سعود الأحمد يوقظ المعاني من الأمكنة

التشكيلي يحمل الإزميل حيناً وحيناً الفرشاة، فهمه إعادة ترتيب مفردات الجمال المبعثرة في دوائر الحياة الكثيرة، بل حتى فينا وفي إنفعالاتها وسط خراب يلاحقنا من كل الجهات.

سعود الأحمد رسّام ونحات، يحمل الإزميل حيناً، وحيناً الفرشاة، فهمه إعادة ترتيب مفردات الجمال المبعثرة في دوائر الحياة الكثيرة، بل حتى فينا وفي إنفعالاتها وسط هذا الخراب الذي يلاحقنا من كل الجهات، فالبوصلة تقوده نحو أمكنة وأشياء ماتت المعاني فيها، وباتت شاحبة لدرجة غياب الملامح عنها تماماً، فضمانة لنفخ الروح فيها من جديد يلجأ سعود للتشخيص أولاً، فيرسي بأدواته على الوحدات التي تثير أحاسيسه أولاً بإعتبارها مفاتيح ولوج تمنح ألوانه وأشكاله أبعاداً دلالية تحقق إحتمالية الإرتباط فيما بينها من جهة وبينها وبين ملفوظاته في جوانبها المختلفة من جهة ثانية، مع وجود متواليات بصرية ناتجة عن إستحضار تصورات ذهنية يحملها الأحمد عن أشيائه بأمكنتها ويدفعها نحو التكيف مع تجربته الإبداعية التواصلية حتى يتم الكشف عن مجموع القيم المعرفية فيها والتي تستحوذ على مفاهيم سيميائية، بها يوظف الأحمد وقائعه التعبيرية الدالة على تحولاته المعتادة على ضخ حالاته بدفقة إفتراضات جلّها تؤكد على عمق إيماءاته وما تنتمي إليها من ثقافة الأساطير حيث تنبثق المآثر بملامحها أو بأشيائها.

 فلا إحتفاء بالغائب الموحى به، ولا إلغاء لبلورة مناخ، الإنتقاء فيه جمعي، فمن خلال الفضاء القديم نفسه يحضر في بداية الأمر مسار حكائي، مجمل عناصره تطلق الحكاية بخيوطها ونسيجها والقادرة على إلتقاط اللحظة مع إعادة المرئي منها نحو السطح بإعتباره المعادل المليء بالدروب والدلالات، فتكثيف فعل ركيزة البناء المرتبط بالنمط المفتوح لتوسيع زاوية الرؤية في مجال الإحالة ذاتها، وهذا ما يقوم به الأحمد حين يحقق شبكة علائقية ملفوظها إيمائي، ومحيطها رغبة البدايات بخبايا مفتوحة السبل، ما يجعل معيار الإحالات دليلاً لامحدوداً في عدم كبح جماحها، وطموحاً بعقلية الواثق من خلقه بفك شيفرة الحقيقة أو الأصل، فيطارد ظل الشيء لا الشيء ذاته حتى يسرع اللعبة بلهيبها دون أن يدعها وشأنها، بل يعيدها إلى البدايات بفعلها العذب والدقيق بوصفها بدائية التأثير دون أن تفقد جزيئات طاقتها وهي ترسم بصمتها ممهدة لآونة لم تأت بعد أو قد لا تأتي أبداً.

لكن البحث في إستراتيجية الخطاب التشكيلي لديه أعني عند الأحمد يجعل من مشخصاته، بعريهم الجميل وصفة بها تكتمل لغته وإن على نحو مجازي، فالتشكيك في مفرداته بكونها سلطان حقيقة أمر قائم وإن برموز ميثولوجية، فالأهم أنها حياة من التخيّيل والإستعارات والكنايات التي فيها تختبئ صوره الآسرة للنفس وللروح، بل آسرة بمقارباتها الدلالية غير المحايدة، جعلنا نقر بأن معطياته تلك قد تقدم لنا كمتلقين وقائع تكون بؤر لإنتاج دلالات تتبدى رويداً رويداً كلما غصنا في الأنساق المختلفة.

وكلما مهد الأحمد لنا علامات مشهده البصري بإستعانته بذاكرة الأشياء وما تقتضيه من توفر المعرفة المفتوحة على السموات جميعها، وهذا يؤدي بالضرورة في نهاية المطاف إلى تحقيق غايات جمالية / عملية تخص الإنسان وتخلص له على نحو كلي وإن من زاوية تجسيد الإمكانيات في التوليد مع الإدراك لتلك السلسلة من الإنزياحات من طرف الذات وكذلك من حركاتها الدالة على واقع أمر هي في النتيجة فعل إنطلاق نحو كينونة الجسد الإنساني داخل تصوراته المتداخلة بمفاصلها الكثيرة والمختلفة.

سعود الاحمد
حين يشتغل على الجسد كحركات أولية في سيرورتها ينظر إلى التمفصلات الأفقية منها والعمودية كدلالات لا متناهية

ومعنى هذا أن سعود الأحمد حين يشتغل على الجسد كحركات أولية في سيرورتها ينظر إلى التمفصلات الأفقية منها والعمودية كدلالات لا متناهية حتى يملىء الجسد بأبعاد تقترب كجغرافيا ممتدة في العمق المعرفي بزمنيتها، وهذا يلخص إنتاجه على نحو عام بوجوب وجود محفل حركات مكتف بذاته، مدرك لحجمه، فيها تنمو أشكاله بتداخلاتها القصوى، ومنها يحيل موضوعاته المحسوسة منها وغير المحسوسة أيضاً، وبحرارة متقطعة إلى آثار لحركات ترسم نتاجه بالإتجاه الذي يريد، متأرجحاً بين الصمت والصراخ، باحثاً عن قوة ثالثة تجمعهما في بوتق تعبيري واحد تكون خط تنقلاته ما بين السكون والحركة أو على العكس، فبإعتباره يمنح الحالة حالات من التدليل وإن بنفس روحاني فسيلقى تغييرات من داخل تصوراته ومن خارجها أيضاً.