رسالة علمية تكشف عن الاتجاه القومي لدى شعراء مصر

عبدالهادي عباس يتناول في بحثه إبداع خمسة شعراء كبار: أحمد عبدالمعطي حجازي، وأحمد غراب، وأبوهمام عبداللطيف عبدالحليم، وفاروق شوشة، ومحمد إبراهيم أبوسنة.
المناقشة جاءت بطريقة الأونلاين كأول رسالة بجامعة القاهرة أخذا بالإجراءات الاحترازية
الشعر الآن يواجه عنتا وكدرا لم يجابههما طوال عمره المديد

حصل الباحث عبدالهادي عباس على درجة الماجستير بتقدير امتياز من قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وبإشراف د. عبدالحميد إبراهيم شيحة، أستاذ الأدب العربي وعضو مجمع اللغة العربية، ومناقشة د. عبدالله عبدالحليم الشوبري، العميد السابق لكلية الآداب جامعة حلوان، ود. أحمد بلبولة أستاذ ورئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
حمل عنوان الرسالة: "الاتجاه القومي لدى شعراء مصر في القرن الحادي والعشرين"، وتناولت إبداع خمسة شعراء كبار: أحمد عبدالمعطي حجازي، وأحمد غراب، وأبوهمام عبداللطيف عبدالحليم، وفاروق شوشة، ومحمد إبراهيم أبوسنة)، وقد جاءت المناقشة بطريقة الأونلاين كأول رسالة بجامعة القاهرة أخذا بالإجراءات الاحترازية، وكانت المناقشة عاصفة بين الأساتذة والباحث الذي اجتهد في الدفاع عن وجهة نظره حول الموقف القومي والعروبي للشعراء المصريين.
ربما يكون محقا من يعتقد أن الشعر الآن يواجه عنتا وكدرا لم يجابههما طوال عمره المديد، وربما يكون محقا – كذلك - من يرجع أسباب ذلك إلى تنامي وسائل التعبير عن الذات في المجتمع الحديث، وليس المقصود وسائل التعبير الإبداعية المعترف بها، كالقصة والرواية والمسرح والزجل، فقط، وإنما تعدتها إلى وسائل الإبداع اللحظي المتزايدة، حيث أضحى التعبير عن الشخصية الإنسانية ومواجعها - بطرق فنية تجسيدية وبطرق فلسفية تجريدية، وربما باجتماعهما - أداة يومية لا تنجو منها سن دون سن أو جنسٌ دون آخر.. ولكن، هل يعني هذا أن الشعر العربي قد اندثر وتأباه الذوق العربي؟

الدراسة أفردت بحوثا كاملة لكشف الفروق الدقيقة بين نصوص الثورة والحرية والوطن، عند كل شاعر، باعتبار تلك المفردات خطوطا رئيسية تكاد ألا تنفصل عن الخط القومي في مفهوم كل شاعر

والإجابة القاطعة تأتي بالنفي؛ فالعربي لا يستغني عن الشعر ما دام يتحدث العربية ويفكر بها، بل إنه يضفي الشعر على الرواية والقصة، وحتى على مواقف الحياة؛ كما أنه لا تزال هناك أصواتٌ شعريةٌ شديدة الوضوح والنقاء تمسك بأهداب فن العربية الأول وتنسلك في سلكه الذهبي، وتسيح في عوالمه الفسيحة، ومن ثم تطور في إطار القواعد العامة التي ارتضاها العرب لأنفسهم، دونما قيود مكبلة للحرية التي هي أساسٌ للإبداع.. وشتان بين القاعدة والتقييد!
وقد كان مقررا لهذا البحث أن يتناول الاتجاه القومي عند شاعر واحد هو أحمد غراب، باعتباره شاهد عيان على أحداث حربية أثرت في تطور الفكر القومي للأمة العربية كما كانت مؤثرة في شعره، ولأن الدراسة مكملةٌ لدرجة الماجستير بالنظام الحديث، فقد وافق مجلس قسم الدراسات الأدبية على ذلك، غير أن مجلس الكلية أراد توسعة مجال البحث فأبى إلا دراسة الاتجاه القومي كاملا عند عدد من شعراء مصر في القرن الحادي والعشرين، وهو ما تطلب وقتا وجهدا مضاعفين، كما كانت نتيجته اللازبة زيادة عدد صفحات البحث عما هو مقررٌ.
وفي هذا البحث اختار الباحث الأصوات الأبرز من الشعراء المصريين الذين نشر جل أعمالهم في القرن الحادي والعشرين فكانوا أعلامه المبرزين؛ وقد انتظمهم قرنٌ واحدٌ هو الاهتمام بالعروبة القومية باعتبارها السبيل الأوفى لجبر كسورنا الحضارية ورتق ما انفتق منها، وهكذا نضحت بهذه الأفكار أشعارهم، وطمت بها قصائدهم. وهؤلاء الشعراء كلهم رجلٌ ذهل بالشعر عن كل شيء، حيث نذر أولئك الشعراء أنفسهم لفن القول الأول، فأخلصوا له رغم شواغلهم الحياتية الأخرى التي أضفت مزيدا من الوهج والعمق إلى تجاربهم الفنية ولم تنتقص منها، فخرجت إلينا تلك الدواوين البديعة في موضوعاتها الحياتية وحبكاتها الفنية وصورها الجديدة التي كشفت الغطاء عن قلق هؤلاء الشعراء على أمتهم العربية والإسلامية؛ ولم يكن هذا القلق وليد شرة الشباب حيث يقبع الأشر والطماح وفقط، وإنما انداح ذلك القلق القومي بكل دواوينهم، وبخاصة الشاعر أحمد غراب الذي حملت قصائده تأريخا لأهم الحروب وأشرفها التي خاضتها مصر الحديثة، وكان شاهدا على دقائق أحداثها حتى إنه ذكر أصدقاءه المقاتلين بالاسم في عدد من قصائده، مع تنويعات أخرى في مدلولات الاستعمال في الإفصاح والترميز حتى أضحى غراب علامة بارزة في تاريخ شعرنا القومي المعاصر.
ومن هنا كان عنوان البحث: [الاتجاه القومي لدى شعراء مصر في القرن الحادي والعشرين]؛ وسبب اختيار هذا العنوان هو ما تبين بقوة من حب هؤلاء الشعراء لوطنهم العربي وتأكيدهم الدائم في أشعارهم على مسألة القومية العربية؛ فهم في حيواتهم كلها منشغلون بأحوال أمتهم العربية، وليس في بلدهم مصر الخالدة وحدها، وإنما وطنهم هو الوطن العربي بأسره.
منهج البحث:
اعتمد الباحث على المنهج الوصفي التحليلي في رصد اتجاه شعراء القومية في مصر في القرن الحادي والعشرين، أولا؛ ثم تحديد أثر ذلك الاتجاه على إبداعات هؤلاء الشعراء ثانيا، مع تطبيق ذلك على أشعارهم.
وقد جاء البحث في خطته مشتملا على ما يلي:
مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول؛ ثم تأتي الخاتمة، فالمصادر والمراجع؛ وذلك على النحو التالي: تقديم: وفيه يبين الباحث خطته في البحث، والهيكل العام له. التمهيد (مدخلٌ تاريخي): عن الاتجاهات القومية: (البدايات والتكوين)، ويأتي في نقطتين رئيسيتين: أولا: القومية.. (المصطلح- التاريخ). ثانيا: الأفكار القومية في مصر. 

Poetry
التمسك بالهوية العربية

الفصل الأول: بواعث التجربة الشعرية القومية عند شعراء مصر بالقرن الحادي والعشرين، وذلك في مبحثين: المبحث الأول: الحس الثوري. المبحث الثاني: التغني بالحرية.  الفصل الثاني: الوطن في وجدان الشعراء. 
الفصل الثاني: بغداد: نموذجا للوجع العربي؛ ويأتي في مبحثين: المبحث الأول: حب الوطن وملامحه. المبحث الثاني: بغداد.. عنوانا للوجع القومي.
الفصل الثالث: عناصر التشكيل الفني في الشعر القومي المصري المعاصر؛ ويضم ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تجليات الرمز والأسطورة والقناع. المبحث الثاني: تقنية الحوار ودورها في الشعر القومي. المبحث الثالث: التناص واستدعاء التراث العربي والإسلامي. 
الخاتمة: وفيها يبين الباحث ما توصل إليه من نتائج، مع تبيان مدى تمكن الاتجاه القومي من التغلغل في الشعر المصري المعاصر، ممثلا في هؤلاء الشعراء الرواد؛ مع تأكيد بأسهم الشديد في التمسك بالهوية العربية.
أما المصادر والمراجع، فقد رجع الباحث إلى دواوين الشعراء الخمسة كافة، مع كتبهم النثرية الكاشفة لتطور واستواء أفكارهم القومية المبثوثة في أعمالهم الشعرية؛ إضافة إلى طائفة من أبرز المؤلفات والدوريات الأدبية القريبة إلى موضوع البحث، أو تلك الدراسات السابقة التي قد تكون تناولت إبداعات هؤلاء الشعراء؛ كما جاء ترتيب الشعراء أبجديا أثناء التطبيق على أشعارهم في مختلف القضايا. 
وتزعم هذه الدراسة أنها حاولت - ما وسعها الجهد - تبيان مكانة الاتجاه القومي لدى شعراء مصر في القرن الحادي والعشرين، وأنها رادت طرقا متشابكة لتحقيق ذلك المسعى: لغزارة المادة العلمية أولا: (خمسة شعراء كبار)، ولمحاولة الالتزام بخطة البحث ثانيا؛ إذ أن موضوع البحث متشابك الأفانين، وقد راود الإطناب الباحث عن نفسه ولكنه أبى إلا الاعتصام بالإيجاز، قدر الإمكان.
كما خلصت الدراسة إلى عدة نتائج، من أهمها:
أولا: ألقت الضوء على مصطلح القومية، مع التعريف بالاتجاه القومي بأبعاده اللغوية والسياسية والأدبية، وأماطت اللثام عن تعدد مدلولاته عند رواد المدارس الشعرية المصرية، مع التطبيق على نماذج شعرية من أبرز المدارس حتى العصر الحاضر.
ثانيا: جاست الدراسة خلال دواوين الشعراء الخمسة: (حجازي- غراب- أبو همام- شوشة - أبو سنة) وهي دواوين ممتدةٌ، تحتاج غربلتها إلى فحص وتمحيص وقراءة متأنية، كما أن بعضها لم يطبع منذ زمن - حتى أحاطت بالخط القومي العام لدى كل واحد من هؤلاء الشعراء، مع التمثيل بنماذج تطبيقية لكل فكرة على حدة.
ثالثا: أفردت الدراسة بحوثا كاملة لكشف الفروق الدقيقة بين نصوص الثورة والحرية والوطن، عند كل شاعر، باعتبار تلك المفردات خطوطا رئيسية تكاد ألا تنفصل عن الخط القومي في مفهوم كل شاعر.
رابعا: اضطرت الدراسة للخوض في بعض الدقائق الكاشفة لخصوصية كل من الشعر الموزون المقفى وشعر التفعيلة، وإظهار جماليات التناول القومي في هذه النصوص المتباينة، فنا وروحا، والتي قد تتجاور في النص الواحد، كما حدث عند فاروق شوشة ومحمد إبراهيم أبي سنة.
خامسا: حاول الجانب الفني والتحليلي من الدراسة الغوص في عمق كل شاعر واستكناه نفسه القومي وصوته المميز في تماسك نصه الشعري، واتساع فضائه الثقافي، من خلال دراسة كل من: الرمز والأسطورة، والقناع، والحوار، والتناص.