صرخات ألم بحجم الوطن قراءة في أعمال هاشم حنون

الفنان العراقي المغترب يقدم أشكالا ممتعة للمتلقي، ولكن في حالات خاصة يقدم نصا بصريا فيه تجليات ورؤى تمس وجدان الأمة ونضال الشعوب.

الفن هو من يساوي أولئك الذين كسرتهم الحياة، كما يقول فنسنت فان غوخ. وهو حالة انفعال تحول الطاقة الحسية إلى بصرية عبر خطوط وأشكال وأشياء مبسطة وأحيانا معقدة حسب ما يمر به الفنان.

قدم الفنان هاشم حنون منذ 2019 وإلى عام 2023 عدة أعمال ترافق الحالة الثورية للشعوب والنضال من أجل حرية الإنسان. وتجلى أسلوبه في هذه الأعمال إلى اختزال عشرات المشاهد المرئية والوجوه بتخطيط واحد أو عمل واحد، قد يبدو غير مألوف للمشاهد للوهلة الأولى، ولكن سرعان ما يصل المتلقي إلى نقطة دالة أو نافذة كان يبحث عنها روحيا ونفسيا ليلج منها إلى عالم تلك اللوحة أو العمل.

في أحد هذه الأعمال يقدم هاشم حنون ما حدث ويحدث من صراع بين قوى الخير والشر وما نتج عن هذا الصراع، عالم ثاني قد يبدو غير مرئي ولكنهُ عالم موجود وهو مواز للعالم الذي نعيشهُ، وهو العالم الذي سافرت إليه تلك الوجوه النضرة والأرواح النقية التي صرخت بقوة من أجل حريتها واسترداد حقوقها المغتصبة، لذلك كي يحقق هذا التوازن بين العالمين عمدَّ الفنان إلى رسم هذا العالم غير المرئي في وسط العمل بالتخطيط بالأبيض والأسود، ليوقف هذا التناغم الملون السائد بالعمل بوجوه محزنة وتخطيطات فيها انكسارات وزوايا حادة ووجوه مضللة بقصدية لتتوارى عن الأنظار.

لكنهُ يعود إلينا بعمل آخر أشد اختزالا وفيه قدرة كبيرة لمهارته في التلاعب بالأشكال والحدود الداخلية والخارجية لها، مما يعطي لنا انطباعا عن شدة التوتر الذي يرافق العمل ومدى التفاعل الذي يعيشه الفنان مع ما يحدث في عالمه الخارجي.

الشيء الذي يثير انتباه النقاد لتجربة هاشم حنون الذي اتخذت مسار جمالي في رسم المدن بألوان ساطعة هي الأقرب إلى المدرسة الانطباعية وتأثير الضوء في الألوان. هو هذه الانتقالية الموجعة والقاسية في خلق بيئة ومساحة تتشظى بها الوجوه والأحلام في مساحة كئيبة وحزينة بألوان ترابية وبروز بقع للألوان الساطعة هنا أو هناك من العمل، لإبراز بؤر التوتر في العمل خصوصا أن العمل يقدم صراعا بين قوى الشر وقوى الخير.

قد تأخذنا مدلولات الخط وتشابكهُ في هذا العمل إلى أن هاشم حنون يحاول أن يخلق مسارا جديدا لتجربته وهو ما قد يعد هروبا من سطوة اللون وتكرر جماليات المدن وما يترتب أحيانا على الفنان من البقاء في منطقة واحدة، كما نجد ذلك عند الفنانين الذين بقوا أسرى لوجوه النساء الجميلات أو الفلكلور ومفردات التراث البغدادي حيث وجدَّ هؤلاء أنفسهم محاطين بسطوة هذه الجماليات ومتطلبات السوق!!

ولكن هاشم حنون يمتلك من الموهبة وقوة الخط وبدايات تجربته التي بزغ منها مع تجربة لوحة الشهيد المهيبة 1978، لذلك لا يجد الصعوبة الفنية ومزاجية الفنان حين يعود بين الحين والآخر وحسب تفاعلهُ مع ما يحدث في وطنه العراق وقضايا الإنسان العربي إلى رسم هذه المواضيع التي يشيدها وفق مفهوم طقوس الحزن وشعائر الألم.

ففي لوحة أخرى رسمها سنة 2019 يقدم طقسا جنائزيا مهيبا هو الأقرب لما رسمه في لوحة الشهيد، ولكنه في هذا العمل يعمد هاشم حنون إلى المزج بين التخطيط كحالة فنية قائمة بذاتها بكل ما يوحي الخط وارتكازاته وتوتراته التي تنقل للمتلقي حالة الجو النفسي الذي يملأ مشهد الألم والحزن، وبين الكتلة اللونية المتكونة من اللون الأحمر واللون البرتقالي مع وجود كتلة بلون الأسود أسفل الجريح الذي يئن من الألم والحزن وكأن هذه الكتلة هي أشبه بعربة الحزن التي ترافق أحلام هؤلاء الصبية المشدوهين الفكر والحواس إلى ما يحدث حولهم من موت وألم وتهشيم لذكريات وطن وتعطيب لأحلامهم، لذلك وضعهم الفنان في دائرة القناص الذي يستهدف لا يستهدف فقط رؤوسهم، وإنما أحلامهم لتهشيمها وتعطيلها، وهذا ما يفعله سابقا وحاليا الكيان المغتصب في فلسطين كيف يقوم بتهشيم أحلام الصبايا والفتيان ويصطاد الأطفال كما يفعل صياد محترف في حصد الطيور دون مبالاة، وهو الحال ذاته ما تفعله التيارات والجماعات المتشددة مع شعوبها ونظرتها إلى الآخر.

الفنان كما عُرف من قبل يقدم أشكالا ممتعة للمتلقي، ولكن في حالات خاصة يقدم نصا بصريا فيه تجليات ورؤى تمس وجدان الأمة ونضال الشعوب.