رسالة عتب الى السيد عادل عبدالمهدي

لا يمكن لمسار أن يتحقق حين يحس المخلصون في جهاز الدولة بأنهم مهددون في وظائفهم وأرزاقهم.

اعرف رئيس مجلس الوزراء الاستاذ عادل عبدالمهدي، منذ مدة ليست قصيرة، كمتابع للحالة العراقية. لكن هذه المعرفة، اتسعت وتوسعت، من خلال قراءتي لاحقاً لأعمدته الصحفية، ومقالاته الاقتصادية وكتاباته الاجتماعية المختلفة ذات الابعاد الاصلاحية، لاسيما التي كانت تنشرها له صحيفة "العالم" البغدادية، واطلعُ عليها كل صباح، حيث يقع مبنى المجلة التي أرأس تحريرها، ملاصقا لمبنى الصحيفة. كانت تلك المقالات تنبئ بوجود رؤية جديدة، وطروحات لم نعتدها من رجال السياسة في وطني. ومرات عدة، ابلغتُ شقيقه د. باسل عبدالمهدي، في مناسبات جمعتنا، بفرحي ازاء طروحات الاستاذ عادل عبدالمهدي .

كان الرجل، بعيدا عن المواقع التنفيذية بكل مسمياتها، حيث عًرف بالزهد في تلك المناصب، التي كان يستقيل منها، حال شعوره بأنها لم تلب طموحاته وتنسجم مع رؤاه. وكم تمنيتُ في حينها ان يدور الزمن دورته، فيتسلم الاستاذ عادل عبدالمهدي، موقعا تنفيذيا رئيسا، ليحقق ما كان ينادي به. وفعلا تحققت الامنية، واصبح المنظّر والكاتب الاصلاحي عبدالمهدي، الرجل التنفيذي الاول في الدولة. وكلي امل بانه سيمضي بمشروع اقتصادي انمائي واسع الاهداف، مبني على الواقع، ذلك ان الاقتصاد الحديث بات مشاريع متكاملة، وتصورات استراتيجية لآماد قصيرة ومتوسطة وطويلة، تحتاج الى دراسات معمقة للإمكانات وللأهداف المرجوة. ومثل هذه الدراسات لا تكون من فعل أشخاص أو أفراد، لأنها تتعدى قدراتهم وامكاناتهم، بل هي عادة ما تكون من عمل مؤسسات رصينة، انتمائها للوطن وحده، بعيدا عن المحاصصة، تعكس تصورات ومشاريع تصب في هدف واحد معروف ومحدد سلفا.

غير ان امنيتي اعتراها سراب وغموض، جعلاني اكتب هذه السطور، وهي رسالة عتاب الى المسؤول التنفيذي للدولة بانه وفي ضوء ما معروف عنه من خلال كثرة مقالاته وتنظيراته وافكاره التي كان يطرحها ما خلق تصورا بانه سيكون صمام أمان لتحقيق الكثير ومنها عدم الذهاب الى المحاصصة والحزبية والرضوخ لرأي الأحزاب في اختيار المناصب، حتى باتت الدولة العراقية في خطر كبير في ضوء ما نشهده من تحاصص، وان موظفي الدولة وكفاءاتها يعيشون اجواء "رعب" حقيقي مما يسمعوه، ويرونه من إجراءات. ان الخوف على مستقبل البلد ومستقبل ابناءه يحتم علينا القول بكل صراحة: ان المسؤول التنفيذي الاول، تقع عليه مسؤولية جسيمة وتاريخية، وان التاريخ لا يرحم.

سيدي رئيس الوزراء.. ان الارتباك والخوف يعتري في هذا الوقت الذي اكتب لك فيه، آلاف الموظفين، فخوفهم من "حرق الاخضر بسعر اليابس" يجعلهم مثل ريشة في مهب ريح عاتية، لاسيما عند الموظفين الاكفاء، الذين رأسمالهم النزاهة، وحب الوطن، والسعي لتطوير ادوات عملهم، ولهم مواقف مشهودة في الرقي المهني والانساني. فمعروف ان الاستقرار الوظيفي والقيمي، هو رابط أساس للناس بدولتهم. وكلما زاد هذا الارتباط المجتمعي بالدولة كلما زادت مناعة الدولة وقدرتها. وكلما تراجع، ضعفت الدولة والنظام لمصلحة المحاصصة.. وهنا يقع بيت الداء!

إن هذه القاعدة هي التي تفسر حقيقة ما نعيشه هذه الايام في ظل محاولات غير بريئة، من هذا الطرف او ذاك، لتكريس البلاد كساحة صراع بين من يمثلون المحاصصة.. وهم كثر بيننا. فحذار سيدي عبدالمهدي، وادعوك الى قراءة ما كنت تكتبه وتنادي به، قبل استلامك رئاسة الوزراء.. مع تقديري.