قاضٍ دولي يطرح آراءه في القانون والحياة

فؤاد عبدالمنعم رياض يعالج العديد من المشاكل الحيوية التي تقض مضجع الإنسان المصري الحريص على سلامة ومستقبل وطنه. 
عدم الوعي بما يهدد كيان الجماعة المصرية من مخاطر محدقة أمر من شأنه انهيار هذا الكيان
استفحال ظاهرة عدم تكافؤ الفرص الناجمة عن التمييز الجائر

في مقدمته لكتابه "آراء قاضٍ دولي في القانون والحياة"، أكد د. فؤاد عبدالمنعم رياض، أن المقالات التي يضمها كتابه نشرها خلال ما يقرب من ثلاثة عقود، حيث تعالج العديد من المشاكل الحيوية التي تقض مضجع الإنسان المصري الحريص على سلامة ومستقبل  وطنه. 
ويضيف "سعيت إلى تقديم ما توصلت إليه في أبحاثي وما جادت به قريحتي من أفكار لعلاج هذه المشاكل. وقد أدت بعض هذه الاقتراحات إلى تعديلات تشريعية في مجالات مهمة: من ذلك ثبوت الجنسية المصرية لأبناء الأم المصرية المتزوجة من أجنبي وكذلك إعمال مبدأ التمييز الإيجابي لتتمكن المرأة من الإسهام في المؤسسة التشريعية كما تمكنت من الاشتغال بالقضاء .. هذا فضلاً عن قيام الإدارة باتخاذ العديد من الإجراءات الساعية إلى القضاء على التمييز بسبب الجنس أو الدين".
كذلك تطرقت مقالات الكتاب إلى العديد من الأمور اللصيقة بحقوق الإنسان وإلى ما يعرف بالجرائم ضد الإنسانية، وقد زاد اهتمام المجتمع الدولي بملاحقة مرتكبي هذه الجرائم بسبب تفاقمها ولما تنطوي عليه من إهدار الآدمية الإنسان أيًا كان موقعه ولتهديدها لسلام وأمن الجماعة الدولية. ومن ثم وجب اتخاذ العديد من الوسائل القانونية والقضائية في المجال الدولي للحيلولة دون تفاقم هذه الجرائم وردع مرتكبيها، وهو ما سعت إلى تحقيقه المؤسسات الدولية في الآونة الأخيرة عن طريق إنشاء المحاكم الجنائية الدولية. غير أنه مما يؤسف له أن غالبية الدول العربية ما زالت ترفض المشاركة في هذا القضاء الجنائي الدولي رغم أنه وجد لحماية ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعلى رأسهم الشعب العربي في أرض فلسطين المحتلة الذي لا يزال يعاني من أبشع أنواع هذه الجرائم.

نخبة مثقفة تواكب روح العصر وتنقطع أسباب الاتصال بينها وبين الفئة الجامدة، الأمر الذي يؤدي بهذه الفئة المثقفة إلى الاغتراب داخل الجماعة الوطنية أو إلى الهجرة إلى الخارج

ليست محنة شخصية
ومن وجهة نظر فؤاد عبد المنعم رياض، أن عدم الوعي بما يهدد كيان الجماعة المصرية من مخاطر محدقة أمر من شأنه انهيار هذا الكيان خاصة إذا كانت هذه المخاطر تنبثق من داخل تلك الجماعة ذاتها. ويذخر التاريخ بأمثلة تؤكد أن أممًا عظيمة ما كانت لتتحلل لولا أن دب في جذورها العطب الذي دمر كيانها من الداخل. فلم تكن هناك حاجة إلى قوة خارقة تؤدي إلى انهيارها؛ إذ من الثابت أن العوامل الداخلية تفوق آثارها أية عوامل في الإضرار ببنية المجتمع وحياة أفراده. ومن ثم يجدر بالمواطن أيًا كان موقعه أن يرهف الإدراك بها يصيب جماعته من مخاطر ويعيرها اهتمامًا باعتبارها جزءًا من محنته الشخصية. وجدير بالمثقف ألا يتخاذل عن أداء الدور في إيقاظ الوعي بما يحيق بهم من أخطار خاصة وأنهم قد لا يدركون آثارها المدمرة على حياتهم في المدى الطويل فيشحذ هممهم كي يتصدوا لما يواجههم من تحديات، ويطالب القائمين على شئون الدولة بإيجاد الحلول اللازمة.
عدم تكافؤ الفرص
وينوه المؤلف أن تفاقم الفجوة بين الفئة ذات الثراء الفاحش والفئات المعدمة وهو الأمر الذي من شأنه انهيار كيان الجماعة الوطنية؛ إذ لا يصح الجسد إذا فقدت خلاياه ترابطها فانقسمت على نفسها. وواقع الأمر أن المجتمع المصري في الحقبة الأخيرة لم تتباعد فيه الشقة بين تلك الفئتين فحسب، بل فقد مكونًا اجتماعيًا أساسيًا ألا وهو الطبقة الوسطى التي كانت تضم المثقفين والمبدعين الذين يشكلون ذوق الجماعة الوطنية ويؤكدون قيمها. ومع غياب دور الطبقة الوسطی برزت المواجهة الحادة بين الطبقة ذات الثراء وبين الطبقة التي لا تكاد تجد قوت يومها، وغني عن البيان أن مثل تلك المواجهة السافرة من شأنها تهديد أمن الجماعة وسلامتها، ويزيد من خطورة هذا الصدام غياب روح التكافل وإحساس ذوي الثراء بمعاناة المعوزين بل بآدميتهم.
وينوه المؤلف باستفحال ظاهرة عدم تكافؤ الفرص الناجمة عن التمييز الجائر لفئة معينة تتمتع بالسطوة أو بالجاه على حساب فئات أخرى تنتمي لأقليات عرقية أو دينية أو طبقات اجتماعية متواضعة. وليس بخافٍ ما قد يؤدي إليه هذا التمييز من إحساس بالظلم وغضب مشروع لدى شريحة لا يستهان بها من المواطنين ومن إهدار للتماسك اللازم لحياة الجماعة الوطنية، هذا فضلا عن ضرره البالغ بسلامة الدولة وبحسن سير مرافقها نظرًا لغياب المعيار الموضوعي في اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب.  

Law and life
سعيت إلى تقديم ما توصلت إليه في أبحاثي 

أيضا أدى تفاقم ظاهرة عدم سيادة القانون وعدم تنفيذ أحكام القضاء إلى سعي كل من لديه القدرة إلى الإفلات من أحكام القانون أو من تنفيذ أحكام القضاء، وفي ذلك القضاء على هيبة الدولة ذاتها، كما أنه يطلق يد الأفراد لأخذ حقوقهم بأيديهم والاعتداء على حقوق الآخرين وإهدار المال العام، وبذلك تسود شريعة الغاب في دولة كانت مهدا للحضارة. وغير مُجدٍ حينئذٍ السعي إلى النهوض بالمجتمع بإصدار تشريعات تحقق العدالة الاجتماعية طالما أن أفراد المجتمع، بل سلطات الدولة ذاتها لا يؤمنون بقدسية القانون.
ولعل من أشد المظاهر خطراً كذلك على حياة الجماعة المصرية ومستقبلها ما نلمسه من تقاعس عن مواكبة روح العصر وعن إيقاعه المتسارع. وقد انتهى الأمر بهذا التقاعس إلى التقوقع في ماض منبت الصلة بحاضرنا، تنشد فيه شريحة مهمة من المجتمع الهروب من تحديات الواقع تحت ستار زائف من الدين ومن التقاليد البالية. 
وقد صاحب هذا الفكر المتحجر رفض الآخر المختلف فكرًا أو دينًا وكذلك رفض الحوار البناء في سبيل التقدم. وقد كان للنكسة التي حلت بالتعليم وبوسائل الإعلام في مصر دور أساسي في ما وصلت إليه هذه الشريحة المهمة من المجتمع من جمود وتخلف فكري، ويزداد الأمر خطورة نظرًا لوجود فئة أخرى تمثل نخبة مثقفة تواكب روح العصر وتنقطع أسباب الاتصال بينها وبين الفئة الجامدة، الأمر الذي يؤدي بهذه الفئة المثقفة إلى الاغتراب داخل الجماعة الوطنية أو إلى الهجرة إلى الخارج.
يذكر أن كتاب "آراء قاضٍ دولي في القانون والحياة"، للدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .(وكالة الصحافة العربية)