عن اعتدال الرئيس الايراني

لا يمكن لرئيس إصلاحي ومعتدل أن يؤكد انتمائه لأكثر عناصر السلطة الإيرانية تشددا وفسادا، الباسيج والحرص ومقر "خاتم الأنبياء" للانشاءات.

منذ بداية ظهور اسم مسعود بزشكيان كمرشح للرئاسة في إيران كثر الحديث بشأن كونه يمتلك أفكارا ورؤى معتدلة وبعد فوزه الملفت للنظر في الانتخابات الرئاسية وما أشيع عن دعم المرشد الاعلى للنظام له وحتى إن إختيار أعضاء حكومته كان بعد مشاورات أو توصيات منه كما أكد بزشكيان ذلك بنفسه في البرلمان الايراني عشية منح الثقة لحكومته. والمثير في الامر إنه وعلى الرغم من إن هناك وراء دعم خامنئي له أكثر من علامة إستفهام، لكن ذلك لم يخفف من حماس وإندفاع البعض في الثقة باعتداله المزعوم والتعويل عليه لتحقيق ما قد عجز عنه أسلافه وتحديدا روحاني وخاتمي.

بزشكيان الذي لم ينقل عنه منذ فوزه بالانتخابات وتسلمه مهام علمه ولحد الان أي تصريح بخصوص تأكيد كونه معتدلا وإصلاحيا، بل وحتى إن العكس قد حصل تماما إذ نقل عنه العديد من التصريحات التي يؤكد فيها ليس إنحيازه للتيار المتشدد الذي يقوده خامنئي، بل وحتى تأكيد إنتمائه له.

لم يكتف بزشكيان بما نقل عنه من تصريحات بشأن مواقفه الصريحة للتيار الذي يقوده مرشد النظام فقط، بل وحتى إنه قد حرص على أن يترجم تصريحاته ومواقفه بصورة عملية على أرض الواقع. وبهذا الصدد وفي 19 أيلول/سبتمبر الجاري، التقى بزشكيان بشخصيات رئيسية من وزارة المخابرات والأمن، مشيدا بهم باعتبارهم "الجنود الحقيقيين" للثورة. وفي خطاب ألقاه، شدد على ما أسماه "الجهود المتفانية لعملاء الوزارة"، واصفا إياهم بأنهم "يعملون دون الكشف عن هويتهم للحفاظ على الجمهورية الإسلامية دون السعي لتحقيق مكاسب شخصية". وأشار إلى أن "هؤلاء الجنود كانوا الأقرب إلى الله" بسبب نواياهم وأفعالهم النقية.

وبنفس السياق أيضا وفي 7 أيلول/سبتمبر، زار بزشكيان مقر "خاتم الأنبياء" للإنشاءات، وهو ذراع للحرس الثوري. وتفقد بزشكيان، برفقة القائد العام للحرس الإيراني حسين سلامي، مشاريع البنية التحتية الواسعة للمقر. وعقب الزيارة، أعرب عن أمله في أن يتم استخدام قوات "الباسيج" لمعالجة مشاكل إيران الداخلية، ووضع نفسه بقوة كمدافع عن قيم الباسيج. وكرر أنه "كان ولا يزال وسيظل من الباسيج"، في إشارة إلى دور ميليشيا "الباسيج" في دعم المهام الأيديولوجية والعسكرية للنظام. وقد رددت صحيفة كيهان هذا الشعور، التي أشادت بتأييد بزشكيان لعقلية الباسيج كمنقذ للبلاد.

ومن المفيد هنا الإشارة الى أن مقر "خاتم الأنبياء" للإنشاءات، هو أكثر بكثير من مجرد كيان بناء. وتأسس هذا المقر خلال الحرب الإيرانية العراقية لدعم المجهود الحربي، ومنذ ذلك الحين نمى ليصبح واحدا من أقوى الكيانات الاقتصادية والعسكرية في إيران، ويسيطر عليه الحرس الثوري إلى حد كبير. وهو يشارك في مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، بما في ذلك السدود والأنفاق والطرق السريعة ومشاريع الطاقة، مما يجعله حجر الزاوية في الاقتصاد الإيراني.

لكن ومع ذلك، فإن مقر "خاتم الأنبياء" لا يتعلق فقط بالتنمية الاقتصادية، بل متجذر بعمق في البنية الأيديولوجية والأمنية الأوسع للنظام. ويعمل هذا المقر كعمود فقري مالي للحرس الإيراني، مما يسمح للنظام بتمويل كل من القمع المحلي والعمليات الخارجية. إن الثروة والموارد التي یسيطر عليها مقر "خاتم الأنبياء" تمكن الحرس الإيراني من العمل بشكل مستقل عن الميزانيات الحكومية، الأمر الذي أثار المخاوف بشأن افتقار هذا المقر إلى الشفافية ودوره في التعاملات الفاسدة داخل إيران.