عبدالسادة جبار يراهن على مسرحيات المشهد الواحد

نقلة من مسرح القضايا الشمولية إلى مسرح الذات ضمن نصوص موضوعية وحميمية.
نصوص كشف وتعرية لما يدور في الواقع العربي وحتى العالمي
الصراع بين الماضي المقطوع وحواضر التكنولوجيا المعاصرة 

المسرح مشروع متطور، والذي يكتب للمسرح عليه مراعاة الشروط، أو الالتزام بعناصر النص المسرحي والذي  يتكون من ثلاثة عناصر رئيسية، وهي معروفة لدى المشتغلين في هذا الحقل الإبداعي، وهي القصة، والحبكة، والشخصيات، والحوار، فوجدتُ هذا في نصوص "المشهد الواحد" لدى الكاتب والقاص المبدع عبدالسادة جبار، بعد أن اهداني هذا الكتاب الذي أدخلني في هذا الكم الكبير من معاناة الناس، وهو يختزل الأمكنة المتعددة، فكل شخوصه تجد لها خصوصية في طريقة تفكيرها وحديثها وتصرفاتها، وتختلف تصرفاتها عن غيرها. 
كان والآن "المكان، أي مكان عربي. الزمان، هذا الزمان، العربي ماذا؟ نحن اعتمادنا في الحياة على "كان"، و" الآن" ينبغي له أن يعطيه" (ص16).
وباتت جميع قيمه الإنسانية التي حملها في حياته، وهو يطرحها عبر هذا الجنس الأدبي الذي أطلق عليه أحدهم "مسرحية المشهد الواحد" التي يبحث عنها كل من يضع بصمة في حياته التي عاشها ليكون الشاهد لهذا العصر أو العصور التي سبقتنا.
"مسرحية" مقتل السيد الرئيس؛ "الرئيس" ذنبكم أنكم سكتم كل ذلك الزمن… وسمحتم للسرقات" (ص53). وهذا الاشتغال الذي يعمل عليه البعض ومنهم الكاتب جبار يضعنا أمام مسؤولية هذا الانفتاح التأويلي الذي يشكل بالنسبة للعاملين فيه أو المشتغلين في هذا الحقل المعرفي والجمالي والفلسفي مهمة كبيرة لا حدود لها، وذلك لأن المسرح وكما يقال بطبيعته "إشكالي "لاشتغاله في قراءات لا حصر لها وتنفتح على منافذ متعددة في وقتنا الحالي، فكان منتبها في معظم نصوصه ومنها "مقتل السيد الرئيس، الفوضى الخناقة، هزيمة الشيطان" وغيرها. 
مهمة الكاتب جبار الذي أراد أن يقول شيئا حسب ما أملته عليه سياقاته الذاتية والموضوعية، فهي نصوص مجددة باعتقادي على مستوى الشكل والمضمون، فهي نقلة من مسرح القضايا الشمولية إلى مسرح الذات، وهي نصوص موضوعية وحميمية وهي كشف وتعرية لما يدور في الواقع العربي وحتى العالمي.
مسرحية "أصوات". 
المسؤول "بماذا يطالبون هذه المرة؟ 
مدير المكتب، سيدي أنهم يطلبون أمرا غريبا" (ص65).

المسرح يبقى في وقتنا الحالي مسرحا مشاكسا وخطيرا من خلال ما يقدمه على خشبات العروض المسرحية التي تنتهج نهجا ًخاصأً وعميقا في طرح قضاياه المصيرية

يقول الباحث الفرنسي ميشال كورفان: من أجل وصف ما يسمى الكتابات المسرحية الجديدة في الفضاء الفرنسي، والفرنكفوني، استعارة تنطبق في تقديرنا بشكل كبير على ما آلت إليه الكتابات المسرحية الجديدة اليوم في العالم العربي بما أفرزته من تنويعات في سجلات الكم وعوالم التخييل وتقنيات الكتابة. ويكمل: لعل ما يميز الكتابات الجديدة اليوم هو تحول السياق الجمالي العام الذي يؤطر التجربة المسرحية برمتها. وواقع الكاتب جبار الذي يمر بأزمات عديدة نتيجة ضغوط خارجية تصدر من معايشة هذا الواقع فكانت مسرحياته القصيرة تحرك ذهن المتلقي الذي أدخله في مخيلته الإبداعية.
في مسرحية "الفوضى الخناقة"، الرجل: هي المصدر الوحيد لمعيشتنا .. خدمت في بلادي ثلاثين سنة .. وأخيرا أستلم تقاعدي من الأمريكان. (ص 68).
ولو ترجع قليلاً إلى الوراء أيها القارئ، وأنت تعيد قراءات وفلسفة من أسس لهذا الصرح الجميل، وأقصد كبار رجال المسرح الذين سبقونا، وهنا أقصد المسرحية الكلاسيكية، والتي فهمها الكاتب وبدأ يصوغ  فلسفته الخاصة بالكتابة تبعا لمعطيات هذا العصر وهو عصر السرعة.
يقول عنه الدكتور عقيل مهدي يوسف في تقديمه "مسرحية المشهد الواحد" أما ناحية "التقنية" الدرامية الكتابية فإنها لا تذهب بعيدا في تفصيلات "البناء الدرامي" المعهود في النصوص المسرحية. (ص7). تجده في هذه المجموعة يكتب وفق المعايير الجمالية التي تركت فينا الكثير من الدهشة لانتشارها، حيث إن الزمن فيها زمن نفسي.
ويبقى المسرح في وقتنا الحالي مسرحا مشاكسا وخطيرا من خلال ما يقدمه على خشبات العروض المسرحية التي تنتهج نهجا ًخاصأً وعميقا في طرح قضاياه المصيرية، فجاءت مسرحيات الكاتب والقاص العراقي عبدالسادة جبار متنوعة في أشكالها، وهو متمسك في مشروعه بهذا الاتجاه، وحث المتلقي أو المشتغل في هذا الحقل على التذوق الأدبي، معتقدا بذلك بأن الأعمال الناجحة هي بالكاد ذات خصوصية متفردة تعمل على تحريك ذهن القارئ، وليس هذا فقط هي إنسانية بالأساس.
يقول الكاتب والقاص والمخرج المسرحي: التجنيس لهذه "النصوص المسرحية" وهو رهن رأي النقاد "مشهد مسرحي، مسرحية قصيرة جداً، أو أي تجنيس آخر" (ص11).
وهو يعيد لنا ومن خلال نصوصه المسرحية "50 نصاً" مسرحيا ًوالمعنونة بـ "و ا ه ل ي ة" وأهلية والصادرة عن مؤسسة ثائر العصامي - بغداد لعام 2019 وهي من القطع المتوسط ويقع في 150 صفحة. 
ويكمل الدكتور عقيل مهدي يوسف الممهدات المتعلقة  بالمشكلات وطبيعة الوضع السياسي والايديولوجي لتعرية الظواهر (ص 7): وظل جبار هو الباحث عن  "ميكانيزمات" النجاح التي اشتغل عليها وإعادة إنتاجها بشفرة من الممكن أن يفكها ويفههما القارئ العربي لامتلاكه آلية التحليل، وهو يأخذ على عاتقه بزيادة المطبوع لأن الكتابة لا تأتي من الفراغ. وتجد آثار هذه النصوص المسرحية واضحة وهو يتلاعب بالمشاعر ويأخذك في كل الاتجاهات، وهو يغوص في داخلك ويحفر بعمق في مخيلتك الصدئة من كثرة ما يدور في بلدك الذي تعيش فيه من اضطهاد وتجنِ وسرقات وقتل وعدم إحقاق حقوق الآخرين. 
وهو يخاطبك بحورات قصيرة مفعمة بالأمل والتشخيص الصحيح لواقع الحياة، لتكون أنت من الشخوص في أعماله المسرحية، وهل أنت ضحية أم محتال وبعبارة أنت من أهل الشر أو الخير، وكل هذه الأسئلة المعمقة تضعك في مواجهة السياسة المعاصرة، وهذا النمط من المسرحيات يحفز ذهنية القارئ لارتباطها بما عشناه في واقعنا المزري، وهذه النصوص "المشهد الواحد" تشد القارئ على اختلاف الأعمار والمستويات، ولأننا نعلم أن المسرح يرتبط بالحيز بالخشبة، فهل تصلح هذه النصوص "المشهد الواحد" بتقديمها على خشبة المسرح، الذي تبناه منذ شبابه المسرحي منذ انطلاقته الأولى في مدينته "الثورة" وفرقته المعروفة "الحضارة"، وهي من الفرق المهمة في هذه المدينة المتعبة، وظل يقاوم من أجل البقاء حيا في داخل بلده كي يكمل مشروعه الأشتغالي الجمالي والمحرك لذهنية القارئ أو المشاهد عرفته مجتهدا في الكتابة فهو قاص وله العديد من المجاميع القصصية والنصوص المسرحية، وهو يخاطب جمهوره الواعي النخبوي الذي يمتلك قدرة القراءة بمختلف مستوياتها، والمسرح في نظر البعض سيظل مشاكسا وخطيرا، وهو ينتمي إلى هؤلاء، ولأن قدر جبار أن يكون كذلك. 
وفي كل نص من نصوصه تجده يطالب بالتغيير ويطالب بالحرية وهو يلملم أفكاره ليشكل رؤية لواقعه المعاش، وهذه النصوص التي كتبها الكاتب جبار، والتي نشرت في كبار الصحف والمجلات العراقية ومنها جريدة "البينة" تعيد سرد أحداث الواقع المؤلم، وكذلك تدين سياسة تدين الحكم الجائر وسيطرة مجموعة من اللصوص على مقاليد الحكم. وظل  ينطلق في رؤاه معتقدا ومن خلال هذه النصوص "المشهد الواحد" ليس هناك سقف لحرية المبدع إلا السقف الذي يضعه لنفسه كرقابة ذاتية، يحاول الكاتب أن يختزل سوءات النظام غير العادل. متمنيا على المشتغلين في المعاهد الفنية وكلية فنون الجميلة أن يقدموا هذه النصوص ضمن مراحل الدراسة بوصفها مادة تطبيقية صالحة للتوظيف في مختبرات الكلية والمعاهد، وكلنا يعرف لم يعد المسرح ذلك الفن الهامشي في عالمنا العربي اليوم، بل أصبح تلك الاستعارة الثقافية الممتدة في الحياة اليومية، وهذا ما أراد إيصاله المبدع الفنان والكاتب عبدالسادة جبار في كتابه "50 نصاً مسرحيا" ليوثق لمرحلة مهمة في تاريخنا المعاصر، وهو يخرج من برجه العاجي ليرسل خطابه دونما اكتراث.
ويضم هذا الكتاب العديد من النصوص المهمة وهو يكرس في وضعية النص المسرحي وطرائق كتابته، متمنيا له أن تتحول نصوصه شيئا فشيئا لتصبح جزءا من الذاكرة المسرحية، يمكن القول إن موجة ما يسمى الأدب الوجيز الذي باتت تجتاح ألوانا ًأدبية وأبرزها الشعر الذي يشهد الآن تمظهر قصيدة الومضة التي توجز الفكرة ومضامينها معاني أدبية بكلمات، ولأن لغة المسرح تعتمد على صيغة التكثيف في لغتها لذا نجد في هذه المجموعة التي تعتمد المشهد الواحد استجابت لإشتراطات ما يسمى بخصائص الأدب الوجيز.