زينب عبدالباقي متفائلة بمستقبل لبنان وعظمة شعبه

ما حدث في لبنان في الرابع من أغسطس لم يكن حادثة ولا انفجارًا، بل كان كارثة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ.
خسرنا أرواحًا وبيوتًا وأحلامًا، وقطعًا من الماضي عبر المباني التّراثيّة والأماكن الأثريّة مثل: "قصر بسترس" الشّهير على سبيل المثال
المطابع في بيروت لم تتوقف عن الهدير ولنا لقاء احتفالي في معرض بيروت الدّولي للكتاب

أكدت لي زينب عبدالباقي كتربوية ومثقّفة ومواطنة لبنانيّة أن ما حدث في لبنان في الرابع من أغسطس/آب الجاري لم يكن حادثة ولا انفجارًا، بل كان كارثة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ؛ فخلال دقائق دُمِرت بيروت، وخسرت أهمّ مرافقها السّيّاحيّة والثّقافيّة والعمرانيّة! تشوّه وجهها الجميل الذي كان قبلة أنظار المثقّفين والأدباء ومختلف شرائح الناس من كل حدب وصوب. 
طارت السّيّارات في الشّوارع،  وتهدّمت المباني، ووصلت الأضرار إلى منشآت تبعد أكثر من 8 كليومترات عن موقع التفجير.
وتضيف زينب عبدالباقي: خسرنا أرواحًا وبيوتًا وأحلامًا، وقطعًا من الماضي عبر المباني التّراثيّة والأماكن الأثريّة مثل: "قصر بسترس" الشّهير على سبيل المثال.
 رحم الله الشّهداء، وكتب السّلامة للجرحى، وأعطانا القوّة لننهض بالوطن من جديد. 
سألتها: ومَنْ تحمّلينهم المسؤولية عما أنتم فيه اليوم؟ فصمتت قليلًا ثم قالت: قبل أن أجيب عن سؤالك هذا أود تعريف القارئ العزيز بالمقصود بعبارة : "عمّا أنتم فيه اليوم" الواردة في السّؤال؛ فما نحن فيه اليوم أزمة تتلخّص في عناوين كثيرة  تبدأ من "لفساد الإداري والسّياسيّ، مرورًا بالطّائفية السّياسيّة، والمحاصصة، والواسطة، وتعيين الرّجل غير المناسب في أهم الوظائف في لبنان عملًا بالقانون الطّائفي البغيض الذي لا يتعامل مع النّاس من منطلق الكفاءة، بل من منطلق الدّين والولاء السّياسيّ، ومبدأ الواسطة الذي يسيطر على المرافق الحكومية؛ هذا القانون أوصل إلى مواقع المسؤولية أشخاصًا لا يستحقّون، فأهملوا أعمالهم ولم يكونوا على قدر المسؤولية.

لبنان يحتاج إلى يد تجمع، وقلب يحتوي وهذا ما يجب أن يقوم به المبدع اللّبناني اليوم قبل ايّ شيء. وعلى المثقف اللبناني أن يسلّط الضّوء على دور لبنان الرّياديّ حضاريًّا وفكريًّا وأدبيًا

وبمرور الأيام تراكم التّقصير إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. أمّا بالنسبة لمن أحمّلهم المسؤولية فهم كثيرون أختصرهم في أربع مجموعات؛ الأولى: المسؤول المهمل عن قصد، والثّانية: المسؤول المتسلّق الذي يقدّم مصلحته على مصلحة الوطن. والثّالثة: المواطن المستفيد الذي لا يهمه ما يحدث في بلده طالما أنه يرى حقوقه محفوظة عبر من يواليهم، والمواطن السّاكت الخانع الذي سمح لهؤلاء بالتّربّع على كراسي الحكم لسنوات طويلة. 
وعن كيفية استقبالها قرار محكمة لاهاي الدّوليّة بشأن اغتيال رفيق الحريري تقول زينب: لا أريد أن أجيب عن هذا السّؤال من منطلق سياسيّ، أو عقائديّ، لكنّي أود أن أتحدث عن الجلسة الأخيرة التي تسمّر اللّبنانيّون أمام شاشاتهم لساعات ليسمعوا حيثيات الحكم فإذا بها باهتة، سخيفة، لا تروي فضول طفل في سنواته الأولى. إذ إن القيّمين عليها أنفقوا الملايين التي اقتُطِعت من حياة اللبنانيين، ولقمة عيشهم، وصرفوا عقدًا ونصف من الزّمن ليصلوا في النّهاية إلى حكم لم يرضّ عنه الموالون ولا المعارضون لها.
بكلّ بساطة أعلنوا أن أدلّتهم لم تكن كافية وتجاهلوا الكثير من الحقائق التي عايشناها في حينها وتمّ اختصار الحكم في شخص واحد ينتمي إلى جهة اعترفوا هم أنفسهم بأنّها كانت على وفاق ووئام مع الشّهيد رفيق الحريري!!
وصدر الحكم المخيّب للآمال الذي لم نصل من خلاله إلى الحقيقة التي نصبو لها. 
وعن تقييها لردّ فعل الحكومات والشّعوب العربيّة من هذه الأزمة تقول: حين قرأت هذا السّؤال علت وجهي ابتسامة كبيرة؛ فلبنان لم يكن وحيدًا في أزمته هذه.
في لحظة هبّت الحكومات العربيّة لمساعدته وأرسلت المساعدات التي أطلقت عليها اسم "الهدايا للمتضرّرين" وأخصّ بالذكر: مصر أم الدّنيا التي فتحت جسرًا جويًّا ترسل عبره المساعدات بشكل يوميّ.

Dialogues
علينا اليوم أن نعيد للبنان مجده وعزّه

كما لمسنا التّعاطف والحبّ من الشّعوب كلّها؛ كبيرها وصغيرها، مشهورها ومغمورها وشعرنا بالمحبّة التي وصلتنا من خلال وسائل التّواصل الاجتماعيّ. وأحسسنا بأنْ لبنان لا يزال قلب الأمّة العربيّة النّابض، وطن الجميع، جامعهم وجامعتهم، والحاضن لأحلامهم وآمالهم. وهنا اسمح لي أن أشكر كلّ من مدّ يده بالخير إلى وطني الغالي لبنان عقب الانفجار الذي هز ّ القلوب واعتبر الثّالث من حيث القوّة بعد ناجازاكي وهيروشيما.
وعن وصول هذه المعونات الإغاثيّة العربيّة إلى المواطن اللّبنانيّ المتضرّر تقول: بعد ما خبره اللّبناني في حياته من الإجحاف والسّرقة، قام المجتمع المدنيّ بإطلاق صرخته إلى الجهات المانحة طالبًا منها أن لا تسلّم المعونات للجهّات الحكوميّة في لبنان؛ فتسلّم الجيش اللّبنانيّ هذه المهمّة بمؤازرة الجمعيّات التي تتمتّع بالثّقة، وتمّ إنشاء موقع إلكترونيّ يتضمّن إحصاء للمتضرّرين وآلية إيصال المساعدات لمستحقّيها.
قد يقول قائل إن هناك أشخاصًا لم تصلهم  المعونات، ولا أنكر، ولكنّ السّبب في ذلك هو العدد الكبير للمتضرّرين (أكثر من 300 ألف لبناني) ولصعوبة عملية مسح الأضرار الهائلة وكلفتها الهائلة في ظلّ هبوط سعر صرف الليرة اللّبنانيّة أمام الدولار الأميركيّ.
هذا وقد سمعنا عمّن اخترق الصفّوف وانتحل صفة جمعيّة قامت بمسح الأضرار واختفت لكنّ هذه الأمور تبقى أمورًا شاذّة قد تحصل في أية نكبة كهذه وفي أيّ بلد في العالم، بيد أنه لا يمكن أن تُبنى عليها قاعدة ثابتة.
ونصل إلى بيت القصيد عندما أسألها: وفي تقديرك ما هو الدّور الذي يمكن أن يلعبه المبدع اللّبنانيّ للنّهوض من تحت الرّماد، والتّحليق عاليًا من جديد؟ فتجيبني بقولها: دور المبدع اللبناني كبير ومهمّ جدًّا اليوم؛ فعلى عاتقه تقع مسؤولية التّنوير، ومن خلاله يمكن إعادة رصّ الصّفوف واللّحمة بين أبناء الوطن الواحد.
وتذكرني بأن لبنان يحتاج إلى يد تجمع، وقلب يحتوي وهذا ما يجب أن يقوم به المبدع اللّبناني اليوم قبل ايّ شيء. وعلى المثقف اللبناني أن يسلّط الضّوء على دور لبنان الرّياديّ حضاريًّا وفكريًّا وأدبيًا.
علينا اليوم أن نعيد للبنان مجده وعزّه، وأن نعمل على إعادة لبنان إلى خارطة الفكر وتتويج بيروت ستّ الدّنيا من جديد. وتضيف بأن هذا الوطن آن أن ينهض. والمبدعون اليوم هم المسؤولون عن هذه النّهضة. 
وعن كيفية استعادة هدير المطابع في بيروت لتصدر أهمّ الكتب التي تصنع التّنوير في المجتمعات العربيّة؛ تقول زينب عبدالباقي: لم تتوقف المطابع في بيروت عن لعب دورها المميّز في تحريك العجلة الثّقافيّة حتى في أحلك الظّروف، لكنّنا اليوم نمرّ بمرحلة ركود عالميّ أسبابها كثيرة لعلّ أبرزها الكورونا التي شلّت التّواصل إلى حدٍّ ما، وقد تأثّر لبنان بها بشكل أو بآخر، لكنّ هذا الوطن كما تعلمون هو رمز للتّحدّي والاستمرار والولادة، وسيتمكّن قريبًا بإذن الله من إعادة عجلات المطابع إلى الدّوران متسلّحًا بإرادة أبنائه وخبرتهم العالية في هذا المجال وقدرة اللّبنانيّ على المجاراة والتّطوير والاحتضان إضافة إلى ما يتمتّع به لبنان من حريّة التّعبير والرّأي، وهذا كفيل بجعله قبلة أنظار المبدعين العرب ومحطة انطلاق لإبداعهم الذي لن تقصّر وسائل الاعلام في بلادي في المساهمة بنشره وشهرته.
 وسيكون لنا لقاء احتفالي في معرض بيروت الدّولي للكتاب إن شاء الله.