شرخ طهران أكبر من تسدها رقعة الانتخابات

كيف يثق الإيرانيون بقيادة لا تثق بأقرب المقربين لها ولا تسمح لهم بدخول معترك الانتخابات.

من بين 80 مرشحا لمنصب الرئاسة في إيران، قام مجلس صيانة الدستور الخاضع بقوة للمرشد الاعلى، بإختيار ستة مرشحين وتم إستبعاد 70 مرشحا بالتمام والكمال ومن بين هؤلاء رئيس سابق، ورئيس سابق للبرلمان، والعديد من الوزراء ونواب الوزراء، والعديد من أعضاء مجلس الشورى وعنصر خاص في مكتب خامنئي.

وعلى الرغم من حساسية المرحلة التي يمر بها نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية ومع المطالب والنداءات الصادرة من شخص خامنئي وشخصيات أخرى في النظام بالتزام الهدوء وعدم إثارة الضجة والفوضى وتوجيه الانتقادات وما إليها، لكن لا يبدو إن كل ذلك قد لقي ثمة صدى في الآذان، إذ أثارت طريقة واسلوب إختيار مجلس الصيانة الدستور حفيظة العديد من المرشحين، ومن بينهم كرباسجي، عمدة طهران السابق، الذي كتب في صحيفة هم ميهن في 5 يونيو، بتهكم واضح "هل هناك فن أسمى من إنشاء آلية لتحويل الرمز الرئيسي للديمقراطية في بلد ما إلى عرض فكاهي أو كوميديا ارتجالية تسمى التسجيل الانتخابي وإلهاء شعب لبضعة أيام، وإضاعة الكثير من الوقت وميزانية البلاد من أجل تمهيد الطريق لتمرير الجمهورية في أذهان الجمهور؟"

أما علي لاريجاني، الرئيس السابق لمجلس الشورى، قال أيضا بنبرة يغلب عليها التهكم أيضا حول رفض ترشيحه من قبل مجلس صيانة الدستور قائلا "ما دفعني لدخول السباق الانتخابي هو الظروف الخطيرة، لا سيما في المجال الاقتصادي الصعب والموقع الحساس دوليا، خصوصا مع ضغوط العقوبات. لكن مجلس صيانة الدستور، رغم موافقة الجهات المسؤولة وحكم القضاء، منعني بطريقة غير شفافة من المشاركة." مع ملاحظة إن لاريجاني هذا وأخويه الآخرين كانا لأعوام عديدة من المقربين من خامنئي، بل وحتى من المحسوبين عليه.

والملفت للنظر إن مسعود رضائي، أحد الخبراء الحكوميين، والذي يصف نفسه كخبير وباحث تأريخي، يقول عن الاختلافات السائدة في ظل الاستعدادات الجارية لانتخابات الرئاسة "إذا أردنا زيادة المشاركة بهذه الأساليب، فنحن نعرض المجتمع لخطر الانفجار." وأوضح محذرا "تتشكل انقسامات حادة تؤدي إلى عداء كبير وإقصاء متبادل. النتيجة ستكون الفوضى والعنف. عندما يصبح المجتمع شديد التوتر، يشبه برميل بارود يمكن أن ينفجر بشرارة واحدة." فيما قال مراسل تلفزيون الشبكة الوثائقية للنظام في 8 يونيو 2024 وبنفس سياق ورأي رضائي "زيادة الانقسامات المزيفة في المجتمع واستقطاب الناس يؤدي في النهاية إلى فتنة عنيفة. الخلافات والآراء المختلفة موجودة دائما، لكن بعض الجماعات تستفيد من تضخيم هذه الخلافات وحشد الناس في الشوارع."

وبطبيعة الحال فإن الذي يمكن إستخلاصه وإستشفافه مما قد أوردنا ذكره ولاسيما وإن جميعهم من داخل بوتقة النظام وليس من خارجه، هو إن هناك ما يمكن وصفه بالفوضى والانقسامات والتناحرات داخل النظام وهو ما يزيد من إحتمالات إندلاع أحداث وتطورات ليست في حسبان النظام.

وثمة حقيقة مهمة أخرى وهي إن التناقضات الداخلية والاستياء العام يمكن أن تؤدي إلى أزمة اجتماعية وسياسية من الصعب السيطرة عليها من قبل النظام. ويعلم خبراء النظام الذين شاركوا في القمع لسنوات عديدة، أنه عندما يخرج صراع الفصائل داخل النظام عن السيطرة ويرى الناس الانقسامات في قمة الحكم، ينزلون إلى الشوارع. كما أن مطلب الشعب قد تحدد منذ سنوات، وهو رفض النظام والمطالبة بتغييره. وخلاصة القول، إن الشرخ الكبير الحاصل في النظام كحاصل تحصيل لمسيرة 45 عاما، من الصعب، بل وحتى من المستحيل أن تسدها رقعة هذه الانتخابات المثيرة للشكوك والجدل معا.