عزيز الشعباني يجيد تقنيات السرد في 'حاسة الرقص'

القاص العراقي عزيز الشعباني يرسم في مجموعته القصصية بلغته الغنية بالوصف والمعبرة عن مكنوناته الداخلية الفواجع في بلده، ويتمسك بالحب والحياة رغم الانكسارات التي عاشها.
القاص نجح في إيصال المعاناة إلى الآخر عبر اليات الكشف والإظهار والإبانة

يدخُلك القاص العراقي عزيز الشعباني في مشروعه السردي الجميل والغير مترهل، قاصدا في قصصه الدلالية التكثيف من خلال شخوص مروا بحياته، فأراد ان تكون شاهدة على عصره،  بحيث يشعرك بأنك لا تريد ترك مجموعته القصصية التي وقعت بين يدي في هذه الغربة القاسية وأشعلت هذه الحكايات في قلبي الحنين والتوق إلى الوطن.

"هكذا انتابني شعور صارخ بكل ما في الشعور من معنى" ص18
 لطاما كنت حريصا أن أعيش مع لحظات هذه القصص الرائعة والجميلة والتي كتبها السارد بروحه وعقله، وهو يخلق الوجع الحقيقي مع المتخيل الذي تراكم ومن خلال التدفق القرائي الذي تبناه السارد، وهذا المخيال جاء مدروسا ً من أوسع الأبواب، ومعظم قصصه تحتوي على أفكار ملتهبة وناضجة وفيها من الحِكم الكثير، واحساس بمرارة الحياة، لكنه ظل متمسكا بالحب والحياة، ويا لهذا القلب الذي يحمله كاتب هذه المجموعة .
"هل تظن يا أبي أن الفرح سيزيل البغضاء عن القلوب" ص56
 وكأنه يكتب عني وبلسان حال الجميع، وهو يرسم بلغته المعبرة كل هذه الفوضى والصراخ لما مر به بلده، فالصدق هو عربته الوحيدة التي إرتكز عليها عبر خارطة عمل واضحة ومقصودة أراد ايصالها بلغته الشيقة والغنية بالوصف والتعبير عن مكنوناته الداخلية، حتى هذه الأزمات والانكسارات التي يعاني منها ظلت ترافقه وكأنها شريط سينمائي مسجل في ذاكرته.
"حتى اللحظة أحاول أن أتشبث لإلتقاط صورة واحدة على الأقل للتعرف على معالم المكان، لأخرج من هذا العدم الذي انزلقت فيه روحي" ص24
 هذا العالم الثري الذي تختزنه ذاكرة المبدع هي التي تشتغل على عدة آليات كي تنتج شيئا مثمرا لهذا القارئ، وذلك لأنه الأداة التعبيرية التي تسهم في البناء الفني لعناصر القصة ضمن المتصور المحكي حتى يوصلنا الى أهدافه، فأخذ مقياس القص التي إنطلق منها وهو يشبه الباحث والمتخصص في مجاله مما أسس لنا الرؤى والثوابت.

وهنا أجد ان هذه السرديات وعوالمها البعيدة والقريبة المتخيلة وغير المتخيلة تأخذك إلى طرق عديدة ومنها "الموت، الحزن، الفرح، المآسي، الحسرة، الألم، الوطن، الغربة، الطائفية، الإحتلال

وظل السارد الشعباني مهرولا بعوالمه الداخلية المتمثلة بالبعد النفسي والاجتماعي، التي أنتجتها هذه العقلية التي تحتكم إلى الحكمة والمعرفة.   .
 "لكن ما الذي حدث؟ لماذا أحسست فجأة بالغربة؟؟ ليس عما حولي أو أحد معين، بل عن نفسي !ص19
 حتى قيل عنه في نهاية المجموعة من قبل الناقد  المخضرم بشير حاجم "مما تقدم عن "حاسة الرقص" هنا يكمن الخلوص بثقة إلى أن المشروع السردي لعزيزي الشعباني، حصرا ً الآن، قد بدأ بمجموعة قصصية ناجحة .
وهنا أجد ان هذه السرديات وعوالمها البعيدة والقريبة المتخيلة وغير المتخيلة تأخذك إلى طرق عديدة ومنها "الموت، الحزن، الفرح، المآسي، الحسرة، الألم، الوطن، الغربة، الطائفية، الإحتلال".
 كل هذه الآلام والفواجع تجدها في هذه المجموعة المعنونة "حاسة الرقص" للكاتب والروائي عزيز الشعباني وهي من القطع الصغير وتقع في 89 صفحة وعن دار نشر "دار ميزوبوتاميا" للطباعة والنشر والتوزيع .
ويبدو السارد الشعباني يجيد تقنيات السرد بعد هذا المخاض الطويل في الكتابة السردية معتمدا على أهمية تغذية العقل، وقد إستعان بوسائله المعروفة والهامة في تشكيل البناء السردي وكيفية إيجاد تنظيم وتجانس بين مكونات القص.
"تكاثفَ ضجيج الخوف في رأسه، تشوش الألوان، قرقعة السلاح" ص68
 وكما يقال من قبل البعض بالصور الإيجابية والسلبية، لاشك بأن على الإنسان تغذية عقله بالأفكار والصور الإيجابية، والتي تحمل في مجملها رسائل الحب أو الخير والنجاح والفلاح، فتغذي عقله بمثل هذه الصور لتساعده على عيش حياة مليئة بالسعادة والنجاح وتجعله أيضا يحقق من النجاحات والانجازات والمراتب العليا ما لا يستطيعه الإنسان الذي يملأ رأسه بالأفكار السلبية والصور المدمرة ومعاني الشر والإحباط والقلق ويركز عليها 1 
"كنا نبحث عن السعادة بعيدأ عن الإكتواء  بألمنا  اليومي، لهذا إستدعينا الفرح فجعلناه مهرجاناً من أضواء وموسيقى والغناء الحنون". ص 19 
وبهذا يحاول أن يعرف السارد الشعباني ومن خلال مجريات هذه القصص ومنها "الحرب والفرح، تنهدات ساعة سحر، ارحلوا والا، المدفع 106، الألفين وستة، عنة النواعير" وغيرها من قصص المجموعة هذا الواقع الذي عاشه ورسم مداخله بكل تفاصيله التي أنطلق منه .
"بعد الحرب وجدت أمي تنظف النوافذ بلا زجاج، وأبي يخبز جوعنا بلا طحين" ص44
 وبالتالي عبّر عن هذا الصدق المدفون في أحاسيسه، حتى تجد عنوان هذه المجموعة التي كتبها الشعباني ومن خلال نسيج محبوك لا يتيح للقارئ ان ُيضيّع كلمة واحدة في هذه القصص التي اعتبرها تفاعلية وجدلية، حيث تجد منذ لحظة القراءة الأولى هي لحظة بروز مستويات هذه النصوص التركيبية والدلالية .
"تركني أروّضُ المحنةَ بالصبر، وأحكي للصغار قصة وطن مضفور من قصب، وأجرح دموعي في هدهدات أغنية علقتّهَا على ثيابي نافذة جدتي" ص72
وحتى لا يفوتني كما نوه في مقدمة المجموعة القصصية الناقد بشير الماجد تناص العنوان "اجترار، تحويلا، امتصاص، أيضا تقنية "المفارقة، ثالثا، وذلك بكسر الانتهاء لتوقع الابتداء"، فجاءت مقدمة الكتاب جميلة جدا وهي ترسم معالم الحداثة النقدية عبر الإشتغالات التي أراد لها "الحاجم" وهي واضحة لمفاهيم النقد الحديث.
 وكان "الحاجم" يشخص الأشياء بمسمياتها في هذه المجموعة .
"في أفقنا الذاتي وما علينا سوى إضفاء النور عليها لتشع" ص40 
وهنا نقول التناص هو كتابة نص على نص، جملة  على أخرى، بيت شعر على بيت آخر، أو بأنه لوحة فيسفسائية أو قطعة موزاييك من زخارف وبالتالي هي ايصال المعلومة للقارئ بمعنى جديد.
  والتناص هو "التفاعل في نص بعينه" فكان القاص موفقاً في إيصال هذه المعاناة إلى الآخر، عبر اليات عديدة كما وصفها إبن منظور في معجمه "لسان العرب" الكشف والإظهار والإبانة.
وبهذا سجل الشعباني ومن خلال عشرين قصة في هذه المجموعة أهمية بالغة في نقل وتسجيل الأحداث والمواقف حتى بلورت الصورة عن هيكلية لمنظومة حكاياته التي لا يمل منها أحد، فبناءه السردي قائم على بنية خطاب سردي منتج ومقصود ومن خلاله تحركت جميع شخصياته، عبر لغة مكثفة وفيها من الوصف الكثير .