صفوان أصلان يكسر المسافات كلها بتعبير حالم

التشكيلي السوري المولود في حمص له ما يميزه، له محرابه وتكيته له إستخداماته في الإحاطة بمسألة الخلق، كما له نظرته إلى الدور الذي يلعبه الفن في النسق الروحي وله رؤيته أيضاً، تلك الرؤية التي يتصف بها في المقاربة من عالم الوجدان والأحلام، العالم الذي يكاد يشكل المحور الأساس في تجربته الإبداعية.

صفوان أصلان من أهالي حمص، ولد فيها عام 1973، ودرس في معهد صبحي شعيب ليتخرج منها عام 1998، له معارض فردية عديدة، ومشاركات جماعية داخل سورية وخارجها، له ما يميزه، له محرابه وتكيته، له إستخداماته في الإحاطة بمسألة الخلق، كما له نظرته إلى الدور الذي يلعبه الفن في النسق الروحي، وله رؤيته أيضاً، تلك الرؤية التي يتصف بها في المقاربة من عالم الوجدان والأحلام، العالم الذي يكاد يشكل المحور الأساس في تجربته الإبداعية.

تلك التجربة التي تنطلق من بعدها التأويلي الذي يشكل بدوره الرابطة الأعمق لوجهته الفنية، تلك الوجهة التي تفتح له آفاقاً واسعة تساعده في إرتياد الأرض البكر، دون أن يضع لنفسه قيوداً ولا إعتبارات لمقولات سالفة وسابقة، سعيه الأهم يكون للإستكشاف أولاً، وللإقتراب من النسق الصوفي الذي يغرد على أغصانه ثانياً، طامحاً إلى تجاوز كل الإشكاليات الشائكة التي قد تلد هنا أو هناك، طامحاً في نسف كل المحاولات التي تغلب عليها تعبيرات تقليدية، فهو الذي يرى أن الفن يجب أن يكون فردانياً، وقائماً على الذوق في المقام الأول، أن يكون مع سمواته، وهذا التعبير قد يكون الأقرب لحالته وفرادتها.

وإذا تجاوزنا مقارباته ذات السمات العرفانية وما يحيط بها من غموض كغلالة تلمح حين يبدأ الجدل بالورود كلمحات تساق ضمن النسق الذي يمضي فيه، سنلمح سعيه الآخر ليحدد المقدمات التي تنقله من فنان متصل بالحق، إلى فنان متصل بالخلق، وهنا يظهر تمايزه في التزاوج بينهما وهذا ما يغمره شعوراً عارماً بالنور، ورؤى خارقة بالإحساس وتلك الإشراقات والتصورات بإيقاعات متفاوتة الشدة، ولذا فهو يحدد المقدمات التي ستقوده إلى السموات، ويقوم في توكيد الحق بوسائله الجمالية كتعبير حالم بأن عملية الخلق تلغي كل الوساطات، وتكسر كل المسافات حتى تغمره الآلهة برؤاها.

صفوان أصلان ينظر إلى الحياة بطريقة في غاية الجمال، طريقة حالمة تكاد تلخص كل حاجاته والروحية منها على نحو أخص، أو بلغة أخرى ينظر إلى الحياة بما يقوم به الفن في المساعدة على إحداث الحال الروحية التي هي نِعَم من السموات، فثمة لديه ما يلعب دور المساعد لتقريب تلك الحال إلى قلبه كفنان بكل ما يحمله من صور وتجليات وأحلام.

وفي السياق ذاته يمكن الرجوع مع أصلان إلى مسرح الأولين، أقصد فضاءاتهم، وقصصهم وأحلامهم، أساطيرهم وحكاياتهم سنرى أن فيها الكثير من الذي يشير إلى الصِّلة الروحية بكل عناصرها العاطفية، من الذي يشير إلى صياغات طقوسهم التي تخترق الأحلام وتشبع نفوسهم بالمواقف الروحية ذات التنوع الجميل، والتأكيد على عظمتهم التي تثري الإنسان فيهم.

وأصلان يقف بكل وجوهه، بتقاليدهم الحية، وبأحلامهم الكثيرة، وفي الظروف والأوضاع المختلفة ليظهر على شكل غير مباشر مشاعرهم، مشاعر الحزن والألم، أو مشاعر الفرح والأمل تبعاً ما تتجلى في مجالسهم الموجودة في خيالهم وهذا ما يوصلهم إلى ذلك الشعور الذي أوجدته فيهم تلك الروحانية التي تجبر النفس الإنسانية بالتوحد بالحضور الإلهي، وبقدر ما ندرك في أهمية حقوله التي رعاها بنبالة حسه وبتزويدها بإرشادات روحية، بقدر ما ندرك بأن حالة تلك الحقول إستثنائية، بصلتها الوثيقة بتلك الأبعاد التي تسكنها بشكل شبه كامل، إن كان بوعي يفسر ما فيها من تراتيل لها أهمية فنية تمثل توجهاً ذو خصائص لطيفة، أو للاوعي يحمل الإنسان فيه على أجنحة جماله المتحرر لتوصله إلى مساكنه الأصلية، أقصد إلى حقوله بوصفها تجليات إبداعية.

ومن المؤكد أن النمط الذي يشتغل عليه أصلان أشبه بتراتيل مقدسة بالمعنى العام، حيث يشكل نماذجه التي يهتم بها حالات إستثنائية تمثل خطه وما يأخذه بعين الإعتبار، وبمفرده يفسر الخصائص الروحية لها، فرغم إرتباطه بها وتزويدها بإرشادات جمالية وروحية فإنه يساهم في خلق أشكال جديدة لها، أشكال ذي طبيعة تكاملية تدمج أحياناً بحقيقة دواخلها من خلال ما لها من وجود وتأثير ذات خصائص روحية عالية على حقوله الصوفية التي تلقى كل عناية ورعاية من قبله، فهو يعي تماماً بأن الوعي من جانب ما هو مظهر من مظاهر الوحي، بإشاراته، وبدوافعه، وبممارساته التي تسجل كل الأشكال العرضية منها والجوهرية والتي قد تعكس بمعنى ما من المعاني عالمه الغريب جزئياً، والحالم بكل إنتماءاته.

وهذا يعني أن العوامل التي ترافق عوالمه تلك لا تندثر، بل في حالة من الإزدهار المستمر، وهنا نستطيع أن نقول بأن أصلان قادر أن يوجد الفن الذي يخصه، في شكله وفي حلمه، وفي لونه، والتي تتعلق بالحواس بمعناها التخيلي كتعبير حديث ينسجم مع المختلف لديه، ومرتبط بالحكمة على نحو غير محدود، وهذا يشكل محوراً أساسياً في رؤيته وما تتصف بها من زاوية يمكن النظر إليها وإلى الدور الذي يلعبه منتجه في هذا النسق من جهة ما كسعي للإستكشاف والإقتراب، أملاً في أن تسفر تلك المحاولة عن الاقتراب من الدور الذي يلعبه أصلان وما يقوم به من فتح آفاق واسعة، محرراً لها وله، محلقاً في عوالمها غير المقيدة، مقترباً من حقائق تحثه على التغيير، وهذا أمر جيد، من شأنه أن يدفعه إلى البحث على نحو دائم.