عسكر الجزائر يظهرون تحت جناح تبون أمام ماكرون

رسالة من الرئيس الجزائري إلى نظيره الفرنسي أنه رئيس فعلي قادر على تفكيك العقد المستحكمة في النظام الذي وصفه ماكرون بالعالق في يد العسكر.

أتقت التغطيات التلفزيونية إظهار مصافحة الفريق أول شنقريحة للرئيس إيمانويل ماكرون أثناء الاستقبال وهو أمر غريب ومحير، فعادة ما يتم إبراز صور المصافحات، وهذا تقليد ترحيبي معمول به ورسمي وبروتوكولي في العديد من دول العالم خاصة في العالم العربي حيث يأخذ أشكالا وألوانا ومبالغات في الكثير من الأحيان.
غير أن هذا التقليد وضعه الفريق أول شنقريحة خلفه بل تأكد من مصادر إعلامية حضرت مراسيم إستقبال الرئيس الفرنسي ماكرون في المطار أنه لم يلقي عليه التحية العسكرية المعتادة في هذه المناسبات، وفي هذا دلالة واضحة على أن هناك شيئا ما حدث أو قد يحدث.
الصورة مرت بسرعة كغيرها من صور أخرى شابت الزيارة، وهي ربما تختزل صراعا مضمرا وخفيا ممتدا ومجروحا ساكنا في ذاكرة أمة قاطبة يراد لها أن تهدأ وتطوى صفحاتها بين مستعمِر ومُستعمر، بين جيل يمثله الفريق أول شنقريحة مكتو ومصاب في قلبه وروحه وجسده ولا يريد أن ينسى، وجيل آخر يريد ماكرون إختزاله في بضعة شباب مفترض ومختار بعناية قصوى حتى لا يتم إرباك مستقبل البلدين الذي يراه الرئيس الفرنسي بعين الروائي كمال داود وبعض أصحاب startup.
حتى وإن حاولت مختلف التحليلات والتقارير والتغطيات الإعلامية إعطاء وجه ملهم للرئيس تبون في هذه الصورة ونسبت له أدوارا كبيرة كلاعب مهم وقطب رئيسي إلا أن ظهوره أثناء كل الزيارة كان شاحبا ومرتبكا وكأنه خارج التغطية.
سـيــّل ماكرون منذ وقت قريب تصريحات إعلامية ضد النخبة العسكرية الجزائرية أنبنى عليها صمت غاضب من طرف هذه الأخيرة، أفضى إلى تجاذبات وموانع لم تقل اسمها ولكنها قلصت الحوار بين الجزائر وفرنسا، وتعمدت الرئاسة أنذاك إلى التصويب والتبرير ووضع ماكرون في مكانه دون فهم الأسباب والخلفيات التي جعلته ينطق عن هوى مكبوت أو يرفع ويرافع عن صوت خافت لجهة ما في الحكم ملت أو رأت أنها عالقة ومكبلة ولا تقدر على الفكاك من قبضة اليد الحقيقية في النظام.
في زيارته إلى الجزائر حفل برنامج ماكرون بالكثير الكثير. وتغير أيضا. فلم يكن واردا أن يجتمع قادة المصالح الأمنية للبلدين تحت أعين الرئيسين في لقاء تم على طاولة غداء مثلما هو مبين في لقطات التلفزيون الجزائري الرسمي.. وقالت التقارير أنه الأول من نوعه منذ إستقلال الجزائر الذي يعقد بهذا المستوى علنا، فمثل هذه اللقاءات تتم عادة بعيدا عن أعين الإنس والجن، ولا يفصح عنها، وتبقى في خانة السرية والغموض.. ولكن هذا المرة تغيرت المعطيات والسياقات والظروف وحتى الطرق والأساليب في التعاملات الأمنية وهو ما أتضح من هذا اللقاء خاصة من الجانب الجزائري حيث تم رفع غطاء الظلال وهالات إخفاء رجال الإستخبارات الجزائرية عن الصورة، وإن لم يشر التقرير بالإسم لقادة الجهاز الجزائري بل أكتفى بذكر الصفة لأسباب مجهولة مع أن الكل أصبح يعرفهم بالإسم واللقب، ولم يذكر أيضا اسم مدير الأمن الخارجي الفرنسي.
لا أحد يعلم كيف تمت برمجة هذا اللقاء في الوقت بدل الضائع. هل هي مصالح الرئاسة لإعطاء إنطباع للضيف بأن تبون هو المتحكم في مفاصل القرار والحكم وهو من استدعى القادة؟. الثابت من خلال الصورة أن مفاجأة اللقاء تظهر في وجوه الفرنسيين أكثر منها عند الجزائريين.
وبالعودة إلى الصورة التي نقلها التلفزيون الجزائري في أقل من دقيقة كانت سريعة وخاطفة، يمكن ملاحظة العديد من الأمور، فبإستثناء الجنرال راشدي المدير العام للوثائق والأمن الخارجي، والجنرال مهنا جبار من الجانب الجزائري، ومدير الأمن الخارجي الفرنسي بيرنار إيمي، كان الكل يضع يديه على الطاولة، وهي وضعية تقرأ على أنها مواجهة متكافئة في السلطة. تلفت نظرة الحدة عند الفريق أول شنقريحة أكثر، بينما تنطبع إبتسامة خفيفة عند كل من الجنرال راشدي ومجدوب بينما تخفت عند الجنرال مهنا جبار.
 تظهر الصورة الرئيس تبون يتكلم وكعادته يلوح بيديه. كان عدد القادة الأمنيين الجزائريين الذين حضروا اللقاء ثلاثة دون إحتساب الفريق أول شنقريحة، واكتفى الجانب الفرنسي بالسيد سيبستيان لوكورنو وزير الجيوش الفرنسية، والفريق أول تييري بوركار رئيس أركان الجيوش، ومدير الأمن الخارجي بيرنار إيمي، وإذا أخذنا حضور هذا الأخير فيمكن القول أن هذا الإجتماع صب في خانة واحدة وهو التركيز على التهديدات الخارجية التي تستهدف البلدين.
 وإن صحت التحليلات والآراء يمكن أن يكون موضوع من يقال أنهم معارضون مطلوبون للعدالة الجزائرية في صلب النقاش وما حضور المكلف بهذا الملف الجنرال مهنا جبار مدير مكافحة التخريب، إلا لمحة عما يمكن أن يتمخض عليه هذا الإجتماع في المستقبل.
 اللافت أيضا في الصورة عدم وجود أي وثائق أو أوراق أو مستندات أو أقلام عدا أجندة موضوعة على يمين مدير الأمن الخارجي الفرنسي، وهو ما يجعلنا نرجح أن الإجتماع برمج على عجل ومؤشر على محاولة إيصال رسالة قوية من الرئيس تبون إلى نظيره الفرنسي أنه رئيس فعلي قادر على تفكيك العقد المستحكمة في تفاصيل ودقائق النظام الجزائري الذي وصفه ماكرون بالعالق في يد العسكر، وأنه فعلا منسجم ومتوافق تماما مع أهم عصب للجيش الجزائري: المخابرات والأركان. 
صورة أخرى أيضا هامشية للزيارة وهو تهافت الإعلام والتحاليل والآراء في تعظيمها وإستعراضها بأقصى ما يمكن من المزايا والأفضال وكأن كل أزمات الجزائر حلولها بيد ماكرون وهو ما جعله يمارس نجومية فاضحة وشحها بخطاب مرمز ومشفر بالكثير من الرسائل، والحال أنه يقول لا بد أن تنسوا الماضي من أجل المستقبل، ولا يمكنكم أن تفكوا إرتباطكم بفرنسا مهما فعلتم ومهما عملتم فلا بد أن تعودوا إلينا.
ماذا سيتبقى من هذه الزيارة في رأس كل واحد تابع أطوارها.. أغلب الظن أنها لن تمحو ما قامت به فرنسا طوال أكثر من 100 سنة، ولا يمكنها أن تشق المستقبل بدماء شهدائنا حتى تعترف بما قامت به وهو ما يرفضه ماكرون وسيظل عالقا فيه مهما تكثفت الزيارات وتكاثرت على أبواب الجزائر الحرة.