سوناتا الكوكب الأحمر والضوء القرمزي

هدف الرحلة هو دراسة مناخ المريخ لترصد كيف تتسرب الذرات المحايدة من الهيدروجين والأكسجين التي تكون بقايا المياه الوفيرة من المريخ.
أجسادنا احتكت بالفضاء، وداعبت أيادينا كواكبه ونجومه وهذبت صخوره
أول معزوفة عربية عالمية حديثة وأعظم مشاريع العرب والمسلمين على الإطلاق
إذا غامرت في شرفٍ مروم ** فلا تقنع بما دون النجوم

أدعوكم اليوم معي أن ننطلق ونخرج بعيداً عن الصندوق، بل خارج مدار الأرض كله، وأن نتابع ونتعرف بالحقائق - لا بالخيال - على رحلة المئة مليون كم خارج كوكب الأرض، حيث يجئ زمنٌ آخر مختلف عن هذا الذي عشناه ونعيشه، زمنٌ لا سقف له ولا حدود، يختفي فيه اللون الأزرق المزيف، والفراغ الأسود، والضجر، والقلق، والنعاس، وعبارات المهزومين.
نعم لم يكن ذلك حلماً بل واقعاً، احتكت أجسادنا بالفضاء، وداعبت أيادينا كواكبه ونجومه وهذبت صخوره.
هكذا انطلقت رحلة المئة مليون كم، بعيداً عن السماء وقريباً أكثر من الضوء القرمزي في رحلةٍ ملاحيةٍ فضائية حطت أول إنسان عربي مسلم على كوكب المريخ، تحديداً 9 فبراير/شباط 2021.
شيئان مختلفان ومتناقضان حدثا في هذا اليوم، الأول مظلم ومتوار عن المشهد تماماً حيث اختفت قصص الأرض كلها البريئة والمذنبة والفاسقة، وبدت عاريةً كالضباب غير مملوءةٍ بالبشر ولا بالبشرية، وانتهى المشهد الأرضي صامتاً كئيباً، مليئا بالوحدة والعزلة، واختفى ضجيجه تماماً وكأنه اليوم الأخير للعالمين.
 الثاني مضئ يسمى "مسبار الأمل" كان عليه أن يُسرع للخروج من جاذبية الأرض  حتى يشرق فوصلت سرعته ٣٤,٠٨٢ كم في الساعة، ولم يتبق من مشهد الأرض إلا شمسها العظيمة والمجيدة التي استخدمها المسبار في الانطلاق لكوكب المريخ معتمداً على وضعية الألواح الشمسية المفتوحة، وهكذا انطلق تاركاً الأرض تماماً باتجاه الشمس وحدها.
إنه مسبار الأمل أو سوناتا الكوكب الأحمر أول معزوفة عربية عالمية حديثة وأعظم مشاريع العرب والمسلمين على الإطلاق تقودها دولة فتية واعية محبة للحياة تحاول دوماً الخروج من فم الحفرة والصدع الكبير. إنها دولة الإمارات العربية المتحدة، فتصبح الامارات بذلك خامس دولة بالعالم ترتاد الفضاء لهذه المهمة بعد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي وأوروبا والهند، وتنقل بمشروعها طموح ست وخمسين دولةً عربية وإسلامية وتصنع لنا جميعاً فارقاً تاريخياً عظيماً. 
ويأتي هدف الرحلة هو دراسة مناخ المريخ لترصد كيف تتسرب الذرات المحايدة من الهيدروجين والأكسجين التي تكون بقايا المياه الوفيرة من المريخ. 
 ما يهمني هنا - لا المصطلحات العلمية والفلكية ولا المهمة العلمية ذاتها ذلك لأنني لست على المستوى العلمي المؤهل لذلك التقييم - بل ما يهمني عدة أمور قد تأتي على هامش المشروع لكنها مهمة لإلقاء الضوء عليها. 

أولا: الظرف التاريخي والاجتماعي العربي والإسلامي الذي انطلق في ظله المسبار، ينطلق في ظل إتهامات كثيفة وملحة ومتراكمة عبر التاريخ للإنسان العربي المسلم والتي تدعي جهله واستهلاكه للعلوم وتتهمه بمسؤوليته المباشرة للإرهاب، فيأتي مسبار الأمل يُكذب كل زعم وينفي أي تهمة مباشرة. ويجعلنا نرفع رأسنا عالياً ويدعونا ألا نعود للوراء أبداً، لقد كان الأمرُ بعيداً عن الركب ثم أشرق  فأصبح الكونَ كله لنا.
حقاً إنه أمرٌ عظيم كما قال تعالى "فلا أُقسم بمواقع النجوم وإنه لقسمٌ لو تعلمون عظيم". 
ثانياً: توقيت الانطلاق ذاته حيث انطلق في 20 يوليو/تموز 2020 متغلباً على التحديات الفنية واللوجستية والطبية التي فرضها وباء فيروس كورونا المستجد كوفيد - ١٩ في العالم كله، فتنطلق الإمارات في سبات كورونا وتقول (المريخ صار على الحدود، ولا شئ بعيد). 
ثالثاً: الرؤية الطموح التي تراها الإمارات للمستقبل بجرأة وبلا خوف معتمدةً على معانٍ بسيطة كالسعادة والأمل، وكأن حل المعضلة كلها في الابتسامة والثقة بالنفس، وذلك يذكرني بوزارة السعادة التي ابتدعتها الإمارات وحدها في القطر العربي في خطوة تثمن من شأن الإيجابية والتسامح والسعادة والأمل في خلق الإبداع ودفع حركة التنمية المجتمعية والاقتصادية. 
هذا يجعلنا نتذكر ما غرد به الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عبر حسابه بتويتر قائلا: «تتم دولتنا خمسين عاماً مع وصول مسبارها للمريخ.. وستنتقل للخمسين عاماً القادمة بروح مختلفة وعزيمة متجددة.. وطموحات تعانق السماء.. وشباب لا يقف أمامه شيء».
 رابعاً: الاعتماد على الكفاءات البشرية والخبرات الوطنية في مجال التنمية والتكنولوجيا، وذلك يجعلنا نشيد ببرنامج محمد بن راشد لإعداد القادة وإعداد رواد الفضاء. والذي استطاع ان يكون فريقاً فضائياً رائداً، حيث ضم مسبار الأمل ٢٠٠ مهندس إماراتي يرأسه عمران شرف، مدير المشروع والمسؤول عن إدارة ودعم المهام المتعلقة بالبعثة، كما اعتمد المشروع على دعم جهود المرأة وحفزها، فتأتي سارة الأميري كبيرة الباحثين العلميين والتي تقود الفريق في تطوير أهداف المهمة ومواءمة البرامج المتعلقة بأجهزة مسبار الأمل.
حقاً إن "مسبار الأمل" يجعلنا  لا نفقد الأمل أبداً. 
وكأنه يقول: أيها العربي المسلم قالوا إن عينيك أصغر حجماً، لكنهما الآن تحويان المدى. 
بل كانت عبارة التهنئة التي قدمتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) لمسبار الأمل العربي الإماراتي دليل على أن ما علينا سوى الطموح الجسور دون خوف، فقط نجعل الطرقات ممهدة ولينة فقالت: 
إذا غامرت في شرفٍ مروم ** فلا تقنع بما دون النجوم
 في النهاية أهنيء كل عربي بهذا الإنجاز، وأهدي الإمارات كلمات شاعرها د. مانع سعيد العتيبة: 
الكبرياء على جبينك لائق ** فتكبري ما جاز أن تتواضعي 
هذا فؤادي في الطريق فرشته ** فإذا شكى أو صاح لا تتواجعي