فلسفة البيولوجيا عند إرنست ماير في رسالة علمية

فلسفة البيولوجيا تعتبر أحد الاتجاهات الحديثة والمعاصرة فى فلسفة العلوم.
من أقدم من اهتم بتحليل القضايا الشائكة الفلاسفة اليونان القدماء
العلم ليس فقط محتوى ولكن سياق "العوامل الخارجية"، سياق العلم يمكن أن يكون ذا تأثير مُعتبر في تطوره

أكد الباحث مختار العبيدي في أطروحته لنيل الماجستير من كلية الآداب جامعة الفيوم بمصر، أن فلسفة البيولوجيا تعتبر أحد الاتجاهات الحديثة والمعاصرة فى فلسفة العلوم، حيث تهتم فلسفة علم البيولوجيا بدراسة العلاقة بين الأفكار والفروض العلمية التي يتقدم بها العلماء والفلاسفة فيما يتعلق بتموضع الإنسان وعلاقته بالحياة، ومن أقدم من اهتم بتحليل هذه القضايا الشائكة الفلاسفة اليونان القدماء مثل : طاليس وأناكسيمانس وأكسينوفان والمدرسة الفلسفية الأيونية بشكل محدد، وكذلك المدرسة الآيلية في مسألة نشأة الكون.
وكما يعد إرنست ماير من الفلاسفة المعاصرين، حيث لفت الإنتباه إلى بعض الإشكاليات البيولوجية المهمة فى فلسفة البيولوجية، فقد ألف مجموعة من المقالات تتمحور حول قضايا مهمة، ألا  وهى: ما الذي يجعل "علم البيولوجيا" فريداً من نوعه؟ وما المقصود بقضية الانضباط العلمي؟ 
كذلك يعتبر ماير صاحب أطروحات فلسفية وبيولوجية مهمة لأنه عالم بيولوجيا في الأساس له دور في بناء وتدعيم نظرية التطور، فقد دعا إلى فلسفة جديدة، والتي حاول فيها أن يجمع بين مختلف العلوم بالأخص البيولوجيا والفيزياء، وفي الوقت نفسه التخلص من تأثيرات الفلسفة التقليدية للعلوم.
 لذا فأفكار ماير الجديدة لفلسفة البيولوجيا تكمن في عدة محاور:
1-    العلوم الفيزيائية ليست النموذج للعلم كله.
2-     الروايات التاريخية هي أكثر أهمية من شرح القوانين.
3-     قوانين التفسير والتنبؤ غير متماثلة في البيولوجيا. 
4-    لا يوجد صراع بين السببية والغائية.

الباحث استخدم المنهج التحليلي النقدي المقارن كي يتمكن من تحليل الأفكار الفلسفية في البيولوجيا عند إرنست ماير

بالإضافة إلى أن البيولوجيا تتعامل مع القضايا الشائكة والإجابة على العديد من التساؤلات العلمية والأخلاقية ومفاهيم واستعمالات العلم والتي تظهر بسبب العلم نفسه وأخلاق البيوتيقا مثل: ما هو قانون الطبيعةِ law of Nature وما هي الأنواع الطبيعية؟ وكيف يفرق بين العلم الحقيقي والزائف في العلم؟     
تحاول فلسفة البيولوجيا عند إرنست ماير الإجابة عن كل هذه الأسئلة من خلال الأطروحات الخاصة بفلاسفة البيولوجيا، فبالنسبة لماير، فالعلم ضمان منطقي يقوم على الملاحظات والمنطق ويعد تقدم العلم تحريرا للمعرفة العلمية من المعتقدات الدينية، والفلسفية، والعقائدية الأخرى.
رغم ذلك فالعلم ليس فقط محتوى ولكن سياق "العوامل الخارجية"، سياق العلم يمكن أن يكون ذا تأثير مُعتبر في تطوره، ولكن معناه الرئيسي يتوقف على تباطؤ التقدم العلمي.
تحاول فلسفة البيولوجيا عند إرنست ماير الإجابة عن أسئلة العلم في البيولوجيا، ذلك لأن العلم ضمان منطقي يقوم على الملاحظات والمنطق، ويعد تقدم العلم تحريرا للمعرفة العلمية من المعتقدات الدينية، والفلسفية، والعقائدية الأخرى، ولذلك يعد تباطؤ العلم نهاية للمعرفة العلمية والبيولوجيا.
وقام إرنست ماير بتجريد البيولوجيا من هيمنة نظرية دارون وسيطرة المناهج الفيزيائية ولا يزال الكفاح مستمرا حتى الوقت الراهن لتحرير البيولوجيا. وعلاوة على ذلك، اهتم ماير بالأحداث الجارية داخل علم البيولوجيا والعلوم الأخرى خاصة الفيزياء. وأوضح فكرة رئيسية وهي "نمو الفكر البيولوجي" والتي تعنى أن علم البيولوجيا يمكنه أن يتكلم بالتفصيل عن فلسفة العلم بعيدًا عن الحدود المعروفة للعلوم الفيزيائية.
كذلك قام ماير بتحليل التطور النوعي لعدة مفاهيم خاصة بعلم البيولوجيا التطوري الحديث.
وناقش الثورة الداروينيه الأولى والثانية واهتم بالشرح المفاهيمي، وفي ذلك يقول ماير: "إن تاريخ علم البيولوجيا ليس قصة تروى ولا استجمام تاريخي للماضي، وإنما هو شرح مفاهيمي في الأساس".
وذلك للأسباب الآتية:
1-    موقف ماير رد فعل طبيعي على كل من الوضعية المنطقية والفيزيائيين المسيطرين على فلسفة العلم والذين لم يتبعوا طبيعة البيولوجيا الخاصة؛ لأنها لم توافق منهجهم، لذلك قاموا بحل كل المشاكل العلمية من خلال المنطق والقياس غير المنتج والذى لا يصلح للتطبيق على الظواهر الفزيائية.
2-     لذا عندما نناقش تطور ماير كمؤرخ لعلم البيولوجيا نجد أن ولعه التاريخي بعلم البيولوجيا قد ظهر متأخرًا نسبيًا؛ لقد ظل ينشر أوراقه بانتظام في موضوعات أخرى، على سبيل المثال: علم تصنيف الأنواع والتطور، منذ ورقته البحثية الأولى في بدايات عام 1920 حتى 1940، ظل ماير يعمل أساسًا على علم الطيور، وعلم التصنيف النظري، وتحول اهتمام ماير إلى علم البيولوجيا التطوري على نحو متزايد خلال عام 1940 وخاصة بعدما انتقل من المعهد الأميركي للتاريخ الطبيعي بنيويورك إلى جامعة هارفارد عام 1953، بحلول نهاية عام 1950 لم يكن ماير قد نشر بشكل ملحوظ في تاريخ علم البيولوجيا، ولا حتى قبل 1970، فالأسئلة التاريخية لم تكن قد أخذت حصة كبيرة من منشوراته. 
  إن الافتراض بأنه يمكن اختزال نظريات ومفاهيم كل العلوم الأخرى، ومن ضمنها البيولوجيا لصالح نظريات ومفاهيم العلوم الفيزيائية، لم يسيطر على الفلسفة فقط ولكن على العلم ذاته، منذ أيام جاليلو وديكارت، لكن الدراسة المتعمقة للأنظمة البيولوجية تطورت في المائتي عام الماضية، فأصبح الاختلاف بين الأنظمة الحية والأنظمة غير الحية واضحاً بغض النظر عن درجة تعقيد الأنظمة غير الحية أو درجة بساطة الكائن الحي، إن محاولات "اختزال" الأنظمة البيولوجية لمستوى العمليات الفيزيائية الكيميائية البسيطة قد باءت بالفشل؛ بسبب أنه أثناء الاختزال فقدت تلك الأنظمة بعض الخصائص البيولوجية، فالكائنات الحية لها خصائص عديدة ببساطة ليست موجودة في عالم الجماد والمواد غير الحيه، كما ينبغي الأخذ في الأعتبار خصوصيات الكائنات الحية بشكل كاف في فلسفة متوازنة للعلم. 

إن  الجيل الجديد من فلاسفة العلم واعون تماماً إلى ذلك، ومن خلال التباين افترض أن أي إشارة لاستقلال علم البيولوجيا هي محاولة لإعادة تقديم الفلسفة الحيوية من خلال الباب الخلفي، لذا وجب التشديد على أن علماء البيولوجيا الجدد يرفضون فكرة تواجد القوى الحيوية "vital forces" في الكائنات الحية والتي لا تخضع لقوانين الفيزياء والكيمياء، فكل العمليات الموجودة في الكائنات الحية بداية من تفاعل الجزيئات إلى جانب العمليات العقلية ووظائف الأعضاء تخضع لقوانين الفيزياء بإحكام، حيث الكائنات الحية تختلف عن الحالة الجامدة في ترتيب أنظمتها وخاصة في امتلاك المعلومات المشفرة.  
ومن جهة أخرى ، يؤكد ماير علي أن علم البيولوجيا تقدم من خلال ثورات إلا أن هذه الثورات لم تكن فجائية، بل كانت عمليات طويلة المدي بدءا من أرسطو ووصولا إلى داروين، إلي أن وصل علم البيولوجيا إلي هذه المرحلة كعلم قدم الكثير للبشرية، وجاء قول ماير هذا لينافي فكرة توماس كون  Thomas Khun التي تذهب إلي أن الثورات تحدث بشكل فجائي وتحدث قطيعة معرفية بين الحقب الزمنية المختلفة، وأرجع ماير قول كون لكونه عالم فيزياء تأثر كثيرا بالقانون والمنهج الفزيائي، فقد هاجم ماير بكل جهده ما يراه التبسيط غير الواقعي الذي يقوم به علماء الوراثة، وهو يسخر من جهودهم واصفا إياها بالوراثة العشوائية، ويتهمهم بأنهم يحاولون الانتقاص من التطور، واعتباره مجرد تغير في تكرار الجينات من دون النظر إلى كيف تعيش تجمعات الكائنات، فعالم الوراثة البارز، فيشر هالدن H. A. Fisherعلى سبيل المثال، استنتج أن التجمعات الكبيرة يجب أن تتطور أسرع من التجمعات الصغيرة لأنها تمتلك احتياطيا أضخم من التنوع الجيني، لكن ماير لاحظ العكس من ذلك تماما، وصرح قائلا: كلما كبر حجم النوع قلت سرعة تطوره، فهو يصبح خاملا تطوريا ولم تُبْنَ استنتاجاتي هذه على الحسابات ولكن بنيت على الملاحظة البسيطة، وبالطبع انتصرت الملاحظة وتبين أن الحسابات كانت كلها خاطئة.
وهذا بدوره يطرح عدة إشكاليات فلسفية أهمها:
-    ما طبيعة فلسفة البيولوجيا وأبعادها الفلسفية؟ 
-    وما هي إشكالية التنوع البشرى من منظور البيولوجيا؟
 ما الطرح الأخلاقي للثورة البيولوجية بين الواقع والمأمول؟
وما هي طبيعة الأخلاق البيولوجية ضمن الإطار القيمي ومنظورها من البيولوجيا المعاصرة؟ 
وما هي أبعاد العلم المعاصر/ التوجه اللاعقلاني في المجتمع الحيوي الاصطناعي، وعلاقته بالبيولوجيا المتقدمة عند ماير؟
هل من الممكن استقلال البيولوجيا عن العلم من منظور ماير؟
هل يمكن إيجاد بيولوجيا للفرد والمجتمع عند ماير وما هو منظور التوجه الميكانيكي للمجتمع؟
وقد أستخدم الباحث المنهج التحليلي النقدي المقارن كي يتمكن من تحليل الأفكار الفلسفية في البيولوجيا عند إرنست ماير، فأما كونه مقارنًا لأن الباحث يقارن بين التنظير الفلسفي لفلسفة ماير وفلاسفة العلم الآخرين، من أجل الوصول لفلسفة علم ماير، وأما كونه نقديًا لأن الباحث يحرص على نقد الأفكار الفلسفية في فلسفة العلم عند ماير. وأيضأ استخدم الباحث المنهج التاريخى للرجوع إلى الأصول الفلسفية لفلسفة البيولوجيا عند إرنست ماير.