رمضان معين لا ينضب من الالهام للفن التشكيلي

شهر الصيام بما يحمل بين طياته من عبادات وعادات ومعتقدات يعد من اروع محفزات الابداع لدى الفنانين التشكيليين من شتى بقاع الارض.

على مر العصور كان الدين باعثا قويا على الابداع في شتى مجالات الفنون وكان للفنان التشكيلي، الذي يعد مرآة مجتمعه، معين لا ينضب من الالهام، حتى بات لدينا الكثير من اللوحات الفنية التي ابحرت بين معتقداتنا الدينية وطقوسنا الشعبية واخذت تتدرج بين ما هو فطري وما هوممزوج بترانيم ايمانية عميقة مما رسخ في اذهان ذوي الرؤى الفنية اٍن الدين كما نفخ الروح في كثير من الفنون العظيمة فقد وهب تلك الروح للفن التشكيلي المحلى والعالمى ايضا .

ويعد شهر رمضان الكريم بما يحمل بين طياته من عبادات وعادات ومعتقدات من اروع محفزات الابداع لدى الفنانين التشكيليين من شتى بقاع الارض.

فقد بهرت أجواء شهر رمضان المبارك العديد من التشكيليين العالميين خاصة المستشرقيــن وكانت مظاهر الأحتفالات الشعبية المتوارثة خلال شهر مضان المعظم مصدر الهام للكثير من لوحاتهم، ونذكر على سبيل المثال الفنان الانكليزي والتر فريدريك الذي جسد مظاهر الشهر الكريم في شوارع القاهرة الفاطمية حيث نجد المارة وقد تجمعوا حول بائعي البضائع الخاصة بهذا الشهــرو لا شك ان الاسواق الشعبية ،خاصة في رمضان، تعد نبع خصب للفنان التشكيلي بمظاهرها المتعددة وغزارة الوانها المتداخلة في شبه مهرجان شعبي يومي.

ولفرنسا ايضا نصيب رمضانى فني فقدم الرسام والمستشرق جان ليوم جيروم ابداعاته في لوحة بعنوان "الصلاة في المسجد" وتصور اللوحة مجموعة من المصلين داخل مسجد عمرو بن العاص في احد الليالى الرمضانية بملابسهم التي تعكس طبيعة الازياء في تلك الفترة الزمنية.

كما شغف الفنانون التشكيليون على مر الازمان بمهنة المسحراتي احد اهم مظاهر هذا الشهر والمهنة الوحيدة،ربما، التي يعمل المشتغلين بها شهرا واحدا فقط كل عام وهي مشتقة من كلمة سحور وظلت هذه المهنة مستمرة عبر الاجيال لما لها من اثر طيب في نفوس الناس، وجسد العديد من الفنانين تلك المهنة في لوحاتهم منهم الفنان لويس جون انديس الأميركي الذي زارالمغرب وصور المسحراتي ذلك الدرويش المغربي و قد بدت عليه ملامح الزمن مرتديا الأزياء الفلكولورية ذات الألوان المبهجة وتغطي رأسهع مامة وطربوشا احمر وهو ما كان متبعا في ازياء دول شمال افريقيا.

هذا وعلى الصعيد العربي فقد برع الفنانون العرب في نسج لوحات روحانية بديعة حملت بخطوط انسيابية وألوان معبرة ووضعيات رمزية تلك المهنة الاصيلة ونذكر منهم على سبيل المثال الفنان الليبي عبد الرزاق الرياني والتي عبرت عن المسحراتي بزيه الليبي الشهير وهو يجوب في شوارع مدينة طرابلس القديمة، كما صور الفنان العراقي وليد شيت لوحة للمسحراتي وهو يحمل طبلة كبيرة يجوب بها شوارع الموصل.

وعندما نأتي الى مصر نجد ان لهذا الشهر الفضيل مذاق خاص فقد استلهم الفنان التشكيلي المصري منه ابدع اللوحات وعلى راسهم لوحة الصلاة للفنان محمود سعيد وهي تمثل المصلين داخل المسجد منتظمين في صفوف متقاربة وهي من اهم واقوى الاعمال الفنية الرمضانية وهناك ايضا لوحة كنافة وقطايف للفنان تاد الذي صور فيها حياة البسطاء في احد الاحياء الشعبية بالقاهرة ولوحة الفنان حسن سليمان الذي جسد الاجواء الرمضانية في قاهرة المعز وفنان الباستيل محمد صبري الذي قدم العديد من اللوحات للقاهرة الفاطمية، وصور الفنان صلاح بيصار لوحته المميزة للمسحراتي مرتديا ملابس الف ليلة وليلة، كما برع فنان الباتيك على دسوقي في تصوير الاطفــــال وقد حملوا فانوس رمضان في احدى الحارات الشعبية وظهرت الزينة الرمضانية معلقة اعلى المنازل، وايضا  صورت الفنانة نجاة فاروق الزينة الرمضانية ب الوانها المبهجة للتعبير عن مشاعر تثيرها تلك العادات في نفس الفنانالتشكيلي وجاء الفنان جورج بهجورى بلوحة عبر فيها عن اجواء الشهر الفضيل وهي لمائدة الرحمن والفنان محسن ابو العزم فنان التعبيرية الذي قدم مجموعة لوحات منهاالمسحراتي، وبائع الفول، وافطار العائلة امام شاشة التلفزيون.

ونظرة الى الامر نرى ان هؤلاء الفنانون قد برعوا في تجسيد شاعرية الأحساس العظيم بمظاهر الشهر المبارك وعبق الليالى الرمضانية العطرة لما وجدوه من عادات وتقاليد اختص بها هذا الشهر الكريم الملىء بالروحانيات العظيمة.

ونحن في الحقيقة دائما ما نستعذب رؤية الأعمال التي تسجل عناصر موروثنا الشعبي وتراثنا الثقافي لذا دعونا نستمتع بمشاهدة شوارعنا بزيناتها الرمضانية والفوانيس في ايدى الاطفال يدورون بها مرددين اغنيات ارتبطت في وجداننا بهذا الشهر الفضيل مع صوت مدفع الافطار والمسحراتي وصانع الكنافة، هذه اللوحات الحية التي قد تفوق ما سجلته أنامل الفنانين التشكيلين الذين استلهموا لوحاتهم من عبق وعظمة شهر الرحمة والمغفرة، أعادة الله على أمتنا الاٍسلامية باليمن والبركات.