والغزل).
وقد انتهت الدراسة بخاتمة، ذكر الباحث فيها أهم النتائج التي توصل، وأخيرًا ثبت بأهم المصادر والمراجع.
نوقشت الرسالة في كلية دار العلوم جامعة الفيوم، وتكونت لجنة المناقشة والحكم عليها من الأساتذة دكتور سامى سليمان والدكتور عادل ضرغام والدكتور محمد أبوالمجد والدكتور عبدالمنعم أبو زيد، وحصل الباحث من خلالها على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى.