سياسيو لبنان في النزع الأخير

عشرات الأسئلة تكشف عن تواطؤ الطبقة السياسية وميلها إلى النأي بالنفس في ما يتعلق بالصدام بحزب الله حتى لو كانت الأمور ستؤدي إلى انفجار يدمر نصف بيروت التاريخية.
أن يكون المرء سياسيا يعني أن يكون فاسدا!
الفوضى التي يعيشها اللبنانيون لا تسمح بولادة نخبة سياسية بديلة
هل دافعت الدولة اللبنانية عن نفسها يوم قرر حزب الله أن تهيمن دولته عليها؟

لا علاقة لحزب الله بتداعيات الانفجار العظيم الذي تعرضت له بيروت. سقطت الحكومة التي هي حكومته. ليست هناك مشكلة. لم يدافع حسان دياب عن حكومته. يعرف أنها لم تكن سوى واجهة. الجمهور الذي طالب بسقوطها يعرف ذلك أيضا. ما الحل؟ حكومة جديدة يؤلفها حزب الله. لقد صارت مهمة مزعجة. الفوضى التي يعيشها اللبنانيون لا تسمح بولادة نخبة سياسية بديلة. هناك مجلس نواب ينبغي إزاحته لأنه هو الآخر فاسد. إنه مجلس نواب حزب الله. هناك يجب على الشعب أن تثقل كفته في الميزان.

فإذا كانت الطبقة السياسية الفاسدة قد هزمت فلابد أن تًطرد من مجلس النواب ويكون وجودها في الحكومة مستحيلا. لذلك فإن الذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد سقوط الحكومة هو الخطوة التي ستقود إلى إقامة نظام تشريعي محكم لا يتلاعب به الفاسدون. تلك أمنية هي عنوان تحول تاريخي.

يزعم حزب الله أن لا علاقة له بالفاسدين.

ولكن ذلك يعود إلى مفهوم الفساد الذي يعتمده الحزب.

كل زعماء الطوائف السياسية لا يجدون في استمرارهم في الهيمنة على السلطة نوعا من الفساد. كانوا قبل الانفجار يلعبون داخل الوطن الذي تحول إلى مساحة لفساد متفق عليه. هو جزء من فهمهم للسياسة. أن يكون المرء سياسيا معناه أن يكون فاسدا.

نفض السياسيون التقليديون أيديهم من المسؤولية بصمت.

لا أحد من السياسيين داخل الحكم وخارجه اعترف بمسؤوليته أو مسؤولية النظام عما جرى. القليل الذي سمعناه ينتمي إلى النوع الزئبقي من الكلام. ما يمكن التأكد منه أن الجميع متفق على أن الشعارات التي تم رفعها من التنديد بالفساد والاهمال لتصل إلى مستوى المطالبة بتغيير النظام لا تمس البنية السياسية القائمة.

الذين اجتمع الرئيس الفرنسي ماكرون بهم خلال زيارته واسمعهم كلاما ثقيلا هم على يقين من أنهم باقون في أماكنهم ولن يمسسهم أي ضرر. فهم وإن كانوا جزءا من البنية السياسية الفاسدة فليس عنهم غنى وما من بديل جاهز لهم بعد أن اعترفت الرئاسة الفرنسية بضرورة الحوار معهم.

يمارس السياسيون اللبنانيون بذلك نوعا من الغباء المصطنع.

فليس من العدل أن يتحمل حزب الله المسؤولية كاملة عن الانفجار وعن الأوضاع السياسية التي سبقته.

هل دافعت الدولة اللبنانية عن نفسها يوم قرر حزب الله أن تهيمن دولته عليها؟

لماذا رفعت الحكومات اللبنانية يدها عن مخزن متفجرات وهي التي تملك خبراء متخصصين في ذلك الميدان؟

كيف أجبر حزب الله سياسيي لبنان كلهم على الصمت وفيهم مَن يعارضه ويطالب بنزع سلاحه؟
هناك عشرات الأسئلة الشبيهة التي تكشف عن تواطؤ الطبقة السياسية وميلها إلى النأي بالنفس في ما يتعلق بالصدام بحزب الله حتى لو كانت الأمور ستؤدي إلى انفجار يدمر نصف بيروت التاريخية.

يتمنى السياسيون اللبنانيون أن يُطوى ملف الانفجار العظيم باعتباره "حدثا" لتبقى طرقهم سالكة في اتجاه رئاسة الوزراء ومجلس النواب فهم وليس سواهم مَن يتمكن من الإمساك بخيوط اللعبة الطائفية.  

أولئك السياسيون في حاجة إلى أن يدركوا أن تلك اللعبة قد انتهت.

من المضحك فعلا أن يدعو البعض منهم إلى إقامة نظام سياسي غير طائفي وهو يعرف جيدا أنه ما كان من الممكن أن يحصل على امتيازاته ومكانته التي فتحت أمامه أبواب الفساد لولا النظام الطائفي.

السياسيون الذين نصبوا أنفسهم أمراء للطوائف يؤازرون حزب الله وهم يكذبون حين يحتجون على الفساد ويطالبون بتغيير النظام.

غير أن من المستبعد في الحالة اللبنانية أن يبقى الوضع السياسي على ما هو عليه. فالرهان على حزب الله هو رهان خاسر ذلك لأن المجتمع الدولي صار على يقين من أن وجود ذلك الحزب يقف بينه وبين مساعدة البلد المنكوب.