سيل أزمات تونس يصل الى أجور القطاع العام

توقعات بعجز الدولة التونسية عن سداد أجور مايو بالتزامن مع تعثر مفاوضات لحصول على قرض جديد من صندوق النقد واضراب يشل قطاع الجباية أهم مصادر تعبئة الميزانية.

تونس – تسير الموازنة المالية التونسية منذ سنوات على شفير الافلاس، لكن تعقيدات أزمة كوفيد الصحية فضلا عن أزمة البلاد السياسية وتعثر مفاوضات لحصول على قرض جديد قد يدفعان بها بالفعل في هاوية العجز عن سداد مرتبات شهر مايو/اذار خصوصا تحت ضغط اضراب مستمر لموظفي الجباية.

وعبر النائب البرلماني ياسين العياري عن هذه المخاوف في تدوينة على فيسبوك قال فيها ان الدولة التونسية مطالبة بتوفير أكثر من 256 مليون دولار في ظرف يومين لتأمين رواتب الموظفين التي من المفترض أن يتم صرفها الاثنين.

ووفقا للعياري فان الحساب الجاري للدولة يتوفر الآن على 960 مليون دينار وأن رواتب الموظفين قيمتها 1.6 مليار دينار وهو ما سيدفع الدولة إلى البحث عن 700 مليون دينار لتأمين كتلة الأجور.

ورأى العياري أن اقصى ما تملكه الحكومة في الظرف الحالي تأجيل "الانهيار" بضعة أسابيع عبر طلب قروض سريعة من البنوك ، إن تم منحها ستكون بفوائد خيالية.

وهذا الوضع الخطير، يفاقمه اضراب لموظفي الجباية يتواصل للاسبوع الثالث على التوالي بلا أي افق لتسوية قريبة.

والاضراب الذي يعد الأطول من نوعه في القطاع العام يسد الطريق على مداخيل تشكل نحو 70 بالمئة من موازنة البلاد ويتسبب لها في خسائر يقدرها المسؤولون بنحو 5 ملاين دولار يوميا.

ويطالب المضربون بتعديلات هيكلية على القوانين المنظمة لقطاعهم متهمين السلطات برفض تطبيق اتفاقات سابقة.

ويتوقع خبراء ان ينعكس اضراب الجباية على موعد تسديد الدولة الجرايات الشهرية، فضلا عن تعطيله لمصالح الاف المواطنين يوميا.

وتستأثر كتلة الأجور بأكثر من 45 في المئة من حجم ميزانية الدولة التونسية، وهي عبء ثقيل ينهك موازنة تعصف بها تداعيات الوباء وتعثر الاقتصاد.

ومنذ انتفاضة 2011 التي شهدتها البلاد، تضاعفت كتلة الأجور نحو ثلاث مرات.

وفي نهاية 2010 لم تتجاوز الأجور ملياري دولار، لتبلغ اليوم أكثر من 6.6 مليار دولار.

ويرجع الخبراء هذا النزيف، لتحمل الموازنة العامة للدولة وزر امتصاص الاحتقان الاجتماعي من خلال فتح باب الانتدابات بشكل عشوائي في القطاع العام.

كما تحملت الموازنة تداعيات اتفاقيات زيادات في الأجور فرضها تضخم مالي فاقمته الأوضاع السياسية غير المستقرة على مدار عقد، في ظل غياب نمو اقتصادي يتماشى مع حجم الانفاق.

وكتلة الأجور في صلب مفاوضات دأبت تونس على اجرائها مع صندوق النقد الدولي، والتي انطلق رسميا فصل جديد منها مطلع الأسبوع في الولايات المتحدة الأميركية.

ويحذر الصندوق منذ 2014 من التداعيات الخطيرة لتضخم كتلة الأجور في ميزانية الدولة، ودعا تونس إلى الحد من هذا النزيف.

وهذه المرة تسعى تونس الى الحصول على قرض بقيمة 4 مليار دولار وهو أعلى مبلغ تقترضه تونس منذ الاستقلال.

وعرض الوفد التونسي الذي ترأسه وزير المالية والاقتصاد علي الكعلي ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال زيارته إلى واشنطن على خبراء ومسؤولي الصندوق وثيقة الإصلاحات التي تعتزم الحكومة تنفيذها ومن أبرز تعهداتها تجميد الزيادة في الأجور خلال سنة 2021 وخفض نسبتها من 17.4 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2020 إلى نسبة 15 بالمائة في سنة 2022، فضلا عن رفع الدعم.

والوصول إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد أمر حيوي لانقاذ الاقتصاد، لكن الخبير عز الدين سعيدان يرى أن المسار سيكون طويلا ما يعني انه لا يمكن التعويل عليه لحل مشكلة الأجور.

ويرى سعيدان أن "المفاوضات الرسمية لا يمكن أن تبدأ إلا بعد عدة مراحل" متوقعا استغراقها شهرين على الأقل، وقد تصل المدة الزمنية للحصول فعليا على القرض إلى أربعة أشهر.

المفاوضات الرسمية لا يمكن أن تبدأ إلا بعد عدة مراحل

وتسجل تونس أكثر من 100 مليار دينار قيمة المديونية بين الداخل والخارج وهو ما يمثل نسبة 100% من إجمالي الناتج المحلي، ما يعني انه حتى في حالة حصولها على قرض فانه كامل قيمته ستوجه لتسديد الديون المستوجبة في سنة 2021.

ورغم أن تونس اقترضت عشرات مليارات الدنانير منذ عام 2011، إلا أن ذلك لم ينعش الاقتصاد، كما لم تتحسن ظروف التونسيين، بل إن القدرة الشرائية للمواطن التونسي تراجعت نحو 50 في المئة مقارنة بسنة 2010.

والسبت قال المعهد الوطني للإحصاء في تونس إن اقتصاد البلاد انكمش 3 في المئة في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بالعام السابق في الوقت الذي تضرر فيه قطاع السياحة الحيوي بسبب تداعيات جائحة فايروس كورونا.

وخلال الربع الأول من عام 2020 انكمش الناتج المحلي الإجمالي لتونس بنسبة 1.7 في المئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2019.

وسجلت عائدات القطاع السياحي التونسي تراجعا بنسبة 55 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي.

أما البطالة وهي الملف الذي يؤرق الحكومات منذ 2011، فقد ارتفعت وفق إحصاءات معهد الإحصاء إلى 17.8 في المئة في الربع الأول من هذا العام في بلد يبلغ عدد سكانه 11.7 مليون نسمة.

والأسبوع الماضي حذرت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز من أن تخلف تونس عن سداد ديون سيادية، قد يكلف بنوك البلاد ما يصل إلى 7.9 مليار دولار.

ويثير تدهور الوضع الاقتصادي مخاوف من مزيد تفجر الوضع الاجتماعي في ظل حالة احتقان شعبي، تتجلى في حالة العصيان ورفض الالتزام بإجراءات الحجر الصحي التام طوال الأسبوع الماضي، فضلا عن سلسلة اضرابات لا تكاد تتوقف.

وتفاقم الأزمة الاقتصادية المزمنة، يتزامن مع جمود سياسي غير مسبوق في ظل معركة صلاحيات بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي المدعوم من حركة النهضة.

كما تواجه تونس أزمة صحية مع وضع وبائي تصفه وزارة الصحة بأنه "خطير للغاية"، بعد تسجيل قفزات قياسية في عدد الإصابات والوفيات بفايروس كورونا، وعجز المستشفيات وأقسام الإنعاش عن استيعاب العدد الهائل من المصابين، ما اضطر الحكومة لفرض اغلاق عام صاحبه تمرد شعبي على اجراءاته.