سالم كاظم عباس يصور ديستوبيّا الحياة المعاصرة في 'عندما يسقط الرهان'

ما يؤاخذ عليه القاص في هذه المجموعة أنه راهن في مضمار بناء القصة على لغته الشاعرية كثيرا، ولم يولي بقية اشتراطات القصة الناجحة العناية الواجبة لاكتمال هذا البناء بالشكل الأمثل.

في مقدمته لكراسته القصصية، "عندما يسقط الرهان"، الصادرة عن دار المتن – 2023 بواقع 62 صفحة من القطع الصغير والتي تضمنت سبع قصص قصيرة جدا يشير مؤلفها د. سالم كاظم عباس إلى أن "كل قصة في هذه المجموعة جاءت لتصور مشهدا ديستوبيّا للحياة المعاصرة وتحاول اختزال معاناة مجتمع بأسره، مجتمع يتصدر عناوينه صراع غير متكافئ بين الخير والشر.. والفضيلة والرذيلة.. والجمال والقبح" منوها الى انه حاول ان يعمل على تمتين البناء السردي لهذه القصص" وحياكة نسيج لغتها بخيوط تدخل الحس الشعري في صناعتها في محاولة صريحة لشعرنة السرد".

هذه المقدمة كانت الحافز الاول على قراءة قصص هذه الكراسة قراءة متأنية متمعنة، والحافز الآخر انها تشكل أولى إصدارات المؤلف القصصية، وأظن انها تجربته الاولى ايضا في هذا المجال الادبي.

وحقيقة أن المؤلف في معظم القصص أجاد صناعة لغته السردية التي جاءت محكمة السبك سلسة صافية ولامست الكثير من جملها فضاء الشعر.

ما يؤاخذ عليه القاص في هذه المجموعة أنه راهن في مضمار بناء القصة على لغته الشاعرية كثيرا، ولم يولي بقية اشتراطات القصة الناجحة العناية الواجبة لاكتمال هذا البناء بالشكل الأمثل.

وإذا ما تجاوزنا بساطة الثيمة فان أسلوب معالجة الحدث بالخطاب المباشر ناهيك عن الاسهاب في الوصف "الذي يستحيل أن تتسع له مساحة القصة القصيرة" أفقدت معظم الحكايات أهم عناصر نجاحها، الإختزال المكتنز بالدلالات والإيحاءات.

حكايات الكتاب مستمدة بمجملها من الواقع المحلي الخاص عدا قصة واحدة استلهمت ثيمتها من أفق الأنساني العام، وتباينت موضوعاتها بين السياسة والأخلاق والحب.

ولصغر حجم هذه المجموعة التي يمكن وصفها بالكراسة القصصية حيث لم يتجاوز عدد صفحات قصصها السبع 51 صفحة من القطع الصغير آثرنا الوقوف على جميع ما ورد في متنها من حكايات.

فشل العلاقات العاطفية ليس قدرا محتما

في موضوعة الحب وردت ثلاث قصص ولوتمعنا في عناوينها فسنخمن قبل قراءة المتن أنها حكايات حب لم يكتمل، بل ولد ميتا، وهوما توحي به مفردات "القتل والموت والسقوط" التي ضمنّها المؤلف عتبات الدخول لرحابها "القتل رميا بالعيون والكلمات" و"هكذا يموت النورس الابيض" و"عندما يسقط الرهان" وهوما وقفنا عليه فعلا بعد مطالعتها. فثيمة القصص الثلاث تتشابه الى حد بعيد، سعي البطل وهوسه للإرتباط، بعلاقة حب أوزواج، بالأنثى التي استحوذت على عقله وسلبت لبه بمفاتنها.

وبالإمكان عد البطل في القصص الثلاث نسخة مكررة في كل منها مع بعض التعديلات الطفيفة في رسم شخصيته، متيم ولهان مسحور بمفاتن الأنثى التي أبصرها في محيط بيئته أوعمله ويسعى حالما للارتباط بها وإطفاء لهيب شوقه برضابها الشهي ولكن مسعاه يخيب وأحلامه تتبخر.

 في قصة "القتل رميا بالعيون والكلمات" البطل فنان خمسيني يهيم عشقا بممثلة عشرينية فاتنة ولكنه يتحرج عن مصارحتها لوثوقه من فشل نجاح هكذا علاقة بسبب فارق السن بينهما، وهوالذي يخاطبها خلال العمل معه بـ "إبنتي" وحتى حين تراءت له في المنام ودنت منه وشجعته على مرافقتها الى جزيرة الأحلام،لم تكتمل سعادته حيث أنكرته وتخلت عنه عند بوابتها وليطرده الحراس، فيتألم كأن صاعقة ضربت رأسه... ليستيقظ إثر سقوطه عن سريره على الأرض ويختتم القصة متمتما "لا الذنب ذنبك بل كانت حماقاتي".

القصة الثانية "هكذا يموت النورس الأبيض" وفيها يتكرر ذات المشهد.. البطل مغرم بفاتنة حسناء ويسعى لبناء علاقة حب معها ويدفعه هيامه المفرط بها الى حد التغاضي عن كل ما يشاع عن سوء سمعتها. وإذ لم يجرؤ على مصارحتها بسبب تردده وحذره تبادر هي لطلب اللقاء به في العاصمة بعيدا مئات الكيلومترات عن مدينته الجنوبية المحافظة وحين يلتقيها هناك يصدمه ان هدفها لم يكن إلا استنطاقه لمعرفة كل شيء عنه وعن معارفه وأصدقائه. ينتهي اللقاء على امل ان يلتقيا لا حقا. وبعد طول انتظار يهاتفها فتسخر منه وتأمره بنسيان ما دار بينهما من حديث سابقا لدواع أمنية وتهدده: "إياك أن تتصل بي مرة أخرى.. وإلا ستندم كثيرا" وليكتشف هو أخيرا أنه وقع في شباك مخبرة سرية. وينهي القصة بجملة " ذبحت باكورة مشاعري.. خنقت أولى تجاربي.. هكذا يموت النورس الأبيض".

ثالث قصص الحب والذي توسمت المجموعة عنوانها هي " عندما يسقط الرهان " بطل القصة، وكما في القصتين السابقتين، يصادف امرأة جميلة في الطريق فيخفق قلبه حبا لها كونها تشبه فتاة لوحة الرسم المعلقة في غرفته والتي شغف بها مذ كان مراهقا. ورغم انها كانت تتجاهله ولا تكترث لمحاولاته المتكررة للاقتراب منها اومحادثتها إلا أن هذا الصد لم يزده إلا شغفا بها فيسارع لإخبار والدته أنه وجد من تحقق لها رغبتها بتزويجه بعد ان كان يرفض مشروع الزواج من أساسه. يكلف صديقه لمعرفة عائلتها ومحل سكناها للشروع بخطبتها، ولكن آماله تتحطم وحلمه يتلاشى حين يخبره صديقه: إنها متزوجة!

بعد استعراض هذه القصص التي خلصت الى انتكاس ابطالها المغرمين بحب من طرف واحد، حق علينا أن نتساءل عن أسباب فشل حكاياتهم العاطفية، هل هي مخرجات لـ"ديستوبيا الحياة المعاصرة" كما قال مؤلفها في مقدمته؟ وأين هي فواعل تلك الديستوبيا ودور سيئاتها وخبثها وفسادها التي قبرت أحلام الأبطال في قصص حبهم المأمول؟.. لم نقف على أي أثر من تلك الفواعل. الأسباب الحقيقية التي قدمها المؤلف ذاته كانت في شخصيات أبطال القصص أنفسهم، فبطل قصة "الموت رميا بالعيون والكلمات" أدرك سلفا استحالة تحقيق حلمه العاطفي بسبب فارق السن بينه وبين من هام بها عشقا وبطل قصة "هكذا يموت النورس الأبيض" تقدمت الغريزة الجنسية على رصانة العقل واعتمدها بوصلة في رحلة البحث عن الحب ليكتشف أخيرا انه ضحية مخبرة سرية. فيما كان بطل قصة "عندما يسقط الرهان" رهينأ وهام مخيلته الجامحة وسطحية تفكيره.

ما يحسب للقاص في هذه القصص العاطفية اختياره الموفق للغة الشعرية في سرد الحكاياتلغة تتوائم مع موضوعة الحب والشغف والهيام بالمرأة. ونستشف تجلي النزعة الشعرية لديه في طريقة تقطيعه للجمل وتشكيل سطور الكتابة بشكل يماثل شكل كتابة شعر قصيدة التفعيلة أوما اصطلح عليه بالشعر الحر، كما ان مضمون مقاطع الوصف جاءت أقرب ما تكون إلى البوح الشعري منه الى السرد القصصي.

ما يؤاخذ عليه أنه أهدر جماليات هذه اللغة الصافية والمعبرة في الوصف المطول الذي أكل من جرف الحدث مخلا بواحدة من أهم اشتراطات فن كتابة القصة القصيرة؛ التركيز والإيجاز فمساحتها لا تتحمل هذا الاسهاب في الوصف الذي استهلكه القاص في التغني بمفاتن الأنثى وجمال شكلها الخارجي وسطوة سحرها وجاذبيتها على تفكير وتفاعل وتصرف ابطاله المأسورين بها.وصف أستهلك ثلاثة ارباع مساحة الحكايات على حساب الحدث الذي لا يكاد ان يبين إلا كقشة متناهية الصغر في بحر الغزل المتلاطم الامواج.

وعموما فان العقد في هذه القصص كانت بسيطة وأحداثها سطحية طافية عالجها القاص بأسلوب السرد الأفقي الذي افتقر الى العمق وخلا من المفارقات اللازمة لإدهاش القارئ. مستعيرا قناع البطل "الراوي العليم " موظفا المونولوغ الداخلي (التداعي) لاستعراض مشاعر البطل اختلطت فيها رغباته العاطفية بين البحث عن السعادة المرتجاة في الحب، ذلك التوق المشحون بالانفعال الشديد، كونه من ضرورات الحياة الانسانية. وبين نداء الطبيعة، تلك الرغبة البايولوجية الغريزية الباحثة عن الإشباع الجنسي.

الملفت للنظر، هو إصرار القاص في إنهاء كل قصة حب بالفشل والخيبة. ففي اللحظة التي يوقد فيها بإحدى يديه شموع الشغف والتوق والغرام في مستهل كل حكاية، تقبض يده الأخرى على حفنة تراب متأهبا لإطفائها سريعا، لتأكيد وجهة نظره التي أفصح عنها في مقدمة هذه المجموعة، وفحواها أن لا أمل بالحب والسعادة في "ديستوبيا الحياة المعاصرة"! وهذا ما يتناقض مع الواقع المعاش، فالحياة حافلة بتجارب الحب المكللة بالنجاح.

المبالغات.. ثآليل في جسد القصة

في قصتي "تاجر الدم" و"اعتقال التاريخ" يستلهم القاص الأحداث من الواقع، ولكن تغول المبالغات في رسم صورة خارقة لشخصية البطل في كلا القصتين أخلّ بمنطقية الوقائع وأكل من جرف مصداقيتها، رغم قناعتنا بحدوث ما هوأكثر ظلما وإيلاما من حوادث مشابهة في الواقع ترفدنا بها أخبار القنوات الإعلامية أوتتناقلها ألسن الجمهور كل حين، ولكن معالجة القاص لها سرديا لم يفلح في إقناع المتلقي كما نرى.

ملخص قصة "تاجر الدم" أن لبطل القصة شقيق مختل عقليا أودعه احد المشافي المختصة وفي يوم ما يتم ابلاغهباختفاء شقيقه والبحث جار عنه، بعد مرور أيام يطرق مسامع البطل الذي يعمل محاميا في شركة احد التجار، حديث بين موظفات الشركة عن رؤية ابن التاجر، نزيل السجن الذي ينتظر تنفيذ حكم الاعدام لإدانته بارتكاب جرائم كبرى، في احدى ملاهي المدينة، فيتساءل البطل : كيف حدث ذلك ؟ من المفترض انه الآن في السجن ! وفي لحظة استثنائية يخالجه إحساس بان اختفاء شقيقه مرتبط بخروج ابن التاجر من السجن! هكذا.. ويفاجئنا القاص بمبالغة لا يتقبلها المنطق بتحول البطل المحامي الى متحري محترف يستطيع اكتشاف ان ابن التاجر استبدل بشقيقه بعد رشوة المتنفذين في المشفى والسجن من قبل التاجر، فيبادر لإبلاغ السلطات وينقذ اخاه من الاعدام فياللحظةالأخيرة وتنتهي القصة.

الصورة التي رسمها القاص للبطل، ومشهد ختام القصة انحرفت بها من الواقعية الى الفانتازيا المفبركة التي تذكرنا بسمات غالبية قصص أفلام السينما الهندية حيث المبالغات التي لا يمكن لأي راشد واع تقبلها واستساغتها. فإسباغ صفات الحدس الذكاء والفطنة على شخص البطل والمبالغة في قدراته لينقلب من مواطن مدني يمتهن المحاماة الى متحري فذ أكثر حنكة ودراية من السلطات المعنية في كشف الحقيقة، هي مبالغة من القاص الذي ربما فاته أولم يحسب جيدا مخرجاتها المربكة على مآل حكايته،فصورة البطل الخارق التي قدمها في سياق القصة ستحيلنا الى الصورة النقيضة - قصد القاص ذلك أم لم يقصده - وهيصورة تظهر أجهزة السلطة الخاصة بتنفيذ الاحكام من السذاجة والغباء بمكان بحيث لم يتبينوا ان شقيقه المختل ليس هوالمدان المطلوب، إلا ان كانوا قد تمت رشوتهم ايضا وهذا ما تنفيه استجابتهم السريعة لإيقاف عملية تنفيذ الاعدام بشقيقه وإنقاذه.

إن تحقيق العدالة هنا يتناقض أيضا مع أورده القاص من مقولات على لسان بطله في ثنايا القصة مثل "لم يعد هناك أمل في عدالة أورحمة.. ولا طمأنينة أوسلام" كما يتقاطع مع ما جاء في مقدمة القاص التي بين فيها انه يصور عبر هذه القصص ديستوبيا الحياة المعاصرة في الوقت الذي يختتم قصته هذه بانتصار الحق على الظلم والخير على الشر ولعمري تلك من مثاليات اليوتوبيا التي يحلم بها الطيبون.

القصة الثانية التي حفلت بالمبالغات هي "اعتقال التاريخ" ومحور حدثها يصور تعسف أجهزة أمن السلطة وقسوتها مع أستاذ التاريخ التي تقتاده من الحرم الجامعي الى أقبية التعذيب للتحقيق معه بشأن سعيه للحصول على جواز سفر ومحاولة طبع كتاب ألفه في انتقاد السلطة الحاكمة. وبعد عجز المحققين انتزاع اعتراف منه وصموده البطولي رغم أقسى فنون التعذيب التي تعرض لها , يتم احالته الى القضاء الذي يأمر بإخلاء سبيله لعدم توفر الأدلة ولكن سلطة الأمن لا تطلق سراحه. نهاية الحكاية.

لونحينا جانبا جماليات الكتابة الادبية، وتفحصنا أنساق المتون التي تتحدث عن صراع المثقف مع السلطة الظالمة في الأعم الغالب من تلك الكتابات، سنجد أنها تركز على أمرين رئيسيين؛ الأول هوفضح منهج وسلوك وممارسات السلطة القمعية. والأمر الثاني تسليط الضوء على نضال المثقف الإنساني وسعيه وتضحياته في سبيل الدفاع عن قيم الخير والعدالة والجمال (وينبغي ان نشير هنا أن شريحة المثقفين لا تخلوا من أوغاد أكثر شرا من السلطة ذاتها، تجندهم لتجميل صورتها القبيحة للرأي العام).

في قصة اعتقال التاريخ وفق القاص الى حد ما في الأمر الاول الذي نوهنا له آنفا. ولكن عبارات التحدي وردود فعل البطل المعتقل ولسانه الحادّ السليط وهويجادل ضباط التحقيق،كانت من المبالغة بمكان، فالقصة تتحدث عن تعسف أجهزة أمن النظام الشمولي القمعي، وجميع من عايشتلك الفترة يدرك ان مجرد كلمة يمكن تأويلها أوزلة لسان او إيماءة عابرة كانت كفيلة بتغييب صاحبها في غياهب السجن أوظلمة قبر بلا شاهد، هذا إن كان محظوظا وحظي بقبر.

ونسوق بعض الأمثلة عن تلك المبالغات التي أجراها القاص على لسان البطل:

"لقد أفرطت في الغرور أيها المحقق.. لستُ أنا الذي يكترث لهذه الدعاية البائسة التي تسوقها عبثا لنفسك " وفي مقطع آخر نقرأ رد استاذ التاريخ على تهديد المحقق له بالتعرض لعائلته " هذه ورقة خاسرة أيها الوغد.. فلا تساومني بها".

 هذه المبالغات انعكست سلبا على حدة الصراع المفترض ان تستجلب تعاطف القارئ مع البطل، عبر رسم صورة شديدة التباين لإظهار مدى التناقض الحاد بين خطاب أجهزةأمنالسلطةالقامعةالمتسم بالقسوة والبذاءة والسلوك الشائن وبين خطاب المثقف الذي يتصف بالهدوء والثقة واللغة المهذبة. هكذا يتم صناعة الصدمة لدى المتلقي لجذب تفاعله مع الحدث وللارتقاء بدرجة تعاطفه مع البطل الذي يمثل الخير وإدانة الشر المتمثل بالسلطة.

ضبط توقيت الخاتمة من أبجديات القصة الجيدة

في هذه القصة نجح القاص في اختزال التفاصيل وركز الضوء على شخصية البطل، المتمثلة ب أم أرملة وتفاعلها مع الحدث. يفتتح السرد بمشهد استيقاظ الأم باكرا وقيامها بإعداد وجبة الفطور لابنها الوحيد (ريحانتها) الطالب في المرحلة الأخيرة من دراسته الجامعية،تشغل المذياع وتستمع لنشرة الاخبار التي تستفتح بنبأ تمكن القوات الامنية من إلقاء القبض على عدد من الارهابيين الانتحاريين الذين كانوا يعتزمون تفجير أنفسهم في الأسواق المكتظة، فيخالجها شعور بالخوف والقلق.. توقظ ابنها ويفطران معا ثم يودعها متوجها الى الجامعة. تمر ساعة زمن ويدوي صوت انفجار عنيف يزلزل اركان البلدة.. فتشعر الام بوخزة في قلبها وتسرع مذهولة نحوباب الدار فتسمع من الناس الراكضين باتجاه موقع الحدث ان سيارتين مفخختين انفجرتا وحدثت مجزرة فظيعة في موقف حافلات النقل.. فيتعاظم قلقها وتنهار بعد ان تدرك ان ابنها كان احد ضحايا المجزرة الارهابية.

عنوان القصة لم يكن متوائما مع المتن، فالرياحين "الأبناء الشباب في مقتبل العمر كما فهمنا من توصيف القاص لأبن الأم" لم يموتوا موتا طبيعيا كما جاء في العنوان بل قتلوا بشكل وحشي وغادر من قبل الارهابيين المتطرفين ونرى لوانه وسمها "هكذا تغتال الرياحين" لكانت عتبة أفضل إيحاء وتناغما مع المتن.

عموما هي قصة جيدة تضمنت مشاهد سردية أتقن القاص سبكها لولا بعض العبارات التقريرية والمباشرة التي تخللتها. ولجوء القاص الى مخاطبة القارئ بشكل مباشر مثال ذلك قوله " يا لها من مأساة فظيعة.. لقد صادروا حلمها..واغتالوا أملها ريحانتها..." الى قوله " لقد مزقوه إربا إربا.. وتحول الى أشلاء غارقة في بركة دماء "

كذلك استرساله بالسرد بعد مشهد الانفجار، ولوأختتم القصة به، لصنع نهاية مفتوحة أكثر إثارة للمتلقي.فالبدء فيسرد الحكاية بالكلماتمهم، لكن معرفة اين ومتى يجب ان يتوقف الكلام وتنتهي القصة هو ما يصنع الفرق.

إختيار الملعب المناسب يزيد من فرص كسب الرهان

منالمفارقةانتكونهذهالقصةهيالانضجمنبينالقصص،أسلوباوحبكةوخاتمة. رغم أن بنيتها قائمة على مخيال وتصورات القاص، فأحداثها مستلهمة من الفضاء الإنساني العام - الغربي تحديدا – فيما نهلت القصص الأخرى من الواقع المحلي الخاص.

في هذه القصة تتجلى موهبة السرد القصصي لدى المؤلف في أبهى صورها. وتتضح مقدرته في استخدام أدواته وتوظيفها بالشكل الأمثل لصياغة قصة ناجحة

القصة تتحدث عن واحد من شذاذ الآفاق في المجتمع الغربي يدعى "هنري" يمتهن كل فنون الإجرام لكسب المال ولا يملك من دنياه سوى ابنته المراهقة "مونيكا"، يعيش وإياها في كنف عشيقته بائعة الهوى الرخيصة بدارها في مزرعة نائية بأطراف البلدة متخفيا عن عيون الشرطة.

يعود البطل في أحد الأيام مبتهجا باستلامه عربونا لقتل أحد الأشخاص،يحتفل مع عشيقته بشرب الخمر فيثملان ويمارسان الجنس بلا احتشام، تدخل الأبنة الى الصالة فجأة فترى المشهد الخليع فتنسحب لتعاود التلصص عليهما من خلال النافذة، ولطالما كانت تتلذذ بمشاهدتهما سرا وهما يمارسان الغرام..

يستيقظ "هنري" قبيل مغيب الشمس بعد ان اخذته سنة من النوم عقب إطفاء شهوته في احضان العشيقة وينهض لتفقد ابنته فلا يجدها في الدار فيتنكب بندقيته ويخرج باحثا عنها ليعثر عليها بعد حين جثة هامدة مستلقية على ظهرها وساقاها منسدلتان في حفرة وهنالك جرح كبير وعميق في براءتها وقريبا من الحفرة يقف حمار المزرعة قوائمه الخلفية وجزء من بطنه ملطخة بالدماء.. بعد أن أدرك الأب ما حدث لابنته صدم وراح يجلد ذاته ويأكله الندم لإهماله واجباته الأبوية تجاهها ثم يلتفت الى الحمار ويصوب بندقيته عليه ويمطره بالرصاص مدركا انه رجم نفسه قبل ان يقتل الحمار.

ويختتم القاص الحكاية بعبارة "هذه هي ثقافة الغرب" عبارة فائضة لا لزوم لها بعد كل تلك التعرية والفضائح التي حفلت بها القصة وإظهار شخصياتها مجردة من أية فضيلة أوقيمة أخلاقية.

إختيار القاص للغرب ملعبا وشخوصا لأحداث هذه القصة كان موفقا وخطوةذكية وفرت له مساحة من الحرية وفتحت له الآفاق ليطلق لمخياله العنان في رسم مشاهد كان سيحرجه بالتأكيد تدوينها لواختار الواقع المحلي وشخوصه ساحة لها. مع التأكيد اننا لا نشاطره هذه النظرة التعميمية ومحاولة اختزال وحصرثقافات مجتمعات برمتها وتأطيرها بحالات فردية لا يكاد ان يخلو منها أي مجتمع بشري.

في الختام وللإنصاف لا بد من الإشادة بموهبة السارد في هذه المجموعة القصصية التي تفصح عن امكانيات واعدة تتوفر على خيال خصب ولغة محكمة، ننتظر أن تتحفنا مستقبلا بنتاجات أكثر نضجا وإدهاشا.